يشير ارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملة وحذر المستثمرين الأوسع نطاقاً من الأسواق الناشئة إلى أن مصر ربما تدفع مبالغ باهظة لتمويل عجز متوقع قدره 30 مليار دولار في الميزانية للسنة المالية التي تبدأ في يوليو/ تموز.
ويقول محللون إن مصر كانت تكافح للحفاظ على مواصلة الاقتراض المحلي والأجنبي لسد العجز في الحساب الجاري والميزانية وتجنب الضغوط التي تُضعف عملتها، حتى قبل رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة الذي بدأ في مارس/ آذار وغزو روسيا لأوكرانيا.
وفضلاً عن هذين الأمرين اللذين أدّيا إلى خروج استثمارات من مصر بلغت قيمتها 20 مليار دولار، بحسب رئيس وزرائها، فقد أحدثت حرب أوكرانيا صدمة جديدة لقطاع السياحة في مصر، وهو مصدر مهم للعملة الأجنبية، بخلاف ارتفاع أسعار القمح وغيره من السلع الأساسية الأخرى المطلوبة لبرنامج الحكومة الضخم لدعم المواد الغذائية.
يبلغ حالياً سعر سندات اليوروبوند المقومة بالدولار والتي يحل أجلها عام 2032 نحو 75 سنتاً للدولار، أي شهدت تراجعاً مع تزايد قلق المستثمرين، الذين جذبتهم إصلاحات جرت في عام 2016 تحت إشراف صندوق النقد الدولي، من الشؤون المالية للحكومة.
يشير ذلك إلى أن مصر ستضطر إلى دفع فوائد أعلى إذا سعت إلى إصدار المزيد من السندات، حتى في الوقت الذي تحاول فيه تنويع ديونها بالسندات الخضراء والسندات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية (الصكوك) وسندات ساموراي المقومة بالين.
يبلغ حالياً سعر سندات اليوروبوند المقومة بالدولار والتي يحل أجلها عام 2032 نحو 75 سنتاً للدولار
وأشار جيمس سوانستون الخبير الاقتصادي بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى "كابيتال إيكونوميكس" إلى الزيادة "الكبيرة جداً" في نسبة الدين المصري بالعملة الأجنبية في السنوات الماضية.
وارتفع الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل بما يزيد على ثلاثة أمثال إلى 121.5 مليار دولار على مدى سبع سنوات حتى الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وفقاً لبيانات البنك المركزي.
وقال سوانستون: "الخطر هو أنه، كما نتوقع، إذا زاد ضعف الجنيه (المصري)، فإن ذلك يرفع نسبة الدين (إلى الناتج المحلي الإجمالي) أكثر، وأيضاً أن أي محاولة لإعادة إصدار الديون أو إصدار ديون جديدة ستكون بفائدة أعلى بكثير بالنظر إلى صعوبة الأوضاع النقدية العالمية".
كانت الحكومة، التي تسعى حالياً للحصول مجدداً على مساعدات من صندوق النقد الدولي قد قدمت مشروع ميزانية للبرلمان الأسبوع الماضي ويتوقع أن يصل الإنفاق في 23/2022 إلى 2.07 تريليون جنيه وأن تصل الإيرادات إلى 1.52 تريليون فقط، وهو ما يعني عجزاً يتجاوز 558 مليار جنيه (30.5 مليار دولار).
مشاركة القطاع الخاص
يقول محللون إن فاتورة خدمة الدين لا تترك مجالاً كبيراً للإنفاق بعد دفع الرواتب الحكومية والإعانات. ومن المقرر أن تبتلع مدفوعات الفائدة المحلية والأجنبية وحدها 45.4 بالمائة من إجمالي الإيرادات، وهي أعلى من 44.6 بالمائة المتوقعة في السنة المالية الحالية.
تعمل مصر أيضاً، كما تعلن، على سلسلة من المشروعات العملاقة منذ سنوات، منها عاصمة إدارية جديدة كلفتها 60 مليار دولار وشبكة سكك حديدية فائقة السرعة قيمتها 23 مليار دولار ومحطة طاقة نووية بقيمة 25 مليار دولار.
مصر ستضطر إلى دفع فوائد أعلى إذا سعت إلى إصدار المزيد من السندات، حتى في الوقت الذي تحاول فيه تنويع ديونها
وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي أول من أمس الأحد إن مثل هذه المشروعات ضرورية لاستيعاب مليون شخص يدخلون سوق العمل كل عام.
وأضاف أن مصر تخطط لجمع عشرة مليارات دولار بنهاية العام و30 مليار دولار أخرى في السنوات الثلاث المقبلة عن طريق مشاركة القطاع الخاص في مشروعات منها طرح حصص في شركات حكومية في البورصة.
وتتحدث الحكومة المصرية عن مثل هذه الإجراءات منذ سنوات، وأعلنت في 2018 أنها ستعرض حصص أقلية في 23 شركة مملوكة للدولة في خطة لجمع ما يصل إلى 80 مليار جنيه.
لكن تأجل هذا البرنامج مراراً بسبب ضعف الأسواق والعقبات القانونية وجاهزية الوثائق المالية للشركات، بحسب مسؤولين حكوميين.
وفي الوقت نفسه، تشمل مدفوعات الديون الخارجية التي تبلغ قرابة 16 مليار دولار في 23/2022 ما يقرب من ملياري دولار مستحقة لصندوق النقد الدولي، وبشكل أساسي لحزمة مالية حجمها 12 مليار دولار حصلت عليها مصر في عام 2016.
وقال فاروق سوسة كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك "غولدمان ساكس" إنه حتى عندما يكون هذا الدين بشروط ميسرة، فإنه يضيف إلى ضغوط ميزان المدفوعات. وأضاف أن حقيقة أن مصر يجب أن تجد ما يقرب من ستة مليارات دولار لسدادها لصندوق النقد الدولي في عام 2025 مثال على ذلك.
ومع مراعاة أقساط أصل الدين، فإن إجمالي تكاليف خدمة الدين يصل إلى 965.5 مليار جنيه (52.75 مليار دولار)، وفقاً لمشروع الموازنة.
وخفض البنك المركزي في مارس/ آذار الجنيه أكثر من 14 بالمائة إلى حوالي 18.40 للدولار، مما جعل شراء العملات الأجنبية أكثر تكلفة. واشترى تجار السوق السوداء الدولار مقابل 19.40 جنيهاً الأسبوع الماضي.
غير أن مصر ربما تلجأ إلى حلفائها التقليديين في الخليج للحصول على الدعم. وقالت السعودية في مارس/ آذار إنها أودعت خمسة مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري.
(الدولار = 18.3 جنيهاً تقريباً)
(رويترز)