- الرئيس التركي وحكومته أعلنوا عن استعدادهم للتغيير، متخذين إجراءات لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية، مثل خفض الإنفاق العام، مكافحة الفساد، وتحسين العلاقة مع الأحزاب المعارضة.
- هذه التطورات تمثل بداية عهد جديد في تركيا، حيث تسعى الحكومة لإعادة بناء الثقة مع المواطنين وتحقيق استقرار اقتصادي ورفاهية مستدامة، مما قد يعيد البلاد إلى مسار النمو والازدهار.
ليس من المبالغة بمكان القول إن هزيمة حزب العدالة والتنمية المدوية بالانتخابات المحلية في تركيا مطلع نيسان/إبريل الماضي، شكلت صفعة، للحزب الحاكم والحكومة، ربما الأقسى مذ وصلوا إلى السلطة عام 2002. وصار، من دون تهويل، تبدل الخريطة الداخلية ومعاقبة الشعب للسلطة الحاكمة، بداية تأريخ لتعاط سياسي واقتصادي جديدين، فما قبل هزيمة البلديات، الأكيد ليس كما بعدها، إن على صعيد التحالفات مع الأحزاب المعارضة وقبول ما كان بالأمس خطّاً أحمر، أو على صعيد معيشة الأتراك ورفاهيتهم، والتي، اتفق الخصوم والحلفاء على أنها كانت السبب الأهم وراء قصاص الأتراك ومطالبتهم بالوعود والعيش الرغيد.
ورأينا والأرجح سنرى، إجراءات وقرارات ومراسيم، بشكلها إعادة النظر بالتعاطي الحكومي وترتيب الأوراق، وبمضمونها اعتذار للشارع وربما لتاريخ الحزب الحافل بالإنجازات على مدى عقدين، نقل خلالهما تركيا وبمعنى الكلمة من إلى، إن على صعيد البنى والهياكل، التحتية والاقتصادية أو على صعيد موقع تركيا، إقليمياً ودولياً.
ربما كان بخطاب الشرفة الذي ألقاه الرئيس التركي، فور إعلان النتائج واعترافه بالهزيمة، البداية، فالذي يتفكر في ما قيل وقتذاك، يشعر أنه أمام رجب طيب أردوغان جديد" الحزب سيحاسب نفسه، سنتجنب العناد والتصرف ضد الإرادة الوطنية ونحترم قرار الأمة" بعد أن وضع النقاط، رغم الصعوبة، على الحروف بقوله "نواجه مشكلة خطيرة مع مرض الغطرسة الذي ينتشر في منظماتنا على مستوى المحافظات والمناطق والبلديات ورؤساء البلديات والنواب وحتى البيروقراطية. إن أكبر عدو لحزب سياسي يولد من رحم الأمة، هو بناء الجدران بينه وبين المواطنين".
وبعد هاتيك البداية، بدأت التغيرات الجوهرية والعميقة، خاصة لجهة التعاطي مع الأحزاب المعارضة، لما فيه أبعد من الاتفاق أو التوافق على تعديل الدستور. قبل أن تكشف حكومته عن حزمة خفض الإنفاق العام في تركيا بل ما يمكن اعتباره حقبة تقشف حكومي، من شأنه أن يتوازى مع الإجراءات المالية والنقدية، عسى أن تفي الحكومة بتعهداتها بخفض التضخم وتحسين سعر صرف الليرة، ونقل الشعب الحاقن إلى عصر الرفاهية كما وعدت.
قصارى القول: تلقفت حكومة العدالة والتنمية، بديمقراطية ورحابة، انقلاب المزاج الشعبي وتبدل خياراته الجذرية، خلال أقل من عام، بين انتخابات البرلمان والرئاسة وبين انتخابات المجالس المحلية، ونهجت على نحو مختلف، ما يمكن أن يثمر نتائج وأرقاماً على الأرض، من دون أن تحمّل المسؤولية للخارج أو لمحافظ المصرف المركزي، كما كانت العادة، أو تقفز على ترهلات الواقع عبر التغني بإنجازات الماضي.
أولويات الحكومة في تركيا
فهذه المرة معيشة المواطن هي القضية، ومعيشة المواطن كما يذكر أصحاب القرار التركي، هي، إضافة إلى الاستقرار والحضور الدولي، كانت وراء الفوز بجميع الانتخابات ووراء التصدي لانقلاب عام 2016 الذي لا ينسى، وقت خرج الشعب لمواجهة دبابات الانقلابيين، دفاعاً عن بلده وحريته ومستوى معيشته.
ولأن الرئيس نفسه، اعترف بالغطرسة التي يتولد عنها قفز على القانون والفساد والكسب غير المشروع، رأينا اجتماعه بأنقرة بوزير العدل ورئيس الاستخبارات، لتوجيه إلى كل من يهمهم الأمر، أن سيف القانون بتار وعلى رقاب المخالفين أنى كانوا.
وسبق اجتماع أنقرة تحقيقات وزارة المال بفواتير مزورة قيمتها 17 مليار ليرة، بعد فتح تحقيقات بحق نيف و5000 دافع ضريبة في 50 ولاية تركية، في خطة جديدة مضمونها على الأرجح، أبعد من مكافحة التهرب الضريبي. لطالما أفصح الرئيس التركي، خلال المشاركة في الاجتماع الموسّع لرؤساء أفرع الحزب في الولايات التركية " لقد رسم شعبنا دائماً نهجنا في السياسة..ولن نحيد عن المسار الذي حدده الشعب".
نهاية القول: بدأت تركيا أخيراً، خطة الانسجام الواضحة مبتعدة عن جمع المتناقضات بسلة واحدة، فمن يريد خفض التضخم إلى خانة الآحاد عليه ألا يسخر الإمكانات لنمو الناتج المحلي فقط، ومن يسعى لتحسين سعر الصرف، عليه اجتثاث الفساد ومكافحة التهرب الضريبي، بل عدم منح جرعات مهدئة للمتردية معيشتهم، من قبيل رفع الحد الأدنى للأجور أو صرف مساعدات موسمية، فزيادة المعروض النقدي، وإن أسعف لحين، سيعيق معالجة التضخم وسعر الصرف على المدى البعيد، ويؤزم الوضع المعاشي لا محالة.
في حين أن تجفيف منابع الفساد وقطع دابر القافزين على القانون المتهربين من الضرائب، بالتزامن مع ضغط الإنفاق الحكومي، عبر الحزمة التي رأيناها، مترافقة مع تحريك الأدوات النقدية "سعر الفائدة" والمالية، الضرائب والرسوم، ستزيد من احتياطي المصرف المركزي وتجسر فجوة العجز في الحساب الجاري، وتقرّب الحكومة من خطتها المعلنة، للتضخم وسعر الصرف وتحقيق الرخاء والنمو المرتفع المستدام، وتعيد، هاتيك الحزم مجتمعة، تركيا إلى عصرها الذهبي الاقتصادي كما العقد الماضي.... وإلا فلن يسامح الشعب أو ينجو الحزب أو يغفر الرئيس.