مصر: تسارع بيع الشركات الحكومية وسط أزمة مالية خانقة

10 فبراير 2023
الحكومة طرحت 32 شركة لمستثمر رئيسي والاكتتاب في البورصة (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

اتسعت أزمة الاقتصاد المصري، بينما تسعى الحكومة إلى لملمة الوضع المالي المتدهور بطرح 32 شركة مملوكة للدولة لمستثمر رئيسي والاكتتاب في البورصة خلال العام الحالي. تشمل الطروحات التي حددها رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي مساء أمس الأول، 32 شركة، بزيادة 12 شركة عن العدد المعلن عنه من قبل، تمارس أعمالا إنتاجية وخدمية في 18 قطاعا.
تأتي الطروحات في وقت خفضت فيه وكالة موديز التصنيف الائتماني لمصر لأول مرة منذ عام 2013 من مستقر إلى سلبي ومن B2 إلى B3.

تتوقع "موديز" في التقرير الذي استبقت به بيان رئيس الوزراء استمرار العجز بالسيولة في مصر ومراكزها الخارجية خلال الفترة القادمة، رغم اتجاه الحكومة إلى بيع أصول تقدر بنحو 40 مليار دولار خلال فترة 4 سنوات، وسد عجز سنوي في النقد الأجنبي قدره صندوق النقد الدولي بنحو 17 مليار دولار.

التزمت الحكومة مع صندوق النقد، في اتفاق وقعته بنهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بسداد خدمات الدين وجزء سنوي من الديون، ستبلغ قيمتها في نهاية العام الحالي 200.4 مليار دولار، ترتفع بنحو 23.4 مليار دولار عام 2025.
اتفقت الحكومة والصندوق على بيع أصول عامة تملكها الدولة من مساهماتها في نحو 1000 شركة تمارس 79 نشاطا إنتاجيا وخدميا.
تتضمن الطروحات الجديدة بنك القاهرة والمصرف المتحد والعربي الأفريقي الدولة، وشركات مقاولات، كالنصر للإسكان والتعمير والمستقبل للتنمية العمرانية، ومصر لأعمال الإسمنت المسلح، وشركتين تابعتين للجيش، الوطنية للبترول، وصافي للمياه المعدنية.

وتأتي شركات الأسمدة والمواد البترولية على رأس القائمة المطروحة لمستثمر رئيسي، ومنها حلوان للأسمدة، والمصرية لإنتاج الإثيلين ومشتقاته، والمصرية لإنتاج الالكيل بنزين "إيلاب" وسيناء للمنغنيز، وشركة الحفر للبترول. تشمل القائمة شركات نقل وموانئ، منها الرباط لأنوار السفن وبورسعيد لتداول الحاويات والبضائع ودمياط لتداول الحاويات والبضائع. تضم القائمة شركات سيناء للمنغنيز، المصرية للسبائك الحديدية، والصالحية للاستثمار والتنمية ومصر لتأمينات الحياة، ومصر للتأمين، ومحطة توليد الرياح بجبل الزيت قدرة 580 ميغاوات، ومحطة توليد الرياح بالزعفرانة 585 ميغاوات، ومحطة بني سويف لتوليد الكهرباء التي نفذتها شركة سيمنز بقدرة 4800 ميغاوات، منذ 4 سنوات، وشركة تنمية الصناعات الكيماوية و"سيد" للبويات والصناعات الكيماوية "باكين" و"الأمل" الشريف للبلاستيك ومصر للمستحضرات الطبية.

أعلن مدبولي أن قرارات الطرح اتخذت لتلك الشركات بناء على دراسات أجرتها بنوك استثمار، دون تحديد لنسب الطروحات في كل شركة، أو الجدول الزمني لعمليات البيع، بينما خرجت من القائمة شركات سبق أن حددتها الحكومة للطرح العام أو البيع لمستثمر استراتيجي، منها حصة الدولة في بنك الإسكندرية وشركة إنبي للبترول و"ميدور" للتكرير والمشتقات البترولية بالإسكندرية، وأسيوط لتكرير البترول و"إي ميثانكس" والوادي للأسمدة الفوسفاتية، ومصر للألومنيوم وسيدي كرير للبتروكيماويات وأبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية والإسكندرية لتداول الحاويات وبنك الإسكان والتعمير والإسكندرية للزيوت المعدنية.

جاء تأجيل تلك الشركات رغم وجودها ضمن قائمة الشركات المتوقع طرح جزء من أسمهما ومؤهلة لزيادة الأسهم المطروحة وقيد بعضها مع الحاجة إلى طرح أسمهما التي تستهدفها البورصة المصرية خلال العام الحالي، ضمن برنامج طروحات الشركات الحكومية، الذي أعلنت إدارة البورصة عنه في بيان رسمي في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، بهدف زيادة السيولة وجاذبية السوق للمستثمرين غير المصريين.
تستهدف عمليات البيع الحكومية الحصول على سيولة نقدية عاجلة من الدول الداعمة للنظام، التي أصبحت ترفض تقديم دعم مالي غير مشروط وتطلب تحقيق عوائد فورية مقابل أموالها بشراء أصول عامة، بينما يطلب صندوق النقد تخصيص عوائد البيع لسد العجز في الاحتياطي النقدي، وتحويل قيمته إلى وديعة تساهم في سداد 28 مليار دولار على مدار 3 سنوات، تعادل مساهمات دول الخليج بالاحتياطي النقدي حاليا.
تأتي عمليات الطرح وسط تأجج حالة من الغضب الشعبي على لجوء الحكومة إلى بيع الأصول العامة لسد العجز المالي. شكل برلمانيون ومثقفون لجنة وطنية لـ"حماية ثروات الشعب"، وصفها رئيس اللجنة البرلمانية لحزب الوفد محمد عبد العليم دواد بأنها ستعمل على ضمان عدم تفريط الحكومة في تلك الأصول. قال دواد لـ"العربي الجديد"، إنه لا يحق للحكومة أن تتخلص من ثروات الشعب بالبيع لحل أزمة تسببت بها، وعليها أن تبحث عن بدائل أخرى، لا سيما أن هذه الشركات تدر أرباحا بالعملة الصعبة، وما يمكن طرحه منها للبيع في البورصة يجب قصره على المصريين.

