بدأت الحكومة التركية تقييم الأدوات والحلول الاقتصادية التي طبقتها منذ مايو/أيار الماضي، ولم تجد نفعاً على الأرض، حيث إن التضخم بازدياد مطرد والليرة التركية بتراجع مستمر، رغم رفع سعر الفائدة لأربع جلسات متتالية، ما انعكس على حياة الأتراك وزاد من نسبة الفقر.
وتشير مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك إعادة نظر وتقييم للخطة الاقتصادية والبحث بطرق تخفيف أثر الغلاء على المستهلكين، متوقعة صدور قرارات "مهمة اليوم" بعد اجتماع مجلس التنسيق الاقتصادي (EKK) برئاسة نائب الرئيس التركي جودت يلماز وحضور كامل الفريق الحكومي الاقتصادي.
ولم تفلح الحكومة التركية الجديدة، حتى اليوم، بتقليص التضخم بعد تحوله إلى قلق حكومي وشعبي أكل زيادات الأجور المتتالية ورفع الأسعار بنحو 150% خلال عام، بل وبدّل، بحسب المراقبين، السياسة الاقتصادية الكلية لتركيا، التي أعادت التعامل بالأدوات التقليدية، وبمقدمتها النقدية.
وذهب اقتصاديون اليوم للتوقع بارتفاع نسبة التضخم بنحو 4.9% على أساس شهري لسبتمبر/أيلول الجاري ليرتفع التضخم على أساس سنوي إلى 61.7%، وهو الأعلى منذ شباط/فبراير الماضي وقت ضرب تركيا الزلزال المدمر وقبل تعيين الحكومة الجديدة ونجاح الرئيس التركي بالانتخابات.
وجاءت توقعات المتخصصين المتشائمة اليوم بسبب عدة عوامل سلبية أثرت على التضخم في تركيا، من بين هذه العوامل تراجع قيمة الليرة التركية، التي سجلت، اليوم الخميس، 27.4288 ليرة مقابل الدولار، والإجراءات التي اتخذتها وزارة المال، الشهر الماضي، كزيادة الضرائب على السجائر والوقود وضرائب الشركات وضريبة القيمة المضافة.
ويرى أستاذ المالية بجامعة باشاك شهير بإسطنبول فراس شعبو أن الضغط على الليرة التركية شديد، ولم تفلح حتى الآن سياسة وزارة المالية وقرارات المصرف المركزي، سواء بزيادة موارد الخزينة عبر رفع الضرائب وامتصاص جزء من السيولة من التداول، أو رفع سعر الفائدة من 8.5% إلى 30% خلال أربعة أشهر.
ولكن، يستدرك شعبو خلال تصريحه لـ"العربي الجديد"، بأن سياسة الحكومة التركية ستحقق غايتها بعد فترة ويتراجع التضخم والبطالة، كما وعدت الحكومة، لكن ذلك يحتاج وقتاً وإجراءات مرافقة، والأهم هو جذب الاستثمارات الخارجية وعودة تدفق السياح والصادرات، لأن عكس ذلك، إن لم تتحقق وعود جذب الأموال المباشرة وتزيد الصادرات عن 300 مليار دولار، فربما تكون السياسة الاقتصادية للحكومة ضربة للاقتصاد وستؤثر على نسبة النمو وسعر الصرف وزيادة البطالة.
ويكرر وزير المالية والخزانة محمد شيمشك خلال تصريحاته، الإشارة إلى ضرورة التحلي بالصبر لتظهر نتائج الخطة الاقتصادية المتوسطة المتوقعة منذ العام المقبل، لافتاً إلى أن الحكومة تسعى لاستعادة التوازن في الاقتصاد وتقليل الطلب المحلي، وهذه العملية ستكون تحديًا صعبًا وستستغرق وقتًا للتنفيذ، على حد تعبير الوزير شيمشك.
وبلغ التضخم، الشهر الماضي، على أساس سنوي وفق بيانات رسمية تركية، نحو 58%، ما رفع تكاليف المعيشة وزاد من نسبة الفقراء بعد ارتفاع تكاليف المعيشة إلى أعلى من مستوى الرواتب والأجور.
وكانت دراسة الاتحاد العام للأعمال المتحدة بتركيا قد كشفت أخيراً عن بلوغ حد الفقر 42.000 ليرة تركية في سبتمبر/أيلول الجاري، ليرتفع بالمقابل حد الجوع، الذي يمثل المبلغ اللازم لتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية إلى 14.542 ليرة، بزيادة تبلغ 841 ليرة عن الشهر السابق، بعد ارتفاع الإنفاق الضروري لتلبية الاحتياجات غير الغذائية مثل النقل والسكن والصحة إلى 27.109 ليرة تركية في سبتمبر/ أيلول، بزيادة تصل إلى 5.537 ليرات عن شهر آب/ أغسطس.