يعود شهر سبتمبر/أيلول على الأسر الجزائرية، حاملا في أيامه حدثا مهما في رزنامة الإنفاقات، هو الدخول المدرسي المنتظر يوم السبت المقبل للمدارس الخاصة و21 من الشهر الجاري للمدارس الحكومية.
وبالتالي تضاف هذه المناسبة السنوية إلى قائمة مصاريف الأسر الجزائرية التي تواجه غلاءً غير مسبوق للمعيشة، الأمر الذي يزيد الضغط على ميزانياتها المنهكة أصلا بتراجع القدرة الشرائية جراء انهيار سعر الدينار مقابل العملات الأجنبية، وزيادة التضخم وارتفاع الأسعار، ما دفع الكثير من الأسر نحو الاقتراض لتلبية الاحتياجات المعيشية.
مصاريف الدراسة في الصدارة
تتربع مصاريف الدراسة على قائمة "إنفاقات أيلول الجزائريين"، فتعاقب المناسبات جعل الأسر الجزائرية تشرع في التحضير مبكرا للدخول المدرسي، نتيجة احتراسهم من الارتفاع المفاجئ للأسعار الذي أصبح واقعا متكررا في هذه المناسبات.
وهو حال عامل في مصلحة الحالة المدنية بإحدى بلديات العاصمة الجزائرية، وأب لأربعة أطفال، كمال بلوطي، الذي قال إن "حجم المصاريف كان كبيرا مؤخرا، ولأن الدخول المدرسي على بعد أقل من أسبوعٍ، فالأولى التفكير في مصاريف المدارس والدخول الاجتماعي القادم".
وأضاف بلوطي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مصاريف التعليم في السنوات الأخيرة أصبحت مكلفة جدا، من أدوات مدرسية وملابس وحقوق الدراسة، وأنا على سبيل المثال راتبي لا يتعدى 50 ألف دينار (400 دولار) ولدي 4 أطفال مسجلين في المدارس، واحد في روضة الأطفال والثاني في مدرسة خاصة والآخران في مدارس حكومية".
وتتطلب مصاريف بداية العام الدراسي تخصيص مبالغ مهمة من ميزانية الأسرة، لشراء الكتب ومستلزمات الدراسة ودفع أقساط المدارس واشتراكات المواصلات، فمع كل دخول للعام الدراسي ترتفع أسعار الأدوات المدرسية.
ارتفاع تكلفة المستلزمات
تضع الأسر الجزائرية نصب عينيها المدارس ومتطلباتها، لأن اقتناء المستلزمات المدرسية ليس كخيار، بل كضرورة لا بد منها.
وفي السياق، يكشف المواطن أسامة برهاني أن "تكلفة تجهيز طفل واحد للعام الدراسي من ابنيه الاثنين تتعدى 17 ألف دينار (135 دولاراً) بما فيها الملابس الجديدة والأدوات المدرسية وحقوق الدراسة".
وأضاف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أن "راتبه لا يتعدى 35 ألف دينار (290 دولاراً)، وهو لا يكفيه لتغطية مصاريف الدراسة ومصاريف البيت، يضاف إلى ذلك أنه اضطر إلى الاستدانة بعد تلقيه راتب آب/أغسطس لسداد دين مترتب عليه من عيد الأضحى".
الاندفاع نحو الاقتراض
يصف عدد كبير من الجزائريين كل موسم دراسي بـ"الهمّ"، في ظل النفقات الكثيرة استعداداً لانطلاق العام الدراسي وحتى نهايته، وتجد الكثير من الأسر الجزائرية نفسها عاجزة في السنوات الأخيرة أمام تغطية نفقات أبنائها الدراسية في ظل تتابع المناسبات في ظرف وجيز، ما يدفعها إلى اللجوء نحو الاقتراض مرة ثانية في أقل من 30 يوما، بعدما اضطر السواد الأكبر من الأسر إلى الاقتراض لشراء أضحية عيد الأضحى.
يقول موظف في شركة خاصة، محمد الأمين بلهادي، إنه "تلقى راتب شهر آب/أغسطس في 28 من الشهر، وأنفقت ثلثي الراتب في يومين، فقط من أجل شراء الملابس والأدوات المدرسية لأبنائي، والله أصبحنا نعيش في الجزائر بـ "رحمة الله" فقط، لو تسأل أي مواطن من الطبقة المتوسطة، كيف تنفق أكثر من راتبك، لأجابك أنه لا يدري لكنه ينهي الشهر بإجراء عملية قيصرية".
ويتابع بلهادي في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه "اتصل بأحد إخوته واقترض منه 20 ألف دينار (170 دولارا)، وسيتصل بأحد أصدقائه لاقتراض 10 آلاف دينار (90 دولارا) أخرى على أن أسددها على أقساط في الأشهر القادمة".
صيف صعب معيشياً
مرت ميزانية الأسر الجزائرية بامتحان صعب في الأشهر الأخيرة، حيث اجتمعت مصاريف شهر رمضان وعيد الفطر، مع مصاريف عيد الأضحى وعطلة الصيف، لتضاف إليها مصاريف المدارس، ما زاد في حجم عجز جيوب أرباب الأسر الذين لم يجدوا حلا للمعادلة الانفاقية في الأيام القادمة.
وإلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي جمال نور الدين إن "الأسر تواجه ممراً إجبارياً من حين لآخر، تجتمع فيه عدة مناسبات، تتطلب إنفاقاً ماليا غير اعتيادي، وهناك إشكالية تتعلق باختلال التوازن بين الدخل والإنفاق خاصة في المناسبات، التي يستغلها التجار لربح المزيد من المال من خلال رفع الأسعار".
وأضاف الخبير الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" أن "متوسط دخل الأسر الجزائرية يتراوح بين 30 ألفا و40 ألف دينار (300 دولار) شهريا حسب تحقيق أجراه الديوان الجزائري للإحصاء، في حين يبلغ متوسط الإنفاق في هذه الأيام بين 50 ألفا إلى 60 ألف دينار (500 دولار) أي أن العجز يفوق 15 ألف دينار (110 دولارات)، ما يعني اختلال ميزانيات الأسر متوسطة الدخل".