استمع إلى الملخص
- **تحديات السفر والإقامة**: هويدا استأجرت وحدة في قرية سياحية، لكنها واجهت تكاليف نقل مرتفعة وأسعار طعام أعلى بنسبة 30%، بالإضافة إلى ازدحام الشواطئ.
- **تأثير الغلاء على المصايف**: ارتفاع أسعار السلع والوقود أدى لتراجع أعداد المصطافين وانخفاض مبيعات المحلات بنسبة 40%، وزيادة الشواطئ الخاصة على حساب العامة.
تسببت موجات الحرارة المرتفعة، في دفع كثير من الأسر المصرية إلى البحث عن فرصة للهرب من أجواء الصيف الساخنة، نحو المصايف، وقضاء إجازة سنوية، قبيل بداية العام الدراسي، لكن هذه الرغبة اصطدمت بالقدرات الإنفاقية المحدودة وسط موجات غلاء الأسعار المتلاحقة التي تلتهم ميزانيات معظم الأسر.
لجأت هويدا سالم إلى نقابتها المهنية، للحصول على وحدة سكنية بالمصايف المستأجرة في المحافظات الساحلية، لتعثر على غير العادة على عدة فرص بسهولة غير متوقعة هذا العام. فقد أخبرها الموظف المختص بأن حجوزات المصايف شهدت حالة من الركود خلال الموسم الحالي، متأثرة بارتفاع أسعار الإقامة بالوحدات، وتراجع قدرة أعضاء النقابة المهنية رفيعة المستوى، على تحمّل إيجارات الوحدات التي اعتادوا التعاقد عليها في الإسكندرية والساحل الشمالي على البحر المتوسط شمالي البلاد، واكتفاء بعضهم بالبحث عن بدائل بمصايف أقل شهرة وتكلفة.
بعد مراجعة لأسعار قيمة الإيجار اليومي للمصايف، استقرت سالم على تأجير وحدة في قرية سياحية، على مشارف مدينة العلمين شمالاً، تفصل بين القرى القديمة التي أنشأتها الدولة خلال فترة التسعينيات، والتي يصفها كثير من المصريين حالياً بـ"الساحل الطيب" وتلك القرى التي تروج لها الحكومة حالياً، غرب العلمين، والمعروفة شعبياً بـ"الساحل الشرير".
تشير السيدة الخمسينية لـ"العربي الجديد" إلى فرحتها بحجز رحلة لمدة أسبوع، بمتوسط 1000 جنيه يومياً، لوحدة شاطئية ذات إطلالة مباشرة على البحر، تتحمل إقامة أسرة كبيرة أو أسرتين صغيرتين. وتقول إنها فوجئت بعد دفع قيمة الرحلة، بأن السفر يجري على نفقة المصطافين، وبطريقتهم الخاصة، حيث قررت النقابة وقف السفر الجماعي إلى الشواطئ مع ارتفاع تكلفة النقل، وعدم رغبة شركات النقل بالتعاقد طويل الأمد مع المؤسسات، خشية الزيادة المتكررة التي تحدث بأسعار الوقود، والتي ارتفعت مرتين بنسبة 35% خلال أربعة أشهر فقط.
طردت هويدا مخاوفها من مشقة السفر والقيادة لمسافة 250 كيلومتراً، أملاً في قضاء إجازة سعيدة، مع أولادها بسنّ المراهقة، في منطقة هادئة، وعلى مقربة من "الساحل الشرير" الذي يسمع عنه أبناء الطبقة الوسطى، من دون القدرة على الاقتراب منه، لإدراكهم المخاطرة المالية التي تتطلب الولوج إليه.
