أزمة المهاجرين تتفاقم بين بيلاروسيا وبولندا ... ولوكاشينكو يشهر سلاح الغاز في وجه أوروبا
في الوقت الذي تتزايد فيه حدة التوتر بين بيلاروسيا وبولندا بشأن الهجرة غير الشرعية المتدفقة عبر أراضي الأولى إلى الأراضي البولندية، هدد الرئيس البيلاروسي باستخدام سلاح الغاز الطبيعي ضد دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بإغلاق أنبوب "يامال" الذي يمرر الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أراضي بلاده، في وقت يحل فيه شتاء بارد على معظم الدول الأوروبية ووسط توقعات بهبوط درجات الحرارة إلى درجتين مئويتين في الأسبوع المقبل. وكانت شركة "سنتريكا"، كبرى شركات الغاز الطبيعي في بريطانيا، قد طلبت من زبائنها الاستعداد لهطول الجليد خلال الأشهر المقبلة.
وتنبع أهمية بيلاروسيا من أنّ خط "يامال"، الذي يمد دول الاتحاد الأوروبي بنحو 20% من إجمالي الامدادات الروسية المقدرة بنحو 200 مليار متر مكعب، يمر عبر أراضيها إلى بولندا وألمانيا، وهو ما سيعني أن أزمة الغاز في أوروبا ستتضاعف في حال تنفيذه مثل هذا التهديد.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حذر، يوم الجمعة، حليفه لوكاشينكو من إغلاق أنبوب الغاز الطبيعي، بحسب وكالة "تاس" الروسية.
ويرى محللون أنّ موسكو لا ترغب بالدخول في نزاع مع دول الاتحاد الأوروبي، في وقت وصلت فيه مفاوضات الترخيص لأنبوب "نورد ستريم 2" مراحلها النهائية. وبالتالي، ربما تستخدم الدول المعارضة الأنبوب، وعلى رأسها أوكرانيا، حجة زيادة نفوذ الطاقة الروسي على أوروبا لعرقلة مسار ترخيص "نورد ستريم 2"، الذي بات جاهزاً للاستخدام بعد اكتماله في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويضاعف أنبوب "غاز ستريم 2" إمدادات الغاز الروسي إلى ألمانيا، من مستوياتها الحالية بـ55 مليار متر مكعب إلى 110 مليارات متر مكعب بعد منحه الترخيص. وتنظر موسكو إلى أهمية هذا الأنبوب في تعزيز نفوذها الجيوسياسي في أوروبا وضمان علاقاتها مع ألمانيا المؤثرة في القرارات الأوروبية.
ويرى محللون أنّ الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو يرغب في زيادة التوتر بين موسكو وأوروبا في فترة الشتاء الحالية، على أمل أن تساهم هذه الضغوط في إلغاء أوروبا العقوبات التي فرضتها عليه في العام الماضي.
وحسب تحليل في موقع "زيرو هيدج" الأميركي، فإنّ لوكاشينكو قال، في حديث لصحيفة دفاعية روسية يوم السبت، إنه يرغب في أن تنصب روسيا نظم صواريخ "ألكسندر" النووية على حدود بلاده الجنوبية والغربية. وهذه المناطق التي يدعو لنصب الصواريخ فيها تواجه حدود الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المجاورة لبلاده، وهي بولندا ولاتفيا وليتوانيا.
وتعود أزمة الهجرة بين بيلاروسيا وبولندا إلى العام الماضي، حينما بدأت الحكومة البيلاروسية فتح حدودها أمام دول "الاضطرابات والحروب والقلاقل"، ومنح تأشيرة دخول لعشرات الآلاف من مهاجري دول الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، وتسهيل إجراءات عبورهم إلى دول البلطيق وبولندا المجاورة لها.
وتتهم المفوضية الأوروبية السلطات البيلاروسية بالإشراف على ترتيب دخول غير الشرعيين إلى أوروبا عبر وكالة السياحة التابعة للحكومة، فيما تنفي بيلوروسيا ذلك.
ويشير تحليل في موقع "زيرو هيدج" إلى أنّ وكالات السفر البيلاروسية تتكسب من هذه الهجرة التي باتت تسبب أزمة ديموغرافية في أوروبا، وتتقاضى من المهاجر مبالغ تراوح بين 1800 دولار إلى 12 ألف دولار.
وكان الرئيس الأميركي جوزيف بايدن قد أعرب عن قلقه بشأن أزمة المهاجرين عبر الحدود البيلاروسية إلى بولندا، فيما اتهم مجلس الأمن الدولي، مساء يوم الخميس الماضي، بيلاروسيا بممارسة استغلال الهجرة لزعزعة استقرار دول الاتحاد الأوروبي.
ولاحظ خبراء أنّ عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا دول الاتحاد الأوروبي عبر "بوابة بيلاروسيا" ارتفع بشكل لافت خلال العام الجاري، خصوصاً في أعقاب قرار الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، في أول يوليو/ تموز من العام الماضي، السماح لمواطني 70 دولة بدخول بلاده من دون تأشيرة والبقاء فيها مدة خمسة أيام بحجج مختلفة.
ويأمل لوكاشينكو عبر خطوة المهاجرين الضغط على دول الاتحاد الأوروبي، وإجبارها على إلغاء العقوبات التي فرضتها بروكسل على 40 مسؤولاً بحكومته في أعقاب إعلانه الفوز بالانتخابات وبنسبة 80%، في حين اعتبرت دول الاتحاد الأوروبي الانتخابات غير شرعية.
وكانت عدة شركات طيران شرق أوسطية، من بينها شركة "أجنحة الشام" السورية وشركة الخطوط التركية وشركات أخرى، قد منعت الركاب من جنسيات معينة من السفر إلى مطار مينسك. ومعظم الهجرات غير الشرعية إلى أوروبا خلال العام الجاري تمت عبر بوابة بيلاروسيا، بحسب بيانات المفوضية الأوروبية، ومن دول تعاني من الحروب والأزمات مثل سورية واليمن وأفغانستان وبنغلادش.
وفي وقت تعاني فيه أوروبا من تداعيات جائحة كورونا، يقول محللون إنّ الهجرة غير الشرعية تضيف أعباءً مالية جديدة على الدول الأوروبية، كما تهدد بتعزيز الحركات الشعبوية، وبالتالي، الاستقرار السياسي في القارة العجوز.
وعلى الرغم من أنّ تهديد لوكاشينكو باستخدام سلاح الغاز الطبيعي وإشهاره في وجه أوروبا يبقى تهديداً فقط، فإنّ خبراء يعتقدون أنه سيساهم في ارتفاع سعر الغاز الطبيعي في أوروبا، في وقت تدخل فيه دولها فترة الشتاء وتعاني من النقص الحاد، كما يرفع من مخاطر استخدام الغاز سلاحاً في النزاعات الإقليمية وتحويله من أداة اقتصادية بحتة إلى سلاح فاعل في النفوذ الجيوسياسي العالمي.