كشفت الاستقالة المفاجئة لطارق عامر من رئاسة البنك المركزي المصري، التي أعلنتها رئاسة الجمهورية، صباح أمس الأربعاء، عن حجم الخلافات بين مجلس الوزراء وعامر، حول إدارة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها البلاد، وسبل مواجهتها.
ولم يذكر البيان المقتضب الصادر عن مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، أسبابا لاستقالة عامر، الذي تولى منصب محافظ البنك المركزي في نوفمبر/تشرين الأول 2015. لم يُعلن على الفور اسم المحافظ الجديد.
وتعرّض عامر لانتقادات بسبب تعامله مع الصعوبات المالية التي تواجهها البلاد، والتي شهدت تراجع الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي في الأشهر الأخيرة.
وفقد الجنيه المصري الكثير من قيمته، وبلغ سعر صرفه مقابل الدولار أكثر من 19.20 جنيها في البنوك المصرية، مقارنة بـ 15.6 جنيهاً للدولار الواحد قبل قرار البنك المركزي خفض قيمة الجنيه مجدداً في مارس/آذار الماضي، بينما كان قد شهد تراجعاً حاداً في أعقاب قرار تعويم سعر الصرف نهاية عام 2016، إذ لم يكن يتجاوز آنذاك 8.8 جنيهات.
محادثات مع صندوق النقد
كما ارتفع التضخم في الأشهر الأخيرة جزئيا بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا. وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وتأتي معظم وارداتها من روسيا وأوكرانيا. وبلغ معدل التضخم السنوي 14.6% في يوليو/تموز، ما زاد الأعباء على المستهلكين، خاصة الأسر ذات الدخل المنخفض، وخاصة فيما يتعلق بالسلع الأساسية.
جاءت استقالة عامر في الوقت الذي تجري فيه الحكومة محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد لدعم برنامجها الإصلاحي، وللمساعدة في مواجهة التحديات التي تسببت فيها الحرب في أوكرانيا.
وأكدت مصادر اقتصادية لـ"العربي الجديد" أن رحيل "عامر" كان متوقعاً، بعد أن شهدت إدارة السياسات النقدية هوة واسعة بين الحكومة والبنك المركزي. وطلب وزير المالية محمد معيط، من البنك المركزي، تخفيف إجراءات قيود الاستيراد التي فرضها منذ 17 مارس/آذار الماضي، بعد أن أدت إلى شلل تام في الأنشطة الصناعية والتجارية، بما قلص الإنتاج والأنشطة الحيوية في الدولة.
وأصر عامر على انتهاج سياساته التي يتبعها منذ تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية قبل نحو ست سنوات، بالخفض المتواصل للعملة الوطنية، وتشجيع الأموال الساخنة، على دخول سوق المال لتوفير الدولار.
وانتقلت الخلافات حول الملف الاقتصادي إلى رئاسة الجمهورية، مع طلب عامر، أن يخفف البنك المركزي قبضته على سعر العملة، للعودة إلى جذب الأموال الساخنة على شراء السندات وسوق الأسهم في حالة السماح بمزيد من التراجع للجنيه أمام العملات الحرة، وزيادة أسعار الفائدة على الجنيه.
تقارير أمنية تحذر من تراجع كبير للجنيه
وانضم السيسي إلى دعم رأي المجموعة الاقتصادية، وفق المصادر، لوجود مخاوف من خبراء ومؤسسات دولية بأن يتراجع الجنيه إلى ما بين 23 و24 جنيها مقابل الدولار، خلال الأسابيع المقبلة.
كما أشارت مصادر برلمانية، إلى تلقّى مؤسسة الرئاسة تقارير أمنية تحذر فيه من تراجع كبير في سعر الجنيه، بما يهدد بزيادة توقف المشروعات الصناعية، ووقوع ضغوط شديدة على المواطنين، الذين بدأت أصواتهم تتصاعد غضباً من انخفاض قيمة الرواتب والأجور، وعدم استقرار الأسواق التي تتحرك أسعارها يومياً وفقا لسعر الدولار.
وقال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب لـ "العربي الجديد" إن السياسات النقدية التي اتبعها عامر في الفترة الماضية أدت إلى ارتباك الأسواق، بالإضافة إلى أن تجديد بقائه في منصبه يشوبه المخالفة الدستورية، حيث يقتصر التجديد في المنصب لرئيس البنك المركزي لمرة واحدة فقط.
وأشار عبد المطلب إلى أن القيود التي فُرضت من جانب البنك المركزي على الاستيراد، صدرت من دون دراسة فنية لطبيعة السلع إذ طاولت مدخلات الإنتاج. وكان رئيس الوزراء قد شكل لجنة عليا لحل مشاكل المستثمرين والشركات، بعد أن أدى قرار البنك المركزي إلى توقف شركات السيارات عن التعامل مع السوق المصرية، ونقلت شركات أدوية وصناعات غذائية مقراتها الرئيسية من مصر إلى الأردن والإمارات والسعودية، كما لجأت شركات إلى خفض الإنتاج وتسريح العاملين.
قرار مرتقب لتحديد سعر الفائدة
وجاءت استقالة عامر، قبيل قرار البنك المركزي، اليوم الخميس، بشأن تحديد سعر الفائدة، في ضوء التطورات الأخيرة بانخفاض قيمة العملة إلى نحو 19.2 جنيها للدولار، وتدهور الاحتياطي النقدي للشهر الرابع على التوالي إلى 33 مليار دولار، وزيادة الفائدة على الدولار نحو 0.75% وباقي العملات الأوروبية.
وأعرب مستثمرون عن سعادتهم بقرار الاستقالة، مشيرين إلى أن عامر لم يكن يستمع لأي من المستثمرين، ولا الحكومة، مستغلا أن سلطاته الواسعة كرئيس للبنك المركزي، في وضع سياسة نقدية متشددة.