مأزق الوقود في تونس ... ارتفاع الأسعار ينذر بإلغاء الدعم

14 مارس 2021
وزارة الطاقة رفعت أسعار البنزين 4% في خمسة أسابيع (الأناضول)
+ الخط -

لم تلبث العديد من القطاعات الاقتصادية في تونس، أن تستعيد بعض عافيتها من تداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد، حتى بدأت الحكومة بضغط من صندوق النقد الدولي في انتهاج سياسة لرفع أسعار الوقود بلا رجعة، بينما تتصاعد مخاوف المنتجين وخبراء الاقتصاد من زيادة الأعباء في البلد الذي يشكو الكثيرين فيه من الغلاء وتزايد معدلات الفقر والبطالة.

ويبدو أن زيادة أسعار الوقود بنحو 4% منذ الخامس من فبراير/ شباط الماضي، ستكون بمثابة تحريك تدريجي لأسعار الطاقة في البلاد، وفق محللين اقتصاديين من أجل خفض عجز الموازنة، حيث رفعت وزارة الطاقة سعر لتر البنزين مرتين آخرهما نهاية الأسبوع الماضي، ليصل إلى 1.995 دينار للتر (0.7 دولار)، مقابل 1.915 دينار قبل الخامس من فبراير/ شباط الذي شهد رفع الأسعار لأول مرة منذ عامين، كذلك زادت سعر السولار إلى 1.72 دينار (0.6 دولار)، مقابل 1.15 دينار في السابق.

يقول مكرم العشي، وهو متعامل اقتصادي في القطاع الزراعي، لـ"العربي الجديد" إن زيادة أسعار المحروقات (الوقود) ستثقل كاهل الفلاحين بتكاليف جديدة تزيد من صعوباتهم المالية بسبب ارتفاع في كل المواد الأولية، فضلاً عن ندرتها.

ويشير العشي الذي يدير مجموعة من الضيعات (المزارع) إلى أن الوقود محرك أساسي لكل القطاعات ويمثل ما لا يقل عن 20% من كلفة الإنتاج الزراعي، معتبراً أن زيادة الأسعار في ظرف زمني قصير تخنق المنتجين الذين يكابدون بالأساس من أجل استمرار منظومة الإنتاج.

ويضيف أن القطاع الزراعي هو النشاط الاقتصادي الوحيد الذي حقق نتائج إيجابية ونما بنسبة 4.4% رغم جائحة كورونا، غير أن الحكومة لم تمنح الفلاحين الذين يوفرون الأمن الغذائي للبلاد أي امتياز جبائي (ضريبي) أو مصرفي، بل أثقلت كاهلهم بمصاريف إضافية، وآخرها الزيادات المتواترة في سعر الوقود.

وينتقد العشي ما يصفها بالحلول السهلة التي تلجأ إليها الحكومة لتعبئة الموارد المالية عبر زيادة الأسعار والضغط الضريبي، قائلاً إن "هذه الإجراءات ستعجّل بانهيار قطاعات واسعة لن تتحمل المزيد من الضغوط".

تتجه الحكومة نحو مواصلة زيادة في أسعار المواد النفطية، لترميم العجز الناجم عن الإنفاق على دعم المحروقات والنقل، الذي يرجح أن يتفاقم بعد الزيادات الأخيرة في أسعار النفط عالمياً إلى حوالى 71 دولاراً للبرميل، في وقت سابق من مارس/ آذار الجاري، بينما كانت الحكومة قد بنت تقديراتها لدعم الطاقة في موازنة 2021 على حوالى 45 دولاراً للبرميل، فيما يكلف كل دولار إضافي في أسعار النفط، الموازنة العامة نفقات إضافية بنحو 129 مليون دينار.

وتعتمد اللجنة الخاصة بمراجعة الأسعار عند تحديد مرجعية السعر للبيع للعموم على السعر العالمي وكلفة التكرير والشحن، على ألا يتجاوز معدل التعديل الشهري بالخفض أو الرفع 1.5% شهرياً و18% سنوياً، إلا أن الزيادة التي أقرتها وزارة الطاقة أخيراً في أسعار البنزين والسولار تصل إلى 2% في كل مرة.

وسجلت تونس خلال الشهرين الأولين من العام الحالي عجزاً في قطاع الطاقة بقيمة 868.5 مليون دينار (314.6 مليون دولار) بما يعادل 45.8% من إجمالي العجز المالي.

والزيادة في سعر الطاقة وتقليص دعم المحروقات من المطالب الأساسية لصندوق النقد الدولي، الذي اشترط حزمة مما يصفها بالإصلاحات الاقتصادية مقابل دخوله في مفاوضات حول برنامج دعم مالي جديد لتونس. ويقول الخبير المالي ووزير التجارة السابق، محسن حسن، إن "رفع الدعم عن الطاقة والذهاب إلى اعتماد سعر التكلفة الحقيقي أصبح حقيقة ثابتة يتعيّن تقبلها في تونس، فالزيادات التي تعلنها لجنة مراجعة الأسعار شهرياً لن تتوقف".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويضيف حسن في تصريح لـ"العربي الجديد": "لرفع الدعم عن الطاقة كلفة اقتصادية واجتماعية باهظة سيتحملها التونسيون، ومنها زيادة نسب التضخم وارتفاع عجز شركات النقل الحكومي وزيادة تعريفات النقل الخاص، لكن من المرجح أن تدعم الحكومة بعض الفئات عبر التحول للدعم النقدي، ومنها فئات صغار الفلاحين والبحارة وقطاع النقل الخاص".

لكن الوزير السابق رهن تقديم الدعم النقدي بقدرة المالية العمومية على توفير المخصصات التي ستوجه إلى هذه الأنشطة والفئات الضعيفة (الفقيرة ومحدودة الدخل). وكان صندوق النقد قد طالب الحكومة التونسية نهاية فبراير/ شباط الماضي، للمرة الثانية في أقل من شهر، بالحد من دعم الطاقة وخفض فاتورة الأجور لتقليص العجز المالي، ما يضع مزيداً من الضغوط على الحكومة الهشة، بينما تعاني البلاد أزمة مالية وسياسية حادة.

وتشهد البلاد ضائقة اقتصادية غير مسبوقة مع عجز مالي للعام الماضي 2020 يقدَّر بنحو 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وانكماش اقتصادي وصل إلى 8.8%.

وتصل نفقات الدعم إلى 3.4 مليارات دينار، منها 2.4 مليار دينار لدعم الغذاء، و401 مليون دينار لدعم المحروقات، و600 مليون دينار لدعم النقل، وفق موازنة 2021.

 

المساهمون