وفي المقابل، يعتبر خبير التمويل والاستثمار طارق متولي عمليات الطرح للشركات العامة فرصة لتنشيط سوق المال ومساعدا في جذب الاستثمار المباشر الذي تحتاجه الدولة بشدة لمواجهة شح الدولار.

قال متولي لـ"العربي الجديد": الفرصة أصبحت سانحة الآن أمام القطاع الخاص ليعود لقيادة فرص الأعمال والاستثمار، الذي حرم منه خلال السنوات الماضية، بأن يشارك في ملكية هذه الشركات، مع التزام الحكومة بالتخارج من الملكية وضخ استثمارات عامة في 59 قطاعا إنتاجيا وخدميا. ويؤكد متولي أن التزام الحكومة بتنفيذ وثيقة "ملكية أصول الدولة" سيساهم في تنشيط أداء البورصة التي بدأت تتجه للصعود خلال الفترة الأخيرة، وبما يوفر أمام المواطنين فرصة المشاركة في عمليات البيع والشراء، بدلا من توجه الأموال إلى الادخار في شهادات الاستثمار عالية القيمة التي تدفع الأسواق إلى حالة من الركود في الطلب، وتؤثر سلبا على المنتجين الصناعيين والزراعيين، وإقامة مشروعات خدمية جديدة.

ومن جهة أخرى، يرفض اقتصاديون لجوء الحكومة إلى بيع الشركات العامة عبر صفقات تجري بسرية مع مستثمرين استراتيجيين، سواء كانوا أجانب أو مواطنين، بما يشوب عمليات البيع المباشر من فساد. يشير الخبراء إلى ارتفاع معدلات الفساد التي رصدتها مؤسسة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي، مطلع فبراير/ شباط الجاري، حيث تراجعت مصر بمؤشر الفساد إلى معدلات غير مسبوقة منذ دخولها في مراحل التقييم بالمؤشر عام 1995.

يرفض اقتصاديون لجوء الحكومة إلى بيع الشركات العامة عبر صفقات تجري بسرية مع مستثمرين استراتيجيين

 

تحتل مصر المرتبة 130 من بين 180 دولة في مؤشر الشفافية لعام 2022، متراجعة بوتير مستمرة. يرجع أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة رضا عبد السلام، في تصريحات صحافية، زيادة معدلات الفساد إلى "توظيف المناصب الحكومية في تحقيق أغراض شخصية، مشيرا إلى خطورة ذلك مع توجه الحكومة إلى بيع الأصول العامة دون أن تتمكن الأجهزة الرقابية من مواجهة الفساد وملاحقة القائمين به، والذي يهدد سمعة الاستثمار في مصر عالميا".
عبر رجال أعمال تحدثوا لـ"العربي الجديد"، عن خشيتهم من عدم قدرة الحكومة على جذب الاستثمار الأجنبي للدخول في شراء الشركات المطروحة، مع استمرار تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار، دون وجود سقف زمني يوقف هذه التراجعات.

قال رئيس شركة مصرية كبرى مملوكة لمستثمرين خليجيين لـ"العربي الجديد"، إن التردي المستمر في قيمة الجنيه، بما يفقده 100% من قيمته أمام الدولار كل 5 سنوات، يؤدي إلى تآكل رأس مال المستثمر الأجنبي وخفض قيمة أي عوائد يحصل عليها من الاستثمار في السوق المحلية، عندما يسعى إلى رد أرباحه ورأسماله إلى الدولة المالكة للمشروع بعملتها أو بقيمة موازية بالدولار.

يشير رجل الأعمال إلى أن الجنيه فقد أكثر من 50% من قيمته أمام الدولار خلال العام الماضي، بعد 3 تخفيضات متتالية في قيمة العملة، وجاءت التحركات الحالية لترفع قيمة الدولار إلى 30.5 جنيها، مع زيادة هائلة في معدلات التضخم، بلغت أمس 26.5%، لتصل إلى أعلى مستوى خاصة في أسعار المواد الغذائية ومستلزمات الإنتاج.

ويتخوف مستثمرون من أن تؤدي زيادة الفائدة على القروض التي بلغت 22.5%، إلى مزيد من التضخم الأساسي، وتدفع حالة الركود بالشركات إلى المزيد من الخسائر التي تتحملها، نتيجة الزيادة في تكاليف التشغيل. ويبدي المستثمرون شكوكهم في قدرة الحكومة على مواجهة البيروقراطية التي تحول دون تسريع عمليات الإصلاح الاقتصادي، مشيرين إلى ضبابية الرؤية وغياب المحاسبة والقدرة على الوصول إلى بيانات عميقة، وشكوكهم في قدرة البرلمان والإعلام على محاسبة منظومة الفساد، بما يحول دون قدرة المستثمرين على العمل في أجواء أكثر وضوحا.
يعتقد خبراء أن تسرع الحكومة في طرح مشروعات عقارية وبترولية وبنوك ووضعها على رأس الأولويات في عمليات البيع لمستثمر استراتيجي تستهدف التعجيل بتدبير العملة الصعبة، مع تنبؤات بحالة من الركود العالمي تؤثر بشدة على الاقتصاد المصري الذي يعتمد على المدخلات المستوردة.

المساهمون