شهدت مدينة رفح المصرية بمحافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، خلال الأيام القليلة الماضية، حركة مكوكية لمجموعات من المهندسين الزراعيين والشركات الاستثمارية التي حصلت على موافقات أمنية للتحرك داخل مدينة رفح التي باتت منطقة عازلة تخلو من السكان الذين تم تهجيرهم على مدار السنوات الماضية، إذ يجري التخطيط لإنشاء منطقة زراعية كبرى، بعد تأجير أرض مدينة رفح للمستثمرين.
ويشار إلى أن رفح هي مدينة مصرية تقع في محافظة شمال سيناء على الحدود الشرقية مع قطاع غزة كما أن بها معبر رفح البري، وهي تعدّ مدينة زراعية وأهم ما تنتجه الخوخ والزيتون والموالح والتفاح والبلح والعنب والخضروات الورقية والفلفل، وتنتشر فيها بعض مناطق الرعي، فيما شهدت في أوائل 2015 إعلان الحكومة المصرية نيتها هدم المدينة بأكملها بهدف توسيع المنطقة العازلة مع حدود قطاع غزة، بعدما بدأت القوات المسلحة المصرية في تجريف أجزاء من رفح في أكتوبر/ تشرين الأول 2014.
وفي التفاصيل، قالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، إنه بعد إنجاز مشروع ترحيل جزء كبير من ركام المنازل المهدمة في مدينة رفح، وتجريف المناطق الزراعية التي كان يستخدمها سكان رفح في ممارسة مهنة الزراعة على مدار العقود الماضية، بدأت الجهات السيادية بتسليم أرض مدينة رفح لمجموعة من الشركات الاستثمارية لتنفيذ مشاريع كبرى، جزء كبير منها زراعي، وآخر يتعلق باستزراع الأسماك، ومشاريع أخرى للطاقة الشمسية، برغم أن هذه الأراضي هي ملك للمواطنين وليست ملكاً للدولة المصرية.
وأضافت المصادر التي رفضت ذكر اسمها: يأتي ذلك في حين أن من حصل على التعويض من سكان المدينة كان على المباني السكانية، كما أنه تم دفع مبالغ مالية زهيدة لعشرات المواطنين مقابل التنازل عن أراضيهم، بالإكراه بالتأكيد، في ظل منع قوات الجيش أي مواطن مصري من دخول مدينة رفح منذ عام 2017.
وتابعت المصادر ذاتها أن عين المستثمرين جاءت على رفح لعدة أسباب، أهمها الموقع الجغرافي، حيث إنها تقع بجوار قطاع غزة الذي يستورد أطنانا من الفواكه من مصر بشكل يومي عبر معبر رفح البري الرابط بين مصر وقطاع غزة، وكذلك توافر خزان جوفي غني بالمياه على امتداد المحافظة التي تبلغ مساحتها 456.9 كيلومتر باتت المتصرف فيه قوات الجيش فقط، وكذلك المناخ المناسب لزراعة كل أنواع الخضروات والفواكه، بخلاف كل مناطق سيناء الأخرى، في ظل قربها من ساحل البحر المتوسط، ومناخ فلسطين المعروف بملاءمته للزراعة.
وحول ذلك، كتب مدير إحدى مدارس مدينة رفح قبل التهجير، ويدعى أبو يوسف الشامي، أن مجموعة من المهندسين الزراعيين قامت بجولة في نطاق المنطقة العازلة التي تبلغ مساحتها خمس كيلومترات على الحدود لدراسة زراعتها واستثمارها، "وغدا صباحا ستقوم بمسح ودراسة منطقة خارج المنطقة العازلة المذكورة سابقا، حيث تمتد المنطقة الجديدة في ساحل البحر من أبو شنار وحتى السكادرة، جنوب مدينة الشيخ زويد، بالإضافة إلى بلعا وريفها والمطلة وريفها والحسينات، وهناك أخبار صادرة عن بعض رجال الأعمال من العريش تفيد بأن هناك خمسة أو ستة منهم قد أخذوا أراضي زراعية بآلالف الأفدنة من المنطقة التي نُمنع من الدخول إليها بحجة الألغام ومخلفات الحرب".
