ما تداعيات التصعيد بين طهران وتل أبيب على اقتصاد إسرائيل والأسواق؟

19 ابريل 2024
محطة لشركة شل على طريق هيغنبيرغر في أوكلاند، كاليفورنيا، 9 يناير 2024 (جين تيسكا/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- العدوان المستمر من إسرائيل على غزة وضرب السفارة الإيرانية في سوريا يجر إيران للصراع، مما يزيد التوترات الجيوسياسية ويهدد بحرب إقليمية، مع تغيير في ديناميكية المواجهة بسبب الرد الإيراني.
- الاقتصاد الإسرائيلي يواجه تحديات بسبب العجز الكبير في الموازنة وزيادة الإنفاق العسكري، مما يؤدي إلى تراجع الثقة الاستثمارية وهروب الاستثمارات الخارجية، ويزيد من الهشاشة الاقتصادية.
- التوترات المتصاعدة تؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي، خصوصًا أسواق الطاقة، بارتفاع أسعار النفط والتضخم، مما يزيد من عدم اليقين وتقلبات السوق، ويضعف الاقتصادات الغربية، مطالبةً إسرائيل بإعادة النظر في استراتيجياتها.

ربما تتضاعف الكلفة الباهظة على اقتصاد إسرائيلي من العدوان الذي يواصله كيان الاحتلال بلا هوادة على غزة، بعد أن جرّت تل أبيب إيران إلى الحرب عقب ضربها للسفارة الإيرانية في سورية وردت إيران مساء السبت، قبل أن تعلن طهران عن التصدي لمسيرات أُطلقت من داخل أراضيها اليوم الجمعة.

على صعيد الاقتصاد الداخلي، يزداد عدم الثقة في إسرائيل كوجهة استثمارية، خاصة وأن الاقتصاد الإسرائيلي يدخل العام 2024 بعجز كبير في الموازنة يزيد عن 6% من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الزيادة المتوقعة في الإنفاق العسكري والإجراءات المرتبطة بحرب غزة، وهو يعيش وضعاً من الهشاشة على صعيد الاستثمارات الخارجية التي تواصل الهروب وارتفاع نسبة الدين الخارجي وزيادة كلفة خدمته بسبب تخفيض التصنيف السيادي للأصول الإسرائيلية.

ويعتقد مسؤولون في مكتب المحاسب العام في تل أبيب، المسؤول عن إدارة الديون، أن ديون إسرائيل بلغت أكثر من 300 مليار دولار، حسب ما نقلت وكالة "بلومبيرغ" في 11 فبراير/ شباط الماضي. وفي حين أن الهجوم الإيراني المباشر باستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار ضد إسرائيل في 13 إبريل/ نيسان، لم يتسبب في أضرار جسيمة للمواقع العسكرية، أو خسائر في صفوف المدنيين، حسب التصريحات الرسمية الإسرائيلية، ولكنه غير من ديناميكية المواجهة بين طهران وتل أبيب، وزاد من فرصة نشوب حرب إقليمية في الشرق الأوسط.

وفي أعقاب الهجوم تصر الحكومة الإسرائيلية على الرد والانتقام، رغم معارضة الولايات المتحدة لذلك حتى الآن. وهذا الانتقام، حتى لو كان تم إرساله مع تحذير ومعايرة، يمكن أن يؤدي إلى تصعيد جديد، وهو تصعيد ربما يكون عرضة لسوء التقدير والاستجابة غير المتناسبة من كلا الجانبين، خاصة بعدما أعلنت إيران اليوم الجمعة، عن تصديها لمسيرات أُطلقت من داخل أراضيها.

ومن غير المستبعد أن ينتهي الرد إلى خروج إسرائيل من حرب واحدة لمحاربة تهديد إقليمي ووجودي محتمل، أو تخوض فيه ثلاث حروب في وقت واحد. وبالتالي فإن الضربة الإيرانية وما تلاها من تهديد إسرائيلي بالرد أضافت بعداً جديداً للحرب ضد غزة ورفعت من التوتر والمخاطر الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة التي تعد "خزان الطاقة ومفتاح الصناعة في العالم".

