عودة ترامب... دولار أقوى وضغط أكبر للديون على مصر

08 نوفمبر 2024
الحكومة تفشل في خفض معدلات التضخم (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

توقع اقتصاديون أن تشهد الأسواق المصرية ارتفاعاً بسعر الدولار خلال الفترة المقبلة، متأثرة بزيادة قوته، بعد فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة.

كذلك سيزيد الطلب على الورقة الخضراء، مع ارتفاع قيمة القروض وفوائد خدمات الدين الخارجي، وارتفاع العجز المزمن في الميزان التجاري، وهو الفارق بين الصادرات والواردات، ومع عدم وجود خطة اقتصادية واضحة تعتمد على تدبير النقد الأجنبي عبر زيادة الإنتاج، والاعتماد على إنقاذ الاقتصاد عبر صفقات بيع للأصول الحكومية، ومساعدات دولية لن تأتي دون شروط.

وقال خبراء اقتصاد ومستثمرون شاركوا في ندوة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أول من أمس، بعنوان: "نظرة على الأسواق المالية بالربع الثالث من عام 2024": إن أسعار الذهب ستشهد تراجعاً، عن المكاسب التاريخية التي تحققت خلال الفترة الماضية، متأثرة بقوة الدولار، والتوجه سيكون خلال 2025 إلى التيسير النقدي، بهبوط سعر الفائدة من قبل البنك الفيدرالي الأميركي، بمعدل يراوح ما بين 2.5% إلى 3%، وتعميمها بالبنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى.

وتنبأ الاقتصاديون بأن تتواصل الفقاعة العقارية في مصر لفترة طويلة، مع ارتفاع الفائدة بالأسواق، بضغوط من تراجع قيمة العملة، وارتفاع تكلفة الدين الخارجي وتكلفة الإقراض بالجنيه والتوسع في طباعة النقود دون غطاء، الذي يحول دون عودة التضخم إلى رقم واحد، وبقائه عن مستويات مرتفعة حتى نهاية العام القادم.

عودة الدولار للسوق السوداء

حذر الاقتصاديون من عودة السوق السوداء للدولار، وإن كانت بقيمة طفيفة مقارنة بالسائد في البنوك، مؤكدين أن عدم توافر الدولار أمام طالبيه عبر القنوات الرسمية، يساعد على ظهور السوق السوداء بعد توقف دام 5 أشهر. وأشار الخبراء إلى أنّ التدني في أداء بورصة الأوراق المالية يرجع إلى تراجع عدد الشركات وخروج بعضها بعد عمليات الاستحواذ التي تجري لصالح مستثمرين مصريين وأجانب من البورصة، بالإضافة إلى تغير الطلب على أسهم شركات العقارات، والتكنولوجيا والطاقة عالمياً ومحلياً.

وناقش الخبراء خلال الندوة تقرير أداء الأسواق المالية عالمياً وتأثيراتها في الأسواق الناشئة والاقتصاد المصري خلال الربع الثالث من 2024، الذي يعده المركز المصري شهرياً اعتباراً من يناير/ كانون الثاني 2024، مركزاً على مجموعة دول متقدمة، كالولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والصين وكندا، ومجموعة الدول المنافسة والجوار بالأسواق الناشئة، منها البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، وتركيا، والمغرب، والإمارات.
استعرض مستشار المركز المصري للدراسات الاقتصادية، عمر الشنيطي، أهم نتائج التقرير، مبيناً أنه على المستوى العالمي شهدت فترة الربع الثالث من 2024 تبايناً في توجهات أسعار السلع العالمية، فلم تقفز أسعار البترول بشكل كبير خلال الـ13 شهراً الماضية، ما يعكس تجاهل السوق لحالة الحرب في المنطقة، وأن السوق لا يرى أن هناك حرباً في الأجواء، ولكن مع تصاعد الصراع بين إيران والكيان المحتل، قفزت أسعار البترول ثم عادت للانخفاض كثيراً.

بيّن الشنيطي أن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في شهر سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول تفاقمت بسبب النزاعات الجيوسياسية، وتراجع خام الحديد بسبب المخاوف من التباطؤ الاقتصادي، وهو ما يفسر قرار الفيدرالي الأميركي بخفض الفائدة بنحو 0.5%، بأكثر من التوقعات نتيجة مخاوف الركود. وشهدت أسعار الذهب ارتفاعاً تاريخياً، لتكسر حاجز الـ 2700 دولار للأوقية بسبب تراجع أسعار الفائدة والانتخابات الأميركية، متوقعاً انخفاض أسعار الذهب بعد فوز ترامب بالانتخابات.
ووفق الشنيطي، هناك دول لم تتأثر بتراجع الفائدة عالمياً، وما زالت تعاني من ارتفاع التضخم، ولم تخفض سعر الفائدة، مثل تركيا والبرازيل. وهناك دول شهدت تراجعا بالتضخم، وخفضت سعر الفائدة، مثل الإمارات وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية، مذكراً بمرور أسواق المال في دول ناشئة بضغوط على عملاتها، بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض، والتوترات الجيوسياسية، خصوصاً السعودية وتركيا والإمارات، فيما لم تتأثر السوق الهندية بالصين، بسبب وجود سياسة تصنيعية تصديرية جيدة جداً للهند.