وفي رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أهالي رفح الذين تم تهجيرهم منها، أضاف الشامي: "لقد نصحت لكم، وأنتم تريدون التعويضات قبل العودة، والله لا عودة ولا تعويضات. إن كان هذا حالكم، صور المحولات، وحفر الآبار، تكفي لرفع الغشاوة عن عيونكم، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد".
وفي تفاصيل المشروع الجديد، قال مصدر مسؤول في مجلس مدينة رفح المصرية لـ"العربي الجديد"، إن المشروع يقوم على حفر 1500 بئر مياه في كافة مناطق المدينة، من ساحل البحر شمالا وحتى منطقة البرث، جنوب رفح، ومن جنوب مدينة الشيخ زويد وحتى مسافة 500 متر قبل الحدود مع قطاع غزة، وذلك بعد الانتهاء من تجريف ما تبقى من منازل ومزارع، ورفع الركام خلال الأيام القليلة المقبلة، من ثم تسليم الأراضي للشركات الاستثمارية التي ستعمل في مجال الزراعة والطاقة الشمسية واستخراج المياه، وبالتالي تتوافر كل مقاومات المشروع، دون الحاجة لتوريد أي مستلزم للإنتاج.
وأضاف المصدر المسؤول - رفض الكشف عن هويته - أن الهدف من الزراعة في هذه المنطقة هو إلغاء التفكير بالوجود السكاني فيها من ناحية، ومن أخرى تهدف إلى مدّ سوق سيناء وقطاع غزة على حد سواء بالفواكه والخضروات على مدار العام، مع الإشارة إلى أن إحدى شركات رجل الأعمال المصري إبراهيم العرجاني حصلت على عدة امتيازات في رفح، تمثلت في إنشاء شبكة طرق جديدة، ممتدة من ساحل البحر وحتى مناطق وسط وجنوب سيناء، وكذلك امتياز رفع الركام مقابل الحصول على كميات كبيرة من حديد التسليح في المنازل.
وأوضح أن إحدى شركات العرجاني تعمل على نقل الفواكه بشكل شبه يومي إلى قطاع غزة عبر منفذ رفح البري، بينما يتم الحصول على هذه الفواكه وبعض الخضروات من مزارع العرجاني في محافظتي الإسماعيلية والإسكندرية والتي تقدر بمئات الأفدنة الزراعية، مشيرا إلى أن زراعة رفح تعني أنه في غضون خمس سنوات ستبدأ عمليات تصدير المنتجات إلى أسواق سيناء المحلية وقطاع غزة المجاور للحدود، مع تحويل المنطقة من اسم مدينة رفح التاريخية إلى مسمى استثماري سيتم التوافق عليه خلال الأيام المقبلة، بعد انتهاء فرق المفرقعات التابعة للقوات المسلحة من إزالة ما تبقى من ألغام ومخلفات الحرب على الإرهاب.
وإزاء ذلك سادت حالة من الغضب في أوساط المواطنين سكان مدينة رفح التاريخية التي يجري تحويلها لمزرعة جديدة تابعة لشركات استثمارية، وسط مطالبات بضرورة السماح للمواطنين بالعودة إلى منازلهم وأراضيهم، لا سيما أولئك الذين لم يحصلوا على أي تعويضات منذ تهجيرهم من رفح قبل ست سنوات، ويقدر عداد بالآلاف، من مناطق غرب رفح وشمالها، حيث لا يزالون يكابدون مرارة البعد عن أرضهم في محافظات أخرى، في انتظار قرار التعويض أو العودة.
وتشير التقديرات إلى أن مناطق شمال سيناء ستتحول إلى مناطق استثمارية في ضوء توسعة ميناء العريش ومطار العريش الدولي واستكمال خط سكة الحديد التي تربط سيناء بغرب قناة السويس، وكذلك مشاريع الطرق والمحاور الجديدة في سيناء، والتي تتزامن مع طرد تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش الإرهابي من المحافظة خلال العام الماضي، بعد تمركزه فيها لمدة فاقت العشر سنوات على التوالي، خسرت خلالها الدولة المصرية الآلاف من المجندين والمواطنين.