مزارات لبنان تغص بالسياح والمغتربين في العيد... والمقيمون محرومون

26 ابريل 2023
لم يعد بمقدور معظم اللبنانيين ارتياد المنشآت السياحية في ظل الغلاء (فرانس برس)
+ الخط -

أصحبت المطاعم في لبنان والمزارات السياحية للأغنياء فقط والسياح، إذ عكست عطلة عيد الفطر هذا العام مشاهد البؤس الاقتصادي الذي يواجهه الكثير من المواطنين في ظل انهيار ميزانياتهم أمام الغلاء وتهاوي الليرة أمام الدولار، ما حرمهم من بهجة العيد، فيما غصّت المؤسسات السياحية المحيطة بالعاصمة بالروّاد، لا سيما المغتربين العاملين في دول الخليج والسياح العرب، وفي طليعتهم العراقيون.

تقول ميسا، وهي ممرضة تعمل في إحدى المستشفيات الخاصة في بيروت، لـ"العربي الجديد"، إن "المطاعم في لبنان أصبحت للأغنياء فقط والسياح، فتكلفة عشاء واحد، لعائلة مؤلفة من 4 أشخاص، قد تتخطى ثلاثة ملايين ليرة، ما يعادل جزءاً كبيراً من راتبي الشهري الذي يلامس 6 ملايين ليرة، أي حوالي 60 دولاراً (وفق سعر صرف 98 ألف ليرة تقريباً)، علماً أني كنت أعد من الطبقة المتوسطة ودائماً ما كنا نحرص وزوجي على تمضية العيد في المطعم للاستمتاع في الخارج مع الأولاد وتغيير المزاج وتفادياً للأعمال المنزلية، بيد أن رواتبنا تآكلت قيمتها وودائعنا محتجزة في البنوك".

الصرف بالدولار

وتضيف ميسا:"حاولنا في إحدى المرات الخروج لتناول الإفطار في بيروت، فكانت الأسعار للشخص الواحد تتراوح بين 20 إلى 38 دولاراً، أي تتخطى المليوني ليرة، مع احتساب سعر صرف الدولار بين 98 ألف و100 ألف ليرة رغم أن السعر عبر التطبيقات كان أقل من ذلك، بيد أن المطعم دائماً يعتمد سعر الصرف الذي يناسبه ويكون أعلى طبعاً"، مشيرة إلى أن "لا قدرة لدينا على دفع فاتورة كهذه، خصوصاً أن هناك مستحقات والتزامات أصبحت أهم بكثير من قضاء وقت في الخارج والاستمتاع".

وتلفت إلى أن "كلفة سفرة العيد لا تقل عن تلك التي ندفعها في المطعم، لكن الكميات المتوفرة في المنزل تعد أكثر، ويمكن الاستفادة منها في اليوم الثاني، أما الحلويات والفواكه فحدّث ولا حرج، أصبحت شبه غائبة عن موائدنا، والحلويات نقوم بإعدادها في البيت".

من جهته، يقول رودي، القادم من دبي لتمضية العيد مع عائلته وأصدقائه، لـ"العربي الجديد"، إنه "أمضى وقتاً سعيداً جداً في اجازته، وقصد العديد من المطاعم وأماكن السهر، ولم ينفق الكثير مقارنة مع ما ينفقه في دبي في كل جلسة عشاء في مطعم، إذ بالكاد في بيروت كان يدفع عن الطعام الذي يطلبه 20 إلى 30 دولاراً مع نرجيلة، وهو ما يجده رخيصاً جداً".

ويلفت رودي إلى أن "الأسعار ارتفعت مقارنة مع العام الماضي، إذ أنفقت هذا العام أكثر بكثير مما أنفقته السنة الماضية في عطلة العيد، باعتبار أن كل شيء أصبح مدولراً (محدد وفق سعر الدولار)، أسعار المحروقات اختلفت عليّ كثيراً وزادت بشكل كبير، فصفيحة البنزين تلامس الميلوني ليرة، أسعار الفواكه والمواد الغذائية تحلق في العالي، الحلويات، وحتى أسعار السهر والمطاعم".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويضيف رودي : "كانت فواتير المطاعم والمؤسسات السياحية بالليرة، وأصبحت اليوم بالدولار، وقد ارتفعت حتى بالدولار عن العام الماضي، وهناك من يفرض الدفع فقط بالدولار النقدي خصوصاً في أماكن السهر والملاهي، ولا يقبل الدفع باللبناني ولو بسعر الصرف، لكن مع ذلك، تبقى الأسعار بالنسبة إلينا، الذين نتقاضى بالدولار، أرخص بكثير مما ننفقه في مكان إقامتنا، لكن أنا شخصياً لا أعرف أصحاب الرواتب بالليرة، كيف هم صامدون أو يعيشون في لبنان".