وفي هذا الصدد، يقول مصرف "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي في تعليق على تأثير الضربة الإيرانية نقلته وكالة "يورو نيوز"، إنه في حين أن التأثير المباشر للهجمات الإيرانية على أسواق السلع الأساسية كان ضعيفًا نسبيًا، فإن التوترات الجيوسياسية المستمرة والاستجابات السياسية ستستمر في التأثير على معنويات المستثمرين ودفع تقلبات السوق في الأيام المقبلة. وهذا الاضطراب بدوره ستكون له تداعيات على الاقتصادات الغربية والأميركية الداعمة لإسرائيل. ويرى محللون أن التوتر سيزيد من عدم الثقة الاستثمارية في إسرائيل وتصبح تلقائياً وجهة غير آمنة للمستثمرين.

وحتى على الصعيد الداخلي، فإن الزحام في المطارات الإسرائيلية لسكان الكيان الهاربين من مخاطر التوتر الذي نشرته مواقع التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع، يشير بوضوح إلى أن إسرائيل لم تعد مكاناً آمناً للاستثمار من قبل الشركات العالمية ورجال الأعمال الغربيين وفق مراقبين. ومعروف أن الاستقرار السياسي يعد أهم ركائز جذب رأس المال. وعلى الصعيد الاقتصادي، قد يكون التوتر الإيراني الإسرائيلي مكلفاً لتل أبيب، حتى وإن لم ترد إسرائيل. حيث إن اقتصاد إسرائيل لا يزال يعاني من كلفة الحرب على غزة التي كلفته أكثر من 60 مليار دولار دون حساب النفقات الاجتماعية.

وكان بنك إسرائيل المركزي ذكر في نوفمبر/تشرين الثاني، أن الحرب على غزة ستكلف الكيان ما يقرب من 53 مليار دولار حتى العام 2025، وذلك بحساب أن الحرب ستكون قاصرة على قطاع غزة. واستند هذا التقدير إلى توقعات بزيادة النفقات الدفاعية وغيرها من النفقات، إلى جانب انخفاض عائدات الضرائب. ولكن يبدو أن هذه الحسابات متواضعة جداً ومحسوبة على أساس أن الحرب ستقتصر على قطاع غزة لن تتوسع. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دعمت الحكومة الإسرائيلية رواتب ما يقرب من 360 ألف جندي احتياطي منتشرين في غزة ، وكثيرون منهم موظفون في مجال التكنولوجيا الفائقة والتمويل والذكاء الاصطناعي والأدوية والزراعة. كما يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من ارتفاع التضخم ونقص العمالة في قطاعات الزراعة والبناء، وفقاً تقارير عبرية.

وحسب أرقام رسمية صادرة في تل أبيب، جاءت قراءة مؤشر أسعار المستهلك لشهر مارس/آذار الماضي أعلى من المتوقع، وربما يحول ذلك دون خفض الفائدة في اجتماع بنك إسرائيل المركزي في اجتماعه الشهر المقبل. وهو خفض كانت تنتظره الشركات والقطاعات الاقتصادية التي تعاني لخفض كلف التمويل. كما تعاني سوق المال الإسرائيلية من هروب المستثمرين وشح في السيولة النقدية.

في هذا الصدد، قال رئيس استراتيجية الأسواق في بنك ليئومي العبري، كوبي ليفي، إن أحداث نهاية الأسبوع تزيد بشكل كبير من التوترات في الشرق الأوسط، وتشير إلى أن الصراع اتسع ولا يتوقع أن ينتهي قريباً. ويتوقع الخبير المالي في تعليقات بتل أبيب، نقلتها " صحيفة "غلوبس" أمس الخميس، أن تستمر حالة عدم اليقين والتقلبات في الأسواق المالية، وليس فقط في إسرائيل، بسبب حساسية أسعار النفط للتوترات واحتمال التصعيد الأمني في الشرق الأوسط.

على صعيد الأسواق العالمية، تمكنت الأسواق العالمية من امتصاص الضربة الإيرانية، لثلاثة أسباب رئيسية، وهي أنه تم حسابها وتسعيرها مبكراً في تعاملات يوم الجمعة الماضي، حيث ارتفعت أسعار النفط فوق 90 دولاراً في نهاية تعاملات الجمعة ، كما أن رأس المال الصهيوني النشط في الأسواق العالمية، خاصة في "وول ستريت" خفف من آثار المضاربة على السلع الأساسية، مثل النفط والمعادن الرئيسية للصناعة، ولكن لا تزال التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط مستمرة بلا هوادة، مما يشكل مخاطر محتملة على أسواق الطاقة والاقتصادات الغربية المتحالفة مع إسرائيل، خاصة دول أوروبا والهند وأميركا.

