مأزق الاضطرابات في تونس: تجميد مؤقت لزيادة أسعار المحروقات إلى ما بعد الاستفتاء

23 يونيو 2022
المواطنون يعانون من ارتفاعات متواصلة في أسعار الوقود (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

أبطأت سلطات تونس آلية التعديل الدوري لأسعار المحروقات التي كانت تنوي تفعيلها شهرياً، مكتفية بتنفيذ ثلاث زيادات في أسعار المحروقات خلال النصف الأول من السنة الحالية، وسط توقعات بالعودة إلى الزيادة في ثمن المواد الطاقية ما بعد 25 يوليو/ تموز القادم، تاريخ الاستفتاء على الدستور الجديد.
ويأتي هذا التحول من قبل الحكومة وسط أجواء احتقان في الشارع بسبب غلاء الأسعار وتهاوي القدرة الشرائية للمواطن، وهو ما دعا آلاف التونسيين إلى الخروج إلى الشارع للتظاهر يوم الخميس الماضي.
ويفترض، وفق ما أعلنت الحكومة في مناسبات عديدة، أن تشتغل آلية تعديل المحروقات شهرياً في اتجاه رفع الأسعار بغاية كبح فاتورة الطاقة والمرور تدريجياً نحو حقيقة الأسعار، في إطار خطة إصلاح الدعم.
غير أن حكومة نجلاء بودن اكتفت بإقرار ثلاث زيادات منذ بداية توليها السلطة التنفيذية، رفعت بمقتضاها أسعار البنزين بنسبة 11.2 بالمائة، والسولار بنسبة 11.5 بالمائة.
عُدِّل ثمن المحروقات خلال النصف الأول في ثلاث مناسبات، آخرها يوم 14 إبريل/ نيسان الماضي، الذي شهد أكبر زيادة في السعر بـ110 مليمات دفعة واحدة في سعر لتر البنزين، و85 مليماً في سعر لتر السولار.

وصعد سعر البنزين منذ تولي حكومة نجلاء بودن من 2095 مليماً إلى 2330 مليماً (نحو0.75 دولاراً)، بينما تغيّر سعر السولار ارتفاعاً من 1605 مليمات إلى 1790 مليماً (الدينار = 1000 مليم)، لتأمين تزويد السوق المحلية بصفة منتظمة، والحد من آثار تطوّر أسعار النفط الخام بالأسواق العالمية على الموازنة العامة.
وقالت الوزارة إنه عن كل زيادة بدولار واحد في البرميل، يترتّب عليها حاجات تمويل إضافية لمنظومة المحروقات والكهرباء والغاز بحوالى 140 مليون دينار في السنة.

قرار سياسي
كانت سلطات تونس تنوي التعديل الشهري في سعر البنزين إلى حدود شهر سبتمبر/ أيلول القادم بنسبة 3 بالمائة، غير أنها جمّدت منذ نهاية إبريل/ نسيان الماضي الزيادات في انتظار مرور الاستحقاقات السياسية التي تقدم عليها البلاد الشهر القادم، حسب توقعات خبراء اقتصاد وطاقة.
وقال مصدر مسؤول بوزارة الطاقة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد" إن لجنة تعديل المحروقات لم تجتمع منذ شهرين، مؤكداً أن قرار تعديل سعر مواد الطاقة سياسي بامتياز.
وأضاف ذات المصدر أن اللجنة لم تتلقّ أي دعوة جديدة للانعقاد من أجل تعديل جديد في الأسعار، رغم الارتفاع الكبير لأسعار النفط في السوق العالمية وانعكاس ذلك على الموازنة وميزان الطاقة.
ومنذ بداية شهر مارس/ آذار 2020، تعتمد تونس في تعديل أسعار المحروقات على قرار وزير الطاقة ووزير المالية، الذي أوكل قرار تحديد الأسعار إلى اللجنة الفنية المكلفة ضبط أسعار بيع المواد البترولية ومتابعتها. وينص أحد فصول القرار على ألا يتجاوز التعديل شهرياً نسبة 5.1 بالمائة السعر المعمول به وقت التعديل.
وتقدّر الزيادات التي أقرتها حكومة بودن منذ توليها السلطة في سعر البنزين الخالي من الرصاص بـ235 مليماً، بينما ارتفع سعر السولار بـ185 مليماً.
وبدأت سلسلة الزيادات في بداية شهر فبراير/ شباط الماضي تلتها زيادة في اليوم الأخير من الشهر ذاته تبعتها زيادة ثالثة في 14 إبريل/ نسيان الماضي.
وتدرجت الزيادات في سعر البنزين من 60 مليماً بداية فبراير إلى 65 مليماً نهاية الشهر ذاته، وصولاً إلى 110 مليمات في إبريل.
أما الزيادات في سعر السولار، فتدرجت من 50 مليماً خلال زيادتي شهر فبراير، لترتفع إلى الأقصى بزيادة 85 مليماً في إبريل/ نسيان.

وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء الحكومي بداية مايو/ أيار إلى أن عجز الميزان التجاري للطاقة في تونس بلغ 3.2 مليارات دينار تونسي (الدولار = نحو 3 دنانير) مع نهاية إبريل/ نيسان، ما يمثل أكثر من ثلث عجز الميزان التجاري الإجمالي.
وفسرت مؤسسة الإحصاء الزيادة على مستوى العجز التجاري، بالارتفاع الهائل في الواردات التونسية من الطاقة التي زادت بنحو 90 في المائة، لتبلغ 4 مليارات دينار تونسي خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي.

عجز ميزان الطاقة
تكشف المؤشرات الرسمية تصاعد عجز ميزان الطاقة الأولية الذي بلغ 48 بالمائة سنة 2021 مقابل 10 بالمائة سنة 2010، والاعتماد على توريد المواد الطاقية الذي أدى إلى ارتفاع حاجات التمويل لتوازن منظومة المحروقات والكهرباء والغاز بنحو 5.1 مليارات دينار طبقاً لقانون المالية الذي ضبط على أساس 75 دولاراً لبرميل النفط.
ويرى الخبير الاقتصادي خالد النوري، أن السلطة الحاكمة ستتجنّب أي زيادات في أسعار المواد الطاقية إلى ما بعد استفتاء 25 يوليو/ تموز، نظراً لتداعيات هذه الزيادات على حياة المواطنين والأجواء الاجتماعية المحتقنة بطبعها.
وأضاف النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الزيادة في أسعار المحروقات تجرّ كل القطاعات الصناعية والخدماتية نحو التعديل في كلفة إنتاجها، مشيراً إلى مخاوف من النقد، وفشل المحطات السياسية القادمة يبطئ كل الزيادات المقررة، رغم تداعيات ذلك على الموازنة العامة ومصير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
ويؤثر تدهور وضع قطاع الطاقة وزيادة كلفته بحياة التونسيين، بعد الزيادات المتواترة في تعريفات الكهرباء والغاز والتعديل الدوري لأسعار المحروقات المرجحة للاستمرار بنسق زيادة بنسبة 3 بالمائة شهرياً إلى نهاية العام الحالي.

إلغاء الدعم
بداية الشهر الحالي أعلنت الحكومة التونسية اعتزامها إلغاء دعم الوقود والغذاء والكهرباء تدريجياً، فضلاً عن إيقاف التوظيف في القطاعات الحكومية، في إطار وصفته بالخطة الإصلاحية للحد من الإنفاق في البلد الذي يشهد أزمة مالية.

ونشرت رئاسة الحكومة خطة الإصلاح التي تمتد خلال الأعوام من 2023 إلى 2026، مشيرة إلى أن "الظرف الاقتصادي المحلي تأثر كثيراً بتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، ما سبّب زيادة الإنفاق الموجه لدعم المحروقات (المنتجات البترولية) والغذاء الأساسي، فضلاً عن زيادة الضغوط التضخمية".
وتتضمن الخطة 43 بنداً، تشمل إصلاح الدعم والمؤسسات الحكومية والنظام الجبائي و"رقمنة" الخدمات الإدارية، ومراجعة أسعار غاز الطهو الموجه للاستهلاك العائلي، وتحرير توريد المواد البترولية وزيادة أسعار الكهرباء، ورفع الدعم عن الغذاء.
ويرفض الاتحاد العام التونسي للشغل كل وصفات الإصلاح المفروضة من دوائر القرار المالي العالمي، متوعداً بالتصدي لكل الإجراءات التي تمسّ بقوت التونسيين.
ويطالب اتحاد الشغل الذي نفّذ إضراباً عاماً في القطاع الحكومي يوم 16 يونيو/ حزيران بإصلاح اقتصادي تتقاسم فيه كل فئات المجتمع الأعباء، وبحلول تونسية - تونسية تراعي خصوصية المجتمع وهشاشة الجزء الأكبر من فئاته.

المساهمون