مصر تتجه لإعادة هيكلة الديون وتعويم جديد للجنيه في 2024

13 ديسمبر 2023
تراهن مصر على الدعم الخارجي مقابل إصلاحات اقتصادية (Getty)
+ الخط -

تزايدت التوقعات بشأن مستقبل الاقتصاد المصري في ظل ارتفاع تكاليف الديون الخارجية والضغوط على المالية العامة، وسط توقعات باتجاه مصر لسياسات اقتصادية تخفف من تداعيات الأزمة التي تمر بها مستفيدة في ذلك من موقعها الجيوسياسي في ضوء الحرب الإسرائيلية على غزة حاليا.

وقال بنك "مورغان ستانلي" الاستثماري الأميركي إن مصر تتجه إلى إعادة جدولة ديونها بمجرد انتهاء الانتخابات الرئاسية، مع الارتفاع الكبير في تكاليف الاقتراض الخارجي، بينما أشارت تحليلات أخرى إلى توقعات بتعويم جديد للجنيه المصري استجابة لشروط صندوق النقد الدولي ودائنين إقليميين.

وأشارت مذكرة للبنك نشرتها وكالة "بلومبيرغ" يوم الثلاثاء ونشرة "إنتربرايز" الاقتصادية المحلية اليوم الأربعاء إلى أنه "بالنظر إلى الاحتياطيات الكافية لخدمة التزامات الديون الخارجية المقبلة في عام 2024، فمن المرجح أن تكون أي إعادة هيكلة وقائية بطبيعتها".

هيكلة الديون الخارجية 

ويعني هيكلة أو جدولة الديون أنه بدلا من التخلف عن السداد، يمكن تمديد فترة السداد، أو خفض سعر الفائدة على أصل الدين، أو إسقاط جزء منه كما جرى في العام 1991 عقب حرب الخليج الأولى.

وتتطلب إعادة هيكلة الديون تنفيذ متطلبات مالية من الدولة مثل، رفع كفاءة الإنفاق وتقييده، وإلغاء بعض أنظمة الدعم سواء عن الوقود والكهرباء وغيره من السلع، وإلغاء الإعفاءات الضريبية، وتوسيع القاعدة الضريبية.

كما تتطلب الهيكلة أيضا، وفقا للبنك الدولي ما يسمى شفافية الديون، أي الكشف عن الحجم الحقيقي للديون، بما فيها ديون الشركات المملوكة للدولة، وأشباه الديون المضمونة بضمانات إضافية، وانعدام الشفافية بشأن خطوط تبادل العملات واستخداماتها.

كما تتعلق أيضا، بالكشف عن الفجوة بين إجمالي احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي من جهة، وإجمالي احتياطياتها القابلة للاستخدام، وكذا صافي الاحتياطيات لدى البنك المركزي المصري.

وارتفع احتياطي مصر الأجنبي بـ1.17 مليار دولار في أول 11 شهرًا من العام الجاري، ليسجل في 35.17 مليار دولار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بينما وصل الدين الخارجي في نهاية يونيو/حزيران الماضي نحو 164.7 مليار دولار.

كما أن مصر ملزمة بجدول سداد مدفوعات الديون الخارجية ثقيل، وهناك 42.26 مليار دولار تستحق في عام 2024 وحده، منها 4.89 مليارات لصندوق النقد الدولي.

وتستهدف الموازنة للعام المالي 2023/ 2024، خفض معدلات الدين العام من 96% من إجمالي الناتج القومي إلى 93%، نهاية عام 2024.

وأضاف "مورغان ستانلي" أن " النسبة المرتفعة نسبيا لمصروفات الفائدة إلى الإيرادات حتى عام 2025 قد تجبر السلطات على تحمل الآلام مقدما (بعد الانتخابات بفترة وجيزة) وإعادة الهيكلة".

إدمان الأموال الساخنة 

وتوقع "مورغان ستانلي" أن تعود الأسواق الناشئة ومنها مصر إلى اللجوء لإصدار سندات محلية بالعملات الأجنبية العام المقبل، مقابل تراجع الإصدارات بالعملة المحلية، وهو ما يعيد المستثمرين مرة أخرى لأسواقها المحلية مقابل تراجع الإقبال على السندات الدولية في ظل ارتفاع عائد سندات الخزينة الأميركية.