يذكر أن إدارة الرئيس جو بايدن تدخل عام الانتخابات متكئة على نجاحات الاقتصاد في خفض معدل التضخم. وبالتالي، فإن الرد المحتمل على الهجوم الإيراني قد يعقد المشهد السياسي والاقتصادي لإعادة انتخاب بايدن، إذا ما ترتبت عليه قفزة في أسعار السلع خاصة الوقود. أما على صعيد موقف التجارة الإسرائيلية عالمياً حذر محافظ بنك إسرائيل، أمير يارون، في محادثة مع صحيفة " كالكاليست" العبرية جرت هذا الأسبوع، حكومة نتنياهو من تنامي مشاعر الغضب ضد إسرائيل، وقال "يجب على الحكومة الإسرائيلية اتخاذ قرارات بشأن دمج اليهود المتشددين، وإدراك أن هناك ثمناً اقتصاديّاً للمشاعر المتغيرة باستمرار في العالم تجاه إسرائيل".

يذكر أن العالم شهد تظاهرات هادرة ضد الحرب على غزة، كما تعرضت الشركات الداعمة للحرب ضد غزة لمقاطعة شعبية واسعة وشرسة في الدول الغربية. وفي حال مواصلة إسرائيل للحرب ضد غزة والرد على إيران، فإن ذلك سيقود إلى ارتفاع التضخم في الدول الرأسمالية وربما يرفع أسعار النفط فوق 100 دولار، وبالتالي فإن التوتر ربما يصب في صالح الصين وضد أميركا وحلفائها بسبب ارتفاع التضخم. ومعروف أن النفط الغاز الطبيعي يدخلان في معظم الصناعة وسلاسل الإنتاج.

وبالنسبة لارتدادات التوتر على مؤشرات الاقتصاد الإسرائيلي وعلاقات إسرائيل التجارية بالخارج وارتفاع معدل التضخم والضرائب التي تنتظر سكان الكيان المحتل لتغطية كلف الحرب، يرى أمير يارون في حديث لصحيفة "كالكاليست" العبرية يوم الأربعاء، أن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد كثيراً على الصادرات والواردات، ولذلك، يقول إن انفتاح الاقتصاد والعلاقات مع بقية العالم مهم جداً لإسرائيل. ويضيف أن هناك شيئا يصعب قياسه وتحديده، وهو رأس المال غير الملموس الذي يمكن أن تخسره إسرائيل بسبب استمرار التوتر في الشرق الأوسط وتأثيره على الاقتصادات الغربية وأسواق المال العالمية. كما ينصح الحكومة الإسرائيلية بضرورة الاستماع للرأي الأميركي.

وبرزت نتائج التصدير لمسيرات في إيران اليوم بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي الذي خفضت ستاندرد أند بورز تصنيفه نتيجة المخاطر المتصاعدة في الشرق الأوسط، خاصة بالنسبة لاقتصاد الكيان المتأثر بقوة نتيجة العدوان المستمر على غزة وأهلها. وحتى الآن تتخوف الدول الغربية من تداعيات التوتر على أسعار النفط في وقت تواجه فيه أزمة التضخم وارتفاع سعر الفائدة. ولم تشهد الأسواق أي اضطرابات كبيرة، حتى بعد هجمات "طوفان الأقصى" في أكتوبر/ تشرين الأول. ولكن حدث بسبب أن إسرائيل ليست دولة نفطية، وكذلك بسبب أوضاع قطاع غزة المحتل.

ولكن في حالة إيران فالوضع مختلف، فإيران ثالث أكبر منتج للنفط داخل أوبك بعد السعودية والعراق، ولذا فإن هناك احتمالا أن ترتفع المضاربات على النفط بغرض التخزين بسبب عدم اليقين وارتفاع علاوات المخاطر وأسعار التأمين على السفن. ومن المحتمل أيضا أن ترتفع المخاطر الجيوسياسية بين 5 إلى 10 دولارات للبرميل، في حال تقييد طهران لحركة مرور الناقلات عبر مضيق هرمز. وحدوث تطور مثل هذا سيرفع من الغضب الغربي على إسرائيل ويضرب مستقبل الأحزاب الحاكمة حالياً في العواصم الغربية.

المساهمون