انتقد رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم سياسة الاستقطاب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الصين، معرباً عن رفضه لحالة الخوف المتصاعدة في الغرب من بكين.
وتساءل إبراهيم عن سبب قيام ماليزيا "بإثارة شجار" مع الصين، أكبر شريك تجاري لها، رداً على الانتقادات الأميركية لعلاقات بلاده مع بكين، قائلاً: "لماذا يجب أن أرتبط باهتمام واحد؟"، وأوضح في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز البريطانية نُشرت أمس الأحد: "أنا لا أتفق مع هذا التحيز القوي ضد الصين، وهذا الخوف من الصين".
أبرزت تعليقات الزعيم الماليزي كيف يُسبّب التنافس بين القوى العظمى مأزقاً للحكومات في جنوب شرق آسيا، وهي منطقة يبلغ عدد سكانها 700 مليون نسمة وتقع على عتبة الصين، وهي ذات أهمية استراتيجية أيضاً لاستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
لكن الاحتكاك خلق أيضاً فرصاً لدول مثل ماليزيا وإندونيسيا وفيتنام والفيليبين للاستفادة من علاقاتها الاقتصادية والأمنية والسياسية مع الولايات المتحدة والصين. وقال إبراهيم إن ماليزيا، المحايدة رسمياً، تسعى إلى الحفاظ على "علاقات جيدة ومستقرة مع الولايات المتحدة، بينما تنظر إلى الصين باعتباره حليفاً مهماً".
وأضاف أن أي ادعاء بأنه يميل نحو بكين، "ليس صحيحاً وغير عادل إلى حد كبير"، مشيراً إلى تصريحات نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس بشأن ذلك خلال قمة آسيان في جاكرتا في سبتمبر/أيلول الماضي.
ركز إبراهيم على إنعاش الاقتصاد بعد سنوات من سوء الإدارة وعدم الاستقرار. ونما الناتج المحلي الإجمالي لماليزيا بنسبة 3.7% في عام 2023، بانخفاض عن طفرة ما بعد وباء كورونا بنسبة 8.7% في 2022، وعانت الصادرات بسبب التباطؤ الاقتصادي في الصين، حيث وصل الرينغيت إلى أدنى مستوياته منذ 20 عاماً.
وباعتباره جزءاً من هذا الجهد، أعطى الأولوية لتعزيز قطاعات التصنيع والطاقة والصناعة في ماليزيا، وذلك غالباً بمساعدة تعهدات قياسية بالاستثمار الأجنبي. وتعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بما يقدر بنحو 170.1 مليار رينجيت ماليزي (35.6 مليار دولار) لماليزيا بعد أن سافر إبراهيم إلى بكين ومنتدى بواو الآسيوي في مقاطعة هاينان الصينية العام الماضي.
وبعد أسابيع، قام رئيس وزراء ماليزيا بتغيير كبير في خطة شبكة الجيل الخامس في بلاده، مما مهد الطريق لمشاركة أكبر من شركة هواوي، عملاق الاتصالات الصيني.
على الضفة الأخرى استفادت صناعة أشباه الموصلات في ماليزيا من قيام الشركات بتغيير سلاسل التوريد للحماية من المخاطر الجيوسياسية. وشكلت ماليزيا فريق عمل يركز على الارتقاء بسلسلة قيمة أشباه الموصلات، وقال أنور إن حكومته "تركز أكثر" على تعزيز قدرتها على تصنيع الرقائق.
في الأثناء قالت شركة ميكرون تكنولوجي الأميركية لصناعة الرقائق في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إنها ستستثمر مليار دولار لتوسيع عملياتها في ولاية بينانغ في ماليزيا، في حين تقوم شركة إنتل ببناء أول منشأة خارجية لها لتغليف الرقائق ثلاثية الأبعاد المتقدمة في الولاية.
كما تعمل مجموعات الرقائق الصينية على زيادة وجودها في الولاية الماليزية ذاتها، حيث يسمح لها بإقامة مشاريع مشتركة لتجنب القيود الأميركية والحفاظ على العلاقات مع الموردين الغربيين، وفقاً للمحللين.
وقال إبراهيم إنه لا يتوقع صراعاً من التقارب بين الشركات الأميركية والصينية في بينانغ، على الرغم من أنه أضاف أن حكومته تقدم المشورة للشركات المحلية لضمان فهمها للسياسات واللوائح الأميركية ذات الصلة. وعملت واشنطن لسنوات على تقييد تطوير الصين لتكنولوجيا أشباه الموصلات، بما في ذلك حظر التصدير على مكونات صناعة الرقائق المتقدمة ومعداتها.
وقال رئيس وزراء مالية إنه أخبر نائبة الرئيس الأميركي: "نحن دولة صغيرة تكافح من أجل البقاء في عالم معقد.. أريد التركيز على ما هو الأفضل لنا".
وتطورت سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين من حرب تجارية على وقع رسوم جمركية مشددة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب إلى إجراءات هادفة تفرض على قطاع التكنولوجيا أو على الاستثمارات في عهد جو بايدن، ومن المتوقع أن يستمر اختبار القوة أيّاً كان الفائز في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني.
ففي بلد يسوده حالياً استقطاب شديد على مختلف المستويات، ثمة موضوع واحد يلتقي حوله الجمهوريون والديمقراطيون، وهو السياسة تجاه الصين التي لا يمكن برأي الخبراء سوى أن تزداد تشدداً، سواء عاد الجمهوري ترامب إلى البيت الأبيض أو بقي فيه الديمقراطي جو بايدن لولاية ثانية.
وقال جوشوا ميلتزر الباحث في معهد بروكينغز للدراسات وفق وكالة فرانس برس، أمس: "أعتقد أن الضغط لا يمكن إلا أن يذهب في اتجاه واحد في واشنطن، نحو المزيد من الهجومية" تجاه الصين.