ووفق دراسة للمؤسسة "الدولية للمعلومات"، وهي شركة أبحاث مستقلة، فإنه مع انهيار سعر صرف الليرة وارتفاع الأسعار، ارتفعت تلقائياً كلفة المعيشية بنسبة 196% حتى بداية شهر إبريل/نيسان هذا العام، مقارنة بشهر أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ارتفاع الأعباء المعيشية

وأشارت الدراسة إلى أن كلفة معيشة أسرة مكونة من أربعة أفراد تتراوح بين 39 مليون ليرة و77 مليوناً شهرياً بالحد الأدنى، من دون احتساب كلفة الصحة والاستشفاء، فيما تراوحت هذه الكلفة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي بين 20 مليون ليرة و26 مليوناً، وهذا يعني أن كلفة المعيشية قد ارتفعت في غضون نحو ستة أشهر بنسبة تراوحت بين 95% و196%.

وفي جولة سريعة على أسعار الحلويات، تراوحت أسعار كيلو المعمول بين مليون ومليوني ليرة، في أكثرية الأصناف، وتختلف بين التمر، الجوز والفستق. كذلك، يمكن الحصول على تشكيلة من "الكرابيج" و"زنود الست" والحلاوة بحوالي مليوني ليرة، وتصل إلى ثلاثة ملايين ليرة للكيلوغرام في بعض المحال.

أما البقلاوة، فبلغ سعر الكيلو مليوناً ونصف المليون ليرة في العديد من المحال في بيروت، ومنها من سعّرت الكيلو بمليونين وأكثر، أما كعكة الكنافة الواحدة، فيتراوح سعرها بين 150 ألف ليرة و300 ألف ليرة، أما قوالب الكاتو أو الكيك فتبدأ من 900 ألف وصعوداً، مع الإشارة إلى أن غالبية الباتيسري (متاجر الحلويات)، كما المطاعم، تعتمد التسعير بالدولار، واحتسابها بسعر الصرف الذي تحدده والذي غالباً ما يكون أعلى من السوق للحفاظ على هامش كبير من الأرباح.

من جانبه، يقول خالد نزهة، نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري، لـ"العربي الجديد"، إن "الحركة في الشهرين الماضيين كانت كثيفة، وخصوصاً في الأسبوعين الفائتين، باعتبار أننا كنا أمام أعياد الطوائف المسيحية والإسلامية، الأمر الذي انعكس إقبالاً كثيفاً على المقاهي والمطاعم والمؤسسات السياحية".

ويلفت نزهة إلى أن معظم الروّاد هم من اللبنانيين العاملين في دول الخليج الذين يترددون في كل عطلة عيد أو موسم سياحي إلى لبنان، وكذلك السياح من الدول العربية، يتصدرهم العراقيون من حيث العدد، ومصر والأردن، مع بعض السياح الأوروبيين.

ويؤكد: "هذه الحركة تنعش البلد والاقتصاد ككلّ وليس فقط المؤسسات السياحية، ونحن بهذا الاطار، ننتظر ونتوقع صيفاً واعداً، ونأمل أن يكون للمصالحات في المنطقة والإقليم انعكاسها على لبنان، خصوصاً وسط وعود بعودة السياح الخليجيين إلى لبنان، وبخاصة السعوديون الذين يعتبر معدل الصرف عندهم في بلدنا فعّال".

ويلفت نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري إلى أن القطاع يستعيد نشاطه بشكل كبير، وقد يشهد عودة وافتتاح حوالي 250 إلى 300 مؤسسة، بعدما كان أقفل ما يزيد عن 3 آلاف إبان الأزمة الاقتصادية والصحية التي ضربت البلاد، والانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020، مضيفا :"كنقابة، نأمل أن تكون السياحة مستدامة وليست موسمية، فيعود لبنان إلى ما كان عليه، منارة ومقصداً سياحياً أول بالمنطقة".

أزمات متتالية

ويشير نزهة إلى الجهود الفردية الكبيرة التي بذلها أصحاب المؤسسات السياحية رغم الأزمات المتتالية، ووضع البلاد سياسياً واقتصادياً ونقدياً، لافتا إلى "أنهم تمكنوا من استعادة نشاطهم بشكل كبير، علماً أنهم لم يخسروا فقط أموالهم بالبنوك كالشعب اللبناني وتضرروا كثيراً بفعل الأزمة النقدية والاقتصادية، بل عانوا أيضاً من هجرة الكوادر المهنية، والآن هم أمام جيل جديد يعمل لنهوض القطاع، من دون أن ننسى أن لبنان من الدول التي تصدّر المطاعم إلى الخارج".

ولا ينكر أن المؤسسات السياحية كانت تعتمد على الطبقة الوسطى وقد خسرتها، وأصبحت تعتمد على اللبنانيين المغتربين والسياح، وحملة الدولار الذين يجدون أماكن السهر والمطاعم والمقاهي والملاهي أرخص بكثير من أماكن إقامتهم في الخارج.

وحول الأسعار المرتفعة التي تعتمدها المؤسسات، والتي تفوق قدرة اللبناني المقيم على تحمّلها، يقول نزهة: "فاتورة المطاعم مرتفعة بعض الشيء للبناني المقيم، لأنها تشمل الطاقة والمازوت والاشتراكات والمياه، وهذه كلها يدفعها أصحاب المؤسسات بالدولار، عدا البضاعة التي ارتفعت أسعارها عالمياً، وللأسف، هذا واقع مرير لكن لا دخل للمؤسسات فيه، في حين أن الدولة بالمقابل مستقيلة من كامل مسؤولياتها".

المساهمون