تراجع الديون والتزامات مالية

وعلى الصعيد المصري، أوضح الشنيطي أن الاتفاقيات التي وقعتها مصر مع صندوق النقد والاتحاد الأوروبي، واتفاقية مشروع رأس الحكمة، ساهمت في تراجع الدين الخارجي تراجعاً كبيراً جداً، مشيراً إلى وجود التزامات مالية بأرقام كبيرة على مصر حتى نهاية عام 2025.

وأكد أن تكلفة الاقتراض مرتبطة بحجم الدين واستقرار سعر الصرف والتصنيف والوضع العالمي، لافتاً إلى أن تكلفة الدين ارتفعت في أكتوبر الماضي بعد الانخفاض الذي شهدته خلال الفترة الماضية، وهو ما يرتبط برؤية المستثمرين للسوق ومدى ثبات سعر الصرف وما يحدث في الإقليم، موضحاً أن رفع وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني مصر إلى B من B- مؤشر جيد، ومع ذلك فإن تكلفة الاقتراض ما زالت مرتفعة جداً.

وأرجع ارتفاع مستوى التضخم في مصر إلى رفع أسعار المحروقات والطاقة، والتوسع في طباعة النقود الذي يمثل جزءاً كبيراً من المشكلة، ما يدفع البنك المركزي إلى سحب السيولة النقدية الزائدة من السوق. وأوضح الشنيطي أن ثبات سعر الفائدة، وهو السمة الغالبة في الأسواق الناشئة، وبالنسبة إلى مصر، أتى نتيجة استمرار ارتفاع التضخم.

أداء سيئ لسوق المال المصري

عقّب رئيس مجلس إدارة المستثمرين الدوليين، هاني توفيق، على التقرير، بالقول إن هناك أداءً سيئاً جداً لسوق المال المصري من ناحية نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي التي تبلغ نحو 17% فقط، في حين أن هذه النسبة تصل في بعض الدول إلى 60%، مؤكدا أن ذلك يعكس انخفاض دور القطاع الخاص والاستثمارات الخاصة. أشار توفيق إلى أن أداء سوق المال بالقيمة النقدية للأسهم في تراجع عند تقييمه بالدولار، مؤكداً ضرورة الأخذ بالاعتبار معدلات التضخم لتصل إلى القيمة الحقيقية للأسهم عند مقارنة الأداء لفترات طويلة.

أضاف توفيق أن هدف الحكومة بالنزول بمعدل التضخم إلى 10% بنهاية 2025، يتعارض مع إجراءات الحكومة في زيادة أسعار المحروقات التي ينتج منها ارتفاع التضخم.

بدوره، حمّل أستاذ الاقتصاد ومساعد وزير التموين السابق، مدحت نافع، الحكومة مسؤولية زيادة التضخم برفعها الأجور الاسمية دون إنتاج حقيقي ورفع الأسعار، وخصوصاً المحروقات، مشيراً إلى أن ذلك يسهم في زيادة التضخم بما يتعارض مع سياسة التشديد النقدي. وشدد نافع على أن الحكومة تتعامل بشكل خاطئ في ملف الدعم، في ظل وضع احتكاري في تقديم الخدمات، مؤكداً أن تحرير الأسعار يتطلب تحرير السوق، ومطالباً بإعادة تعريف الدعم والتفرقة بين التكلفة لما هو مدعوم والتكلفة الناتجة من انخفاض كفاءة الدعم، وارتفاع الهدر والتسريب، لإظهار تكلفة الدعم الحقيقية التي يمكن تحميلها على سعر المنتج والخدمة النهائي.

وأشار نافع إلى أن توحيد سعر الصرف ومرونته أمر مهم، ولكن الأهم توافر الدولار في البنوك لكل من يطلبه، لافتاً إلى أن الطلب على الدولار طلب مشتق على الواردات وسداد الديون التي تنمو بنحو مخيف منذ عام 2017، وأصبحت تمثل نحو 47%من الموازنة العامة، بما يوجه الدولار والإيرادات لخدمة الدين.

خطأ طروحات الشركات العامة

في السياق، رأى رئيس هيئة الرقابة المالية السابق شريف سامي، أن الحكومة أخطأت في التعويل على طروحات الشركات العامة في البورصة، في حين أن شركات القطاع الخاص الكبيرة يجب أن تكون الوقود الذي يغذي البورصة، معرباً عن اختلافه مع إعلان قائمة من الشركات العامة المزمع طرحها وفق جدول زمنى، لأنه في حالة عدم تنفيذ هذه الطروحات، فهذا يثير علامات استفهام عديدة، في حين أن الأفضل طرح الشركة الجاهزة مباشرة عندما تأتي الفرصة لذلك، مع عدم طرح الكيانات الصغيرة أو المتوسطة لأنها لن تكون فكرة ناجحة.

أضافت المدير التنفيذي ومدير البحوث في المركز، عبلة عبد اللطيف، أن المشكلة الحقيقية للاقتصاد المصري تكمن في عدم تحقيق الإصلاح المؤسسي واللامركزية، وعدم اتخاذ الحكومة أية إجراءات لمواجهة الأزمة الاقتصادية سوى رفع الأسعار، فيما تعاني من عدم كفاءة منظومة الدعم، وهو ما يتطلب إصلاح هيكلى حقيقي شامل وفصل مقدم الخدمة عن تقييمها، مبينة أن عمليات الاستحواذ وبيع الشركات استثمارات، هي مجرد نقل ملكية لاستثمارات قائمة بالفعل، وليست استثمارات جديدة.

المساهمون