ملفات مالية تنتظر حكومة لبنان تحت أنظار دولية

28 يونيو 2022
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (حسين بيضون)
+ الخط -

يُنهي رئيس الحكومة اللبنانية المُكلَّف نجيب ميقاتي اليوم الثلاثاء استشارات التأليف غير الملزمة مع النواب المستقلّين والكتل البرلمانية ليبدأ العمل على صيغة حكومية يُقدِّمها لرئيس الجمهورية ميشال عون علّه يحصل على توقيعه في ظلّ أجواءٍ سياسية لا تُبشِّر بسلاسة المسار، نظراً لشروط الحصص الوزارية التي تضعها أحزاب السلطة، إلّا في حال حصول تسوية سريعة في ظلّ الأجواء الاقتصادية الضاغطة المرفقة برقابة دولية سيما من جانب صندوق النقد الدولي.

ويؤكد مصدرٌ مقرّبٌ من ميقاتي لـ"العربي الجديد" أن الرئيس المُكلَّف يسعى لتشكيل حكومة بأسرعِ وقتٍ ممكنٍ ويأمل أن تنال الصيغة التي سيقدمها توقيع الرئيس عون لتتابع الملفات الاقتصادية وتتمكن من اتخاذ القرارات بطريقة طبيعية إذ من غير الجائز بقاء البلاد في حال تصريف الأعمال.

بيد أن المصدر يشدد في المقابل على أن ميقاتي في حال العرقلة لن يبقى في موقع المتفرّج أو المنتظر فحكومته الحالية سبق أن أنجزت الكثير وعليها استكمال ما بدأته من ملفات وخطط ولن يرضخ للمعنى الضيق لتصريف الأعمال وهو سيضغط باتجاه البرلمان للعمل سريعاً والبت بالقوانين على رأسها موازنة عام 2022، وسيشارك لأجل هذه الغاية في جلسة لجنة المال والموازنة المقبلة والتي كانت أرجئت الاثنين بداعي إصابة رئيسها النائب إبراهيم كنعان بفيروس كورونا.

ويلفت المصدر إلى أن "ميقاتي يعطي الملفات المالية أولوية ويدرك صعوبة المرحلة والقرارات القاسية التي يجب اتخاذها والتي يجب البت بها بحيث لم تعد تحتمل التأخير والمماطلة، ومنها الدولار الجمركي، كما يدرس طريقة تحسين وضع موظفي القطاع العام سواء على صعيد التقديمات الاجتماعية أو بدلات النقل وهي خطوات تقتضي أن يكون بيد الدولة أموال، وكلنا يعرف وضعها المالي الذي يتطلب فرض رسوم على أن تكون مدروسة".

وفي وقتٍ يُحكى عن سيناريوهات كثيرة ممكن أن يلجأ اليها ميقاتي على مستوى الصيغة الحكومية التي سيقدمها، منها الإبقاء على وجوه قديمة في الحكومة الجديدة خصوصاً لوزراء ممسكين بملفات تقتضي المتابعة من الفريق نفسه، وتركيزه على وزارة الطاقة حيث لم يرضَ عن طريقة تعاطي الوزير وليد فياض الإدارية وهي من المعضلات الحكومية في ظل تمسك التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل بها، تبقى الأنظار الدولية مركزة على لبنان وإن بوتيرة أخف.

ويقول مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"العربي الجديد" إن "فرنسا تنظر إلى التطورات اللبنانية وتشدد على أهمية تشكيل حكومة في وقت سريع فالوقت ليس لصالح لبنان، وعلى الساسة إيلاء أولوية للموضوع الاقتصادي الاجتماعي الذي لم يرق تعاطيها معه بعد إلى المسؤولية والمستوى المطلوب نظراً للكارثة الاجتماعية التي تطاول الشعب اللبناني".

ويشدد على أن "ما ينتشل لبنان هو الدعم المالي المباشر للدولة الأمر الذي لن يحصل حتى قيام ورشة إصلاحية فعلية، وهي تتطلب حكماً استقراراً سياسياً أمنياً ومؤسسات فاعلة وعاملة غير معطّلة".

في السياق، تقول المديرة التنفيذية لمنظمة "كلنا إرادة" (تعرِّف عن نفسها بأنها منظمة ملتزمة بالإصلاح السياسي في لبنان) ديانا منعم لـ"العربي الجديد" إن أبرز الملفات الاقتصادية على المستوى الحكومي يمكن تحديدها وفق الأولويات بالاستناد إلى الاتفاقية التي حصلت مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء، إذ حدد الاتفاق المبدئي مجموعة من الإصلاحات تُسمَّى بالإجراءات الأولية التي على الدولة اللبنانية أن تقوم بها قبل عقدِ البرنامج مع الصندوق.

من هذه الإجراءات المسبقة التي على السلطتين التنفيذية والتشريعية العمل عليها، تشير منعم "إقرار موازنة عام 2022، الغاء السرية المصرفية، إقرار قانون الكابيتال كونترول الذي يحتاج إلى تعديلات وذلك بالتوازي مع إقرار قانون إعادة هيكلة المصارف الذي يعدّ بمثابة الحجر الأساس لكل الإصلاحات لأنه يحدد الطرف الذي يتحمل الخسائر، وهي قوانين تتطلب أيضاً ادخال تعديلات عليها قبل إقرارها".

وتنبّه منعم إلى أن لبنان لا يملك ترف الوقت، خصوصاً في ظل تغيّر المعطيات الاقتصادية، بحيث إنه في حال وصلنا إلى آخر شهر سبتمبر/أيلول المقبل من دون القيام بأي خطوات جدية على مستوى القوانين السابق ذكرها فهناك إمكانية مرتفعة النسب بعودة النقاش مع صندوق النقد الدولي إلى نقطة الصفر، وتالياً إعادة النظر بالاتفاق الأولي الذي تم التوصل إليه ولا سيما أن الصندوق بهذه الحالة يمكنه أن يلمس ألا نية جدية لدى المسؤولين اللبنانيين بالتعامل مع الأزمة أو النقاط التي نوقشت وحددت.

وتعتبر المديرة التنفيذية لـ"كلنا إرادة" أن الكرة بملعب البرلمان الذي يمكنه تحريك الكثير من القوانين إذا وجدت النية السياسية لذلك، وبغض النظر عن وضع الحكومة وما إذا كانت في ظل تصريف أعمال، وعليه أن يعقد جلسات مكثفة واستثنائية لتمرير القوانين في ظل الظرف الاقتصادي الطارئ الذي تمرّ به البلاد والحاجة الماسّة للسرعة في إقرار القوانين.

وتتوقف منعم عند خطة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي اقرّت في اليوم الأخير قبل دخولها مرحلة تصريف الأعمال ووضعت فيها مبادئ عامة عريضة لتوزيع الخسائر لكن غابت عنها تفاصيل التوزيع والأرقام في ظل عدم توافق الداخلي على شكل هذه الخطة.

وتقول منعم كان من الأجدى أن نكون في ظل حكومة جديدة مختلفة بطريقة التعاطي ولا تشكل من رموز السلطة، ولكن في موضوع الخطة الاقتصادية فإنه بغض النظر عن شكل الحكومة فإن القوى السياسية هي التي تحدد ما إذا كانت تسير بها أو لا، من هنا الحاجة إلى الضغط على هذه القوى لإقرار خطة عادلة وشاملة.

من جهته، يقول منسق اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي" (مجموعة حقوقية سياسية تتعاطى الشأن العام) المحامي جاد طعمة لـ"العربي الجديد" إن "حكومة ميقاتي كان يفترض بها أن تعالج أزمة الشلل والانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي ضرب البلد منذ عام 2019، ولو أن التحديات كبيرة بيد أنه مع مرور كل هذه الفترة الطويلة لم تتمكن من فعل أي إنجاز لاحتواء الأزمة".

ويضيف "أعيد تكليف ميقاتي في وقتٍ إنجازات حكومته أن أكثر من 80 في المائة من اللبنانيين باتوا تحت خط الفقر، وشهدنا ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية والمحروقات وغالبية الخدمات على مستوى كل القطاعات، واشتدت أزمة الدواء الذي لا يزال مقطوعاً، وقد بتنا على أعتاب رفع كامل لدعم الدولة، ما يعني غيابا تاما لدورها في رعاية المجتمع، والكارثة الكبرى تكمن في عدم وجود أي حلّ لأموال المودعين المحتجزة في المصارف".

ويلفت طعمة إلى أن "الحكومة لم تحقق أي نجاح حتى على مستوى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولم تحصل على ثقة المجتمع الدولي ولا على صعيد استقرار العملة الوطنية، وعجزت عن لجم السوق السوداء التي تتحكّم في سعر صرف الدولار ولم تكافح معدلات التضخم ولا وقف النزيف الحاصل باحتياطي مصرف لبنان للعملات الأجنبية ولم يحصل التدقيق الجنائي، أو أي تقدم على مستوى جريمة انفجار مرفأ بيروت وكل ذلك في ظل استمرار النظام القائم على المحاصصة بين أعضاء النادي السياسي".

ويشير طعمة إلى أن "الوجع الأكبر الذي لا يمكن للتاريخ أن يغفره ويرتقي إلى مرتبة الخيانة العظمى، يبقى في التفريط بحدود لبنان البحرية رغم كل المعطيات المتوفرة قانونياً وتقنياً التي تؤكد حقوق البلاد ومساحاته، مع عدم تعديل المرسوم 6433 الذي يصحح حدود لبنان ويمنحه مساحات شاسعة هي حق له وعدم إرساله إلى الدوائر المختصّة في الأمم المتحدة، ما يخسّره حقوقه في المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها وتقدر قيمتها بحوالي 40 مليار دولار".

وشهدت حكومة ميقاتي منذ تشكيلها في 10 سبتمبر/أيلول الماضي وقبل تكليفه مرة رابعة ودخوله مرحلة تصريف الأعمال، رفعاً للدعم عن غالبية السلع طاول حتى المحروقات والدواء مع استثناءات "خجولة"، وسجلت ارتفاعاً غير مسبوق في سعر صرف الدولار تجاوز عتبة 37 ألف ليرة، عدا عن أن هذه الأشهر اتسمت بالتسعير على الدولار على مستوى كل القطاعات والخدمات في ظل فوضى شاملة وغياب فاضح للأجهزة الرقابية، كما سجلت تحليقاً لأسعار المحروقات وتفاقما لأزمات القمح والخبز والاستشفاء والدواء، وأزمة رواتب في القطاع العام، وغيرها الكثير من الأزمات عدا عن قيامها أخيراً برفع تعرفة الإنترنت والاتصالات والتي سترتفع أضعافاً عما كانت عليه سابقاً مطلع شهر يوليو/تموز المقبل.

المساهمون