خلال بحث السيدة المصرية عن بدائل تضمن لها توفير نفقات الإقامة، أعدت كمية من الوجبات والأطعمة المختلفة، تضمن لها عدم الحاجة إلى شراء المأكل والمشرب إلا بحدود ضيقة، وبقدر الموازنة التي قررها رب الأسرة للإجازة السنوية. أدركت حسن رؤيتها، حينما نزلت بالقرية الشاطئية، حيث وجدت نوعيات قليلة من الأطعمة، تزيد أسعارها بنحو 30% عن تلك الأسعار المرتفعة السائدة في أسواق العاصمة، رغم ذلك تلاشت آمالها في المصيف الهادئ حينما رأت مجموعات بشرية قادمة بسيارات رحلات تسع كل منها 25 شخصاً، لقضاء يوم عطلة على شاطئ الساحل الطيب.
تكرر مشهد المصطافين الغرباء عن القرية، عدة مرات، زادت حدته خلال يومي الجمعة والسبت، فأدركت عبر حوارها مع بعض النسوة على الشاطئ أنهن يأتين من الإسكندرية والمدن المحيطة بها، للنزول إلى البحر، الذي حرموا منه، في عروس البحر المتوسط، العام الماضي 2023، بعد إغلاق 17 شاطئاً من بين 43 شاطئاً، من شواطئ الإسكندرية، حتى نهاية الصيف الجاري سبتمبر/أيلول 2024، ضمن عملية واسعة استهدفت ردم أجزاء من البحر المتوسط، بطول 12 كيلومتراً، لمواجهة النحر المتزايد بساحل المدينة القديمة، وتوسعة الطريق الساحلي الواصل بين شرق الإسكندرية وغربها.
ألغت محافظة الإسكندرية تشغيل الشواطئ المجانية، لم يتبق منها سوى المحصنة بالأحجار، والمحاصرة بالأمواج والتيارات العالية، ما حرم الفقراء من فرص الإطلالة والنزول إلى مياه البحر. وتحولت سواحل الإسكندرية إلى قطع متناثرة تهيمن على كل منها، مجموعة من الأفراد أو الكيانات التي أسندت إليها المحافظة إدارة الشواطئ العامة، مقابل رسوم سنوية. وتفرض الكيانات شبه الرسمية رسوماً تبدأ من عشرة جنيهات لدخول الفرد، إلى المنطقة الرملية المطلة على البحر، وتصل إلى 150 جنيهاً، في مناطق المنتزه والمعمورة، مع إلزام الأسر بتأجير الشماسي والمقاعد، بتكلفة تصل إلى 300 جنيه للأسرة في المناطق الشعبية، تصل إلى 1500 جنيه بمصايف المعمورة وسان استيفانو والتي كان يستهدفها في السابق المنتمون إلى الطبقة الوسطى.
فضلت الأسر الإسكندرانية، متوسطة الحال، اللجوء إلى الساحل الطيب، لقضاء إجازة خاطفة، مقابل ألف جنيه لليوم، بينما حُرمت المصايف على الفقراء، داخل الإسكندرية وخارجها، بسبب الغلاء الفاحش في أسعار السلع والمعيشة والانتقالات، التي يتمكن متوسطو الدخل من توفيرها عبر الرحلات الجماعية أو خدمات النقابات المهنية والعمالية لأعضائها بالشركات والبنوك.
تحولت جلسة هويدا سالم، أثناء ممارسة أولادها اللعب في المياه وعلى الشاطئ إلى حوار مع أترابها، حول غلاء المعيشة التي حرمت الأسر المتوسطة أمثالهم من السفر إلى مرسى مطروح (شمال)، بسبب الزيادة الهائلة في أسعار الإقامة، التي ارتفعت عن 1500 جنيه يومياً للوحدة السكنية، عدا عن تكلفة السفر التي تضاعفت بالقطارات والسيارات خلال الموسم الجاري، لتصل إلى 500 جنيه للفرد بين القاهرة ومطروح و300 جنيه من الإسكندرية للمناطق المحيطة بمرسى مطروح.
عقب ذهابها إلى مركز تجاري مقام منذ سنوات، بالقرب من قرية مارينا بالعلمين، أدركت قيمة الوجبات التي حملتها معها بالسