يزداد تذمر الجزائريين، وخاصة من متوسطي ومحدودي الدخل، من تزايد الصعوبات المعيشية. الخوف من المستقبل تعززه مؤشرات اقتصادية واجتماعية ضاغطة. "الجزائر الجديدة" التي وعد بها الرئيس عبد المجيد تبون تبدو بعيدة المنال. وبعد سنتين من هذا الوعد، الواقع يراوح مكانه، فيما توقعات الفقر والبطالة والتضخم تذهب إلى الارتفاع. في المقابل، تزداد المخاوف على العملة المحلية. وبالنتيجة، يقبع الشارع الجزائري أمام معادلة صعبة.
فقد عادت المخاوف من ارتفاع الأسعار لتتقدم المشهد الاقتصادي. حملت بداية سنة 2022 أخباراً غير مفرحة عنوانها "تهاوي الدينار أمام الدولار وتسجيل قفزات في الأسعار".
كاهل الأسر الجزائرية مثقل بعدما رأت قدرتها الشرائية تتهاوى في السنوات الأخيرة بفعل تدهور قيمة الدينار، الذي فقد ثلث قيمته منذ نهاية 2016.
اقتراض بدل الادخار
الوضعية المعيشية الصعبة دفعت عدداً كبيراً من الأسر نحو الاقتراض بدلاً من الادخار الذي كان ميزة المجتمع الجزائري، حسب المواطنة ربيعة بن عتاب، التي تعمل مدرّسة في الثانوية.
تقول ربيعة لـ "العربي الجديد"، إنها وزوجها لم يدخرا أي دينار منذ سنة 2020، ما اعتبرته "مصيبة"، إذ أصبحا ينفقان ما يتقاضيانه على عائلتهما المكونة من ثلاثة أولاد.
وتضيف المتحدثة ذاتها: "كنا في السابق ندخر ما يقارب مائة ألف دينار سنوياً (900 دولار حالياً) نتركها لقضاء عطلة صغيرة في الجزائر أو ننفقها في المناسبات الدينية وغيرها التي ترتفع فيها المصاريف".
وترجع المواطنة الجزائرية هذا التحول في العادات الاقتصادية لعائلتها، إلى ارتفاع ضغوط المعيشة وما قابلها من ارتفاع الضرائب وتدني قيمة الدينار.
وتعتبر حالة ربيعة مشابهة لحالة الملايين من الجزائريين الذين اضطروا إلى التخلي عن ثقافة الادخار التي توارثتها العائلات الجزائرية.
ويبدو أنّ الاندثار البطيء لعادة الادخار العائلي لم يقتصر على أصحاب الدخل الضعيف والمتوسط، بل امتد إلى أصحاب الدخل المرتفع. دُفعت هذه الفئة غصباً نحو تغيير عاداتها الإنفاقية والاستهلاكية، بشكل قلص ادخارها ونسف العديد من مشاريعها، وهو حال سليم عسوس، الذي يعمل مستثمراً في قطاع الصحة.
يكشف عسوس لـ "العربي الجديد" أن مدخراته تقلصت بنحو النصف خلال السنتين الماضيتين بسبب غلاء المعيشة، ما قاده إلى تغيير السيارة والاكتفاء بقضاء العطلة في تونس عوض الذهاب إلى تركيا وإسبانيا، كما اعتاد.
ويمثل الادخار العائلي قرابة خُمس الادخار الوطني في الجزائر، ما جعله منبعاً لتمويل الاقتصاد المتعثر خلال السنوات الماضية بفعل تراجع مداخيل البلاد من بيع النفط. غير أن هذه النسبة قد لا تصمد كثيراً نتيجة ارتفاع أعباء المعيشة وعدم مسايرة دخل العائلات الجزائرية لهذه التغيرات.
ارتفاع الأسعار
وتميزت الفترة الماضية بارتفاع أسعار المواد واسعة الاستهلاك بأكثر من 45 في المائة في السنوات الأخيرة، متأثرة بعدة عوامل، منها ارتفاع التضخم من 2.4 في المائة نهاية 2014، إلى 4.8 في المائة نهاية 2019، ثم 5.1 في المائة سنة 2020، وصولاً إلى 5.5 في المائة سنة 2021، حسب تقديرات البنك الدولي، وسط تكتم حكومي جزائري.