وعرضت مصر منذ فترة طويلة بعضا من أعلى أسعار الفائدة الحقيقية في العالم من أجل جذب النقد الأجنبي والأموال الساخنة اللازمة لسد العجز، لكن ذلك ترك البلاد تحت عبء ديون مرهق، حيث تتحمل الحكومة المصرية عبء ديون أعلى من معظم نظيراتها في الأسواق الناشئة.

وكانت هذه الاستراتيجية مستدامة فقط طالما استمر رأس المال في التدفق. وعندما غزت روسيا أوكرانيا في عام 2022، لم تتوقف الأموال الساخنة فحسب، بل انعكس اتجاهها مع ارتفاع التضخم على الواردات الأكثر تكلفة من السلع الأساسية الرئيسية، من القمح إلى النفط.

وانخفض صافي تدفقات استثمارات المحفظة إلى 3.8 مليارات دولار في السنة المالية 2022 إلى 2023، من 21 مليار دولار في الفترة السابقة.

وتحاول مصر منذ ذلك الحين إعادة اقتصادها إلى المسار الصحيح وجذب المستثمرين مرة أخرى إلى البلاد.

لكن كلاً من وكالتي "فيتش" و"موديز" للتصنيف الائتماني خفضتا التصنيف الائتماني للبلاد في الأشهر الأخيرة، بسبب النقص المستمر في العملات الأجنبية والديون الباهظة التكلفة.

وعلى مدى العقد الماضي، اضطرت مصر إلى تخصيص أكثر من نصف دخلها الضريبي لدفع الفوائد على ديونها، وفي الفترة من يوليو/تموز حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2023 ، أي الربع الأول من السنة المالية الجارية، من هذا العام، بلغت تكاليف الفائدة أكثر من 1.5 مرة ما تم جمعه من الضرائب، وفقا لبيانات من وزارة المالية.

وساعد التفاؤل بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي سيحاول بعد ظهور نتيجة الانتخابات الرئاسية بذل الكثير من الجهد وينفذ الإصلاحات المطلوبة لتحسين قيمة الجنيه في التعاملات الخارجية وكذا السندات.

وقال الخبير الاقتصادي أدريان دو توا من لندن، إنه " بمجرد زوال المخاطر المتعلقة بالانتخابات، سيكون لدى الحكومة المصرية مساحة أكبر للمناورة وسيستجيب صندوق النقد الدولي بالمثل"، مؤكدا أن "الرهانات الهبوطية عفا عليها الزمن".

رهان أكبر من أن تفشل 

وأشارت الوكالة الأميركية في تقرير حديث آخر لها إلى أنه رغم المخاطر التي تواجه الاقتصاد المصري وارتفاع احتمالات التخلف عن سداد الديون بعد أن وصل العائد على السندات إلى نحو 15% وهو ما يعتبر مؤشرا على التعثر، إلا أن حرب غزة أعادت الأمل مرة أخرى للقائمين على الأمور انطلاقا من أن الحلفاء باتوا يدركون مرة أخرى أن مصر أكبر من أن تفشل، أو لن يتركوها تفشل.

وأضاف التقرير أن "الرهان في مصر حاليا هو أن الداعمين المحتملين، من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي إلى دول الخليج الغنية بالنفط، أصبح لديهم الآن حوافز أكثر إلحاحا لمساعدة مصر بالأموال وربما يتساهلون في فرض شروط".

وقال عبد القادر حسين، من كابيتال المحدودة في دبي، إن "السوق تتوقع دعم صندوق النقد الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي - وربما حتى دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اعتمادا على كيفية تطور المأساة في غزة".

ويدرس صندوق النقد الدولي إضافة المزيد من التمويل إلى حزمة مساعداته لمصر، مما قد يؤدي إلى زيادة برنامجه إلى أكثر من 5 مليارات دولار من 3 مليارات دولار المخطط لها وتمت الموافقة عليها بالفعل نهاية العام 2022.

وتعد مصر بالفعل ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين المتخلفة عن السداد.

ووفقا لـ"بلومبيرغ" فإن " الصراع في غزة يمنح السيسي يدًا أقوى للمساومة على التفاصيل، على الرغم من أنه قد يضيف أيضًا بعض الضغوط المالية الجديدة على مصر - مثل خنق السياحة، وهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية".

وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبو ظبي التجاري للوكالة: "لا أحد يريد أن يرى مصر تفشل الآن، أو أن الظروف الاقتصادية تتدهور".

