- مصر، كثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي، تتبع نظام "هات وخد" بحصولها على قروض بشروط تشمل الإفراج عن شرائح القروض بناءً على مراجعات دورية للبرنامج الاقتصادي.
- على الرغم من القروض الجديدة، مصر مطالبة بسداد ديون سابقة تزيد قيمتها عن القروض الجديدة، مما يعكس دور صندوق النقد في تعميق ديون الدول المقترضة وإلزامها بتطبيق إصلاحات اقتصادية قد تؤدي إلى تأثيرات اجتماعية واقتصادية صعبة.
هناك طرق تقليدية تنظّم العلاقة بين أي دولة تلجأ للاقتراض من المؤسسات المالية الدولية وتلك المؤسسات، وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدوليين.
العلاقة تقوم على مبدأ موافقة المؤسسة على منح الدولة القرض المطلوب والمتفق عليه بين الطرفين على فترة محددة، مع فترة سماح في السداد أحياناً، والحصول في المقابل على أسعار فائدة ثابتة أو متغيرة عن القرض الممنوح.
هنا تحصل الدولة على قيمة القرض مرة واحدة أو على شرائح حسب الاتفاق، وبعد فترة السماح تبدأ في سداد القرض والأعباء المستحقة عليه من أسعار فائدة ومصروفات إدارية، وفق برنامج زمني متفق عليه.
ما يمنحه الصندوق لمصر باليمين سيسترده بالشمال في التوقيت نفسه، وربما بقيمة أكثر من الأقساط المستحقة
لكن حالياً، لا تنطبق تلك القاعدة على العلاقة بين صندوق النقد الدولي ومصر، ثاني أكبر مقترض من الصندوق بعد الأرجنتين، بل ينطبق عليها قاعدة "هات وخد" في اللحظة والتوقيت أنفسهما، فما يمنحه الصندوق لمصر باليمين سيسترده بالشمال في التوقيت نفسه، وربما بقيمة أكثر من الأقساط المستحقة.
الحكاية ليست ألغازاً، فصندوق النقد وبموجب اتفاق قرض جرى توقيعه مع القاهرة يوم 6 مارس/ آذار الماضي قرر منح مصر قرضاً بقيمة 8 مليارات دولار على فترة زمنية تبلغ 46 شهراً، على أن يفرج الصندوق عن شريحة قيمتها 820 مليون دولار كل مراجعة للبرنامج الاقتصادي المتفق عليه، أي كل 3 أشهر، وفق تصريحات رئيسة بعثة الصندوق إيفانا فلادكوفا هولار.
وفقاً لتلك القاعدة سيكون لدى مصر، إمكانية الحصول الفوري على أول شريحة 820 مليون دولار خلال أيام، بعد إقرار الصندوق المراجعتين الأولى والثانية للبرنامج الأسبوع الماضي، و820 مليون دولار أخرى بعد المراجعة التي تستكمل خلال 3 أشهر، أي بحلول نهاية يونيو/ حزيران المقبل.
وفيما بعد ستجرى 4 مراجعات نصف سنوية، تتيح كل منها صرف 1.3 مليار دولار لمصر، منها مراجعة في ديسمبر المقبل. أي أن المبلغ الإجمالي لشرائح قروض هذا العام تقل عن 3 مليارات دولار.
ومن المقرر أن تحصل مصر أيضاً على قرض بقيمة 1.2 مليار دولار من صندوق الصلابة والمرونة أثناء إجراء المراجعة الثالثة لمصر في يونيو المقبل.
وهذا يعني أن باستطاعة حكومة مصر الحصول على نحو 4.14 مليارات دولار خلال العام الجاري 2024، في حال إتمام المراجعات المجدولة لبرنامج التسهيل الائتماني الممدد مع الصندوق.
بحسب الأرقام فإن مصر يتعين عليها سداد 6.7 مليارات دولار مديونيات للصندوق خلال العام الجاري 2024
في المقابل، فإن صندوق النقد الدولي لديه مستحقات على مصر عن قروض سبق وأن منحها للحكومة في الفترة من 2016 وحتى 2021، وتبلغ قيمتها ما يزيد عن 20 مليار دولار، وتم سداد ما يزيد عن 5 مليارات من المبلغ، والباقي نحو 15 مليار دولار تُضاف إليها الفوائد المستحقة.
وبحسب الأرقام فإن مصر يتعين عليها سداد 6.7 مليارات دولار مديونيات للصندوق خلال العام الجاري 2024. علماً بأن مصر سددت 1.1 مليار دولار من ديونها المستحقة للصندوق خلال أول شهرين من العام الحالي.
ببساطة، فإن الصندوق سيمنح مصر قروضاً خلال العام الجاري بقيمة تبلغ نحو 4.14 مليارات دولار، في حين يسترد منها أقساط قروض وفوائد بقيمة 6.7 مليارات دولار، أي إن مصر لن تحصل على أموال جديدة بالمعنى الحرفي، بل ستعيد القروض الجديدة لسداد أقساط مستحقة للصندوق، إضافة إلى سداد الفارق والبالغ أكثر من ملياري دولار.
هذه النتيجة تعيدنا للحديث عن ثلاث نقاط أساسية، الأولى هي أن صندوق النقد يُغرق الدول التي تستنجد به في ديون متواصلة، وأنه لا صحة لإنقاذه الاقتصادات التي تعاني من أزمات مالية وهيكلية واضطرابات في أسواق الصرف.
الصندوق يُصر على تطبيق الحكومة ما تم الاتفاق عليه وعدم الالتفاف عليه كما حدث في مرات سابقة خاصة ما يتعلق بمرونة سعر الصرف
والنقطة الثانية هي أن الصندوق يُصر هذه المرة على تطبيق الحكومة المصرية ما تم الاتفاق عليه وعدم الالتفاف عليه كما حدث في المرات السابقة خاصة ما يتعلق بمرونة سعر الصرف وزيادة أسعار السلع والخدمات عبر خفض الدعم، ولا يهمه هنا ملايين المصريين الذين سيعانون من تلك الخطوات التقشفية.
أما النقطة الثالثة فتتعلق بحرص صندوق النقد على استرداد أمواله، حتى لو أدى ذلك إلى القذف بملايين المصريين في آتون الفقر والبطالة، فما يهمه أمواله أولا والباقي تفاصيل.