ويرى الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد الاجتماعي في جامعة باجي مختار، سعيد بربيش أنّ "نهاية الترابط ما بين الجزائريين وثقافة الادخار كان متوقعاً بالنظر إلى عدة متغيرات، منها انهيار العملة المحلية، تبعه ارتفاعٍ التضخم، فيما الرواتب لم تساير هذه التطورات التي فرضتها الأزمة المالية، حيث لم ترتفع الأجور منذ 2011، وبالتالي إنّ من يتقاضى اليوم 30 ألف دينار (250 دولاراً) يجد نفسه ينفق كل راتبه بعدما كان ينفق 70 في المائة منه قبل سنوات".
وسجل سعر الدولار 140.6 ديناراً جزائرياً السبت، فيما كان قرابة 14 ديناراً في 2019، وارتفعت قيمة الدولار إلى 126 ديناراً سنة 2020، ليصل إلى 134 ديناراً في نهاية العام 2021.
ويضيف مختار لـ"العربي الجديد" أن "المخاوف بدأت تكثر وسط المجتمع الجزائري من زوال الطبقة الوسطى التي كانت مفخرة الجزائر في العهد الاشتراكي، مع تحول المجتمع إلى طبقتين "برجوازية" غنية تزداد ثراءً وتبحث عن جمع المال، وأخرى فقيرة تزداد فقراً همها كسب قوت يومها". و
يلفت إلى أنّ "غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية بالنسبة إلى الطبقة الوسطى عاملان يعجّلان باتساع دائرة الفقر".
ملايين تحت خط الفقر
وإذا كان في الجزائر اليوم أسر اضطرت إلى تغيير عاداتها الاستهلاكية والإنفاقية، لمسايرة غلاء المعيشة، والصمود أمام مصاريف الشهر المرتفعة، فإن الجزائر التي تُعَدّ من أغنى الدول في القارة الأفريقية ومن أكبر منتجي الغاز والنفط في القارة، يوجد فيها الملايين يعيشون تحت خط الفقر، ولا يجدون قوت يومهم، ويعانون في صمت.
وحسب عبد الله تيزراوت، عضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الجزائيين، فإن "مؤشرات مقلقة عن الفقر وخريطة الفقراء في البلاد، ظهرت أخيراً. إذ كشفت دراسة ميدانية قامت بها الرابطة في 2021، أن 19 مليون جزائري يعيشون تحت خط الفقر، بعدما كانوا 14 مليوناً في 2015". ويضيف المتحدث ذاته لـ "العربي الجديد" أن "القدرة الشرائية لدى الجزائريين قد انهارت بنسبة 60 في المائة خلال السنوات الماضية مع ارتفاع الأسعار، خاصة في ما يتعلق بالمواد الأساسية، ما يضطرهم إلى العيش بتواضع، أو ما يُسمى ضمان القوت اليومي للعائلات".
تغوّل البطالة
ومما يزيد ضبابية المشهد الجزائري، التوقعات والمؤشرات التي تنذر بتواصل الأوضاع السيئة لسنوات مقبلة، ما يؤجج قلق الشارع الجزائري، وخاصة فئة الشباب التي تمثل 70 في المائة من المجتمع.
حسب توقعات معاهد الدراسات الجزائرية، ارتفعت نسبة البطالة إلى ما فوق عتبة 22 في المائة في نهاية 2021، بسبب ركود الاقتصاد بعد الجائحة الصحية وتراجع الإنفاق الحكومي الذي يُعَدّ محرك الاقتصاد.
هذه الأرقام تناقض الخطاب الرسمي الذي يشير إلى انتعاش سوق الشغل، وسط تكتمٍ عن نسبة البطالة منذ سنة 2019 من طرف الحكومة الجزائرية.
من جانبه توقع صندوق النقد الدولي أن تسجل الجزائر معدلات غير مسبوقة للبطالة، والسبب ارتفاع عدد الشباب الباحثين عن فرص عمل، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي بدأت تتخبَّط فيها البلاد إثر تهاوي أسعار النفط.
وفي السياق، يقول الخبير الاقتصادي جمال نورالدين إن "إحصائيات الحكومة حول العاطلين من العمل مزيفة، وهناك ملايين من الشباب العاطلين من العمل، فالسلطات تتحدث عن 12 مليون ناشط في سوق العمل، في حين أن الحقيقة التي تخفيها تقول إن الجزائر يوجد بها 23 مليون مواطن دخلوا سنّ العمل".
ويتوقع المتحدث لـ "العربي الجديد" أن " تشهد السنة الحالية ارتفاع البطالة أكثر لسببين: الأول متعلق بتواصل انكماش الاقتصاد، والثاني دخول عشرات الشركات في حالة ركود بسبب الأزمة الصحية التي ستدخل عامها الثالث، وسط تراجع الدعم الحكومي للشركات المتعثرة، مقارنة بالسنة الأولى من الجائحة".