وأضافت أن " اندلاع الحرب يعني أن المزيد من الشركاء الدوليين سيكونون على الأرجح على استعداد لتقديم دعم إضافي".

تعويم جديد للجنيه 

ونوهت "بلومبيرغ" إلى أن "الشرط الأساسي الأكثر أهمية لإطلاق العنان لجزء من هذا الدعم المالي الخارجي يتوقف على تخفيف الضوابط المفروضة على سوق الصرف الأجنبي ــ إن لم يكن التحرير الكامل".

وأضافت أنه " بينما فقد الجنيه نحو نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس/آذار 2022، يراهن المتداولون في سوق المشتقات المالية على أن البلاد ستضطر إلى السماح للجنيه بالانخفاض بنسبة 40% أخرى خلال العام المقبل. ومن شأن ذلك أن يضع العملة تحت مستوى 50 دولارًا للدولار، من 30.85 حاليًا"، وهو السعر المتداول في السوق الموازية غير الرسمية حاليا.

ووفقا لتقرير "مورغان ستانلي" فإن الحكومة ستقوم بعملية تخفيض تدريجي للجنيه أمام الدولار بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت بالفعل هذا الأسبوع.

وقال "دويتشه بنك إيه جي" الألماني في وقت سابق من الشهر الجاري، إن " الاتساع الكبير بين السعر الفوري للعملة المحلية وسعر السوق الموازية يشير إلى ضغوط متزايدة، مما يؤكد الحاجة إلى تخفيضات إضافية لقيمة العملة".

وأضاف أنه "من المرجح أن تتم جولة جديدة من تخفيض قيمة العملة بعد الانتخابات الرئاسية وقبيل الانتهاء من مراجعات صندوق النقد الدولي في أوائل عام 2024".

وتوقع الخبير الاقتصادي تشارلز روبرتسون،" تخفيض قيمة العملة بنسبة 20% بعد فوز السيسي بالانتخابات، ثم الحصول على تمويل أكبر من صندوق النقد الدولي".

وأضاف "ربما يكون هذا إيجابيًا بالنسبة للسندات المصرية بالدولار - وربما الأسهم أيضًا - إذا اعتبر انخفاض قيمة الجنيه كافيًا لتسوية تراكم العملات الأجنبية".

ووصل سعر الجنيه في العقود الخارجية إلى 47.35 جنيهًا للدولار في وقت سابق من الشهر الجاري.

كما قالت "بلومبيرغ" في تقرير لها أول أمس الاثنين، إن "الرئيس السيسي سيفوز بالانتخابات الرئاسية لكنه سيضطر قريبا إلى الإشراف على تخفيض مؤلم لقيمة العملة".

وأضافت أن "سندات مصر الخارجية واجهت صعوبات خلال معظم العام الماضي، ومن المرجح أن تكون هناك حاجة إلى مزيد من التخفيضات في قيمة الجنيه المحلي لإطلاق المزيد من تمويل الإنقاذ".

وأكدت أنه "حتى لو أتاحت الجغرافيا السياسية لمصر بعض المساحة للتنفس المالي والقدرة على المساومة، فإن هناك ضغوطًا متزايدة على السيسي لتغيير المسار".

ورجحت "بلومبيرغ" أن السيسي " سيضطر بعد الانتخابات، إلى تحمل تخفيض آخر لقيمة العملة - الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم أزمة تكاليف المعيشة في مصر - وبيع المزيد من الشركات الحكومية، بما في ذلك بعض الشركات التي يديرها الجيش ".

وأشارت إلى التعويم " سيرفع تكلفة المواد الغذائية والوقود المستورد بشكل أكبر،  وهي خطوة يقاومها السيسي، ولكن من المتوقع على نطاق واسع أن يقوم بها بعد الانتخابات". 

وقال المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان إن الصندوق يستعد لطرح حصص جديدة في الشركات المملوكة للدولة خلال الربع الأول من 2024.

وأضاف سليمان في مقابلة حديثة مع " سي إن إن الاقتصادية " على هامش فعاليات مؤتمر المناخ COP28 المنعقد بدبي أن قائمة برنامج الطروحات الحكومية ستتوسع لتشمل قطاعي البنية التحتية والخدمات المالية".

وقد يؤدي تعديل آخر للعملة إلى إعادة المستثمرين وتسريع بيع المزيد من الشركات الحكومية المصرية، بما في ذلك لمستثمرين خليجيين مهمين. 

المساهمون