ماذا جنت مصر من بريكس اقتصادياً بعد عام على الانضمام؟

17 أكتوبر 2024
لقطة على هامش قمة بريكس في الصين، 5 سبتمبر 2017 (كينزابورو فوكوهارا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- انضمام مصر إلى بريكس يُعتبر حلاً ظاهريًا للمشكلات الاقتصادية، لكنه لا يعالج اختلال الهياكل الإنتاجية في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا.
- البيانات الاقتصادية لم تُظهر تحسنًا في التجارة الخارجية بعد الانضمام، حيث تراجعت الصادرات وزادت الواردات، مما زاد العجز التجاري، ولم يُلاحظ توسع في استخدام العملات المحلية.
- لم تحقق العضوية تقدمًا في تحسين الصناعة أو جذب استثمارات جديدة، ولم تُقدم بريكس بديلاً فعالاً عن المؤسسات المالية الدولية، مما يجعل العضوية غير ملزمة لحل المشكلات الاقتصادية.

في كل خطوة تتخذها مصر في إطار الانضمام إلى منظمات أو مؤسسات إقليمية أو دولية، مثل بريكس في أحدث خطوة، يُعرَض الأمر على أنه المخرج من المشكلات الاقتصادية المتتالية التي تعانيها البلاد. حدث ذلك في التسعينيات، بعد انضمام مصر إلى منظمة التجارة العالمية، أو اتفاقية الكوميسا، أو اتفاقية الشراكة الأورومتوسيطة. ويعد ذلك هروبًا من مواجهة المشكلات الحقيقية، التي تعانيها مصر، من حيث اختلال هياكلها الإنتاجية، وبخاصة في مجالات الصناعة والزراعة وإنتاج التكنولوجيا.

فبعد انتهاء قمة مجموعة بريكس في جنوب افريقيا في أغسطس/آب 2023، وُجِّهَت الدعوة إلى ست دول للانضمام إلى تجمع بريكس، هي السعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا وإيران والأرجنتين، لكن الأرجنتين بعد إجراء انتخاباتها البرلمانية، ووجود نظام موالٍ لأميركا والغرب اعتذرت عن عدم قبول الدعوة، وبقيت خمس دول فقط التي اعتبرت عضويتها جديدة في بريكس، بعد قمة جنوب أفريقيا.

وكان الإعلام المصري قد صور انضمام مصر إلى بريكس بمثابة مخرج لمصر من كثير من مشكلاتها الاقتصادية، وعلى سبيل المثال، أن هذا الأمر يعني تسهيل التبادل التجاري بين مصر ودول بريكس بالعملات المحلية، ورفع جودة الصناعة المصرية، وزيادة الصادرات، وجلب استثمارات أجنبية جديدة، وهكذا على اعتبار أن المجموعة لديها من الاتفاقيات ما يسمح بالحصول على كل هذه المزايا.

وبالرجوع إلى البيانات الاقتصادية الخاصة بمصر، التي يُعد من أهمها ميزان المدفوعات، نجد أن مصر بقيت مشكلاتها الاقتصادية على ما هي عليه، إن لم تكن قد زادت في بعض المؤشرات، وأن ما تحقق من إبرام صفقة رأس الحكمة مع الإمارات، إنما تحقق في ضوء العلاقات الممتدة بين الدولتين، وبخاصة بعد الانقلاب العسكري بمصر في يوليو 2013، الذي تدعمه الإمارات بقوة.

نعم، أدى التدفق من النقد الأجنبي لمصر -الناتج من صفقة رأس الحكمة- إلى تحسين سعر الصرف إلى حد ما، وكذلك تمكنها من سداد بعض الديون الخارجية، ولكن كل هذا يأتي في إطار العلاقة بين الدولتين، التي تسبق انضمام مصر إلى بريكس، كذلك فإن إيرادات هذه الصفقة غير قادرة على حلّ مشكلات مصر، فهي ليست أكثر من مسكنات.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

أما قضية أن انضمام مصر سيؤدي إلى تحسين الصادرات المصرية أو زيادتها، فإن بيانات البنك المركزي تظهر عكس ذلك. فالصادرات السلعية لمصر في يونيو 2024 بلغت 32.5 مليار دولار، بعد أن كانت 39.6 مليار دولار، أي إن الصادرات تراجعت ولم تشهد زيادة بعد انضمام مصر.

كذلك إن النتائج بالنسبة إلى الواردات السلعية لمصر سلبية بعد عام. ففي يونيو 2024 بلغت الواردات السلعية لمصر 72.1 مليار دولار، بعد أن كانت 70.7 مليار دولار، وهو ما يعني أن تجارة مصر الخارجية برمتها في تراجع، وليس في تحسن، كما أدعت بعض وسائل الإعلام على لسان مسؤولي أو ممثلي منظمات الأعمال في مصر، ويبرهن على ذلك أن العجز في الميزان التجاري وصل إلى 39.5 مليار دولار في يونيو/حزيران 2024، بعد أن كان بحدود 31.1 مليار دولار في يونيو 2023.

ثمار غير ملموسة لانضمام مصر إلى بريكس

من ضمن ما كانت ترجوه مصر من عضويتها في بريكس، أن يزيد توسيط العملات المحلية في المعاملات التجارية مع الدول الأعضاء. والجدير بالذكر أن تجارة مصر الخارجية مع بريكس تصل إلى 25 مليار دولار، وفق تصريحات يحيى الواثق بالله، رئيس جهاز التمثيل التجاري المصري، وهو ما يعني أن بريكس يستحوذ على نسبة تقترب من 24% من تجارة مصر الخارجية، البالغة 105 مليارات دولار تقريبًا في يونيو 2024.

وليس معنى هذا أن عضوية مصر في بريكس أنشأت هذه التجارة، ولكنها سابقة على تلك العضوية بسنوات. فمثلًا، الصين تُعَدّ أكبر شريك تجاري لمصر على مستوى الدول منذ أكثر من 10 أعوام. كذلك بين الدولتين اتفاقية لتسوية المعاملات التجارية بالعملات المحلية بقيمة 2.6 مليار دولار منذ عام 2016، ولمصر اتفاقيات مشابهة مع دول أخرى، من بينها مع الإمارات في عام 2023 بنحو 1.4 مليار دولار.

ومن غير الوارد التوسع في توسيط العملات المحلية في التجارة الخارجية لمصر مع دول بريكس، نظرًا لضعف أداء الاقتصاد المصري بشكل عام، وضعف أداء عملتها المحلية بشكل خاص، ولكون مصر تمتلك عجزًا تجاريًا مزمنًا.

وعلى النسق نفسه يمكن الحديث عن أن العلاقات التجارية والاستثمارية لمصر مع كل من البرازيل وروسيا وجنوب افريقيا أسبق من عضوية مصر في تجمع بريكس، ولا توجد مؤشرات تبرهن على زيادة العلاقات الاقتصادية والاستثمارية لهذه الدول مع مصر خلال العام الماضي.

وعلى المستوى المالي، وحاجة مصر الدائمة للاقتراض من الخارج، صور البعض أن بريكس سيكون نافذة جديدة، يمكن أن تغني مصر عن التعامل مع البنك والصندوق الدوليين، ولكن المعلوم أن مصر قد نالت عضوية بنك البنية الأساسية في عام 2021، وكان ينتظر أن تحصل مصر على نحو مليار دولار من هذا البنك خلال عام 2023.
وهدف رفع جودة الصناعة المصرية، عبر عضوية بريكس، تشوبه الكثير من الضبابية، وصعوبة التحقيق، فكل دول بريكس، بما فيها الصين، معضلتها الرئيسة هي التكنولوجيا التي تمثل عصب تحسين جودة الصناعة في أي دولة.

فما زالت مصر تستورد العدد والآلات، ووسائل المواصلات، ومن الصعوبة بمكان أن تحل مثلًا مكونات صناعية من الهند أو البرازيل أو روسيا محل المكونات الغربية والأميركية في مصر، فالصين تُعد مُصدرًا مهمًا لمصر في ما يتعلق بالسلع الصينية تامة الصنع وكذلك قطع الغيار، ولكن واردات تلك المكونات من الغرب وأميركا ما زالت تحتفظ بمكانتها العالية.

وعلى سبيل التذكير، فعقب دخول اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية حيز التنفيذ، مطلع الألفية الثالثة، رفع الشعار نفسه، تحسين أداء الصناعة المصرية وزيادة قدرتها التنافسية، حيث أُنشئ جهاز سُمي "تحديث الصناعة المصرية" بتمويل مشترك مصري أوروبي، ولكن بعد أكثر من عقدين من الزمان ما زالت الصناعة المصرية محدودة القدرات، وتعاني من ضعف التنافسية مع الخارج بشكل عام.

وماذا بعد؟

بطبيعة الحال، فمصر ستظل في عضويتها في بريكس، وبخاصة أن هذه العضوية غير ملزمة لمصر أو غيرها من الأعضاء بشيء، كما أن كل الدول أعضاء بريكس أعضاء في منظمة التجارة العالمية، وكل ميزة تجارية لأي من أعضاء بريكس لا بد أن تُعطى لجميع أعضاء منظمة التجارة العالمية، عملًا بمبدأ الدولة الأولى بالرعاية.

ولم يتخذ تكتل بريكس بعد خطوات عملية نحو منطقة تجارة حرة، أو اتحاد جمركي، ومعظم المعاملات التجارية والاستثمارية بين أعضائه، نتيجة للعلاقات البينية، بينما القضايا التي يثيرها التجمع، هي في مجملها قضايا عالمية تحاول أن تجد مخرجًا من سيطرة أميركا والغرب على مقدرات الأمور الاقتصادية والمالية، مثل البحث عن نظام تسوية للمعاملات المالية بخلاف "سويفت"، أو البحث عن عملة دولية لتسوية المعاملات المالية والتجارية بخلاف الدولار.

ختامًا، نستطيع القول إن عضوية مصر بعد عام في بريكس، لم تحقق حالة نجاح، يمكنها أن تسهم في تغيير وضع مصر الاقتصادي، أو حل مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية، ويخشى أن تكون الفترة القادمة مجرد تراكم وقتي لعضوية مصر في بريكس.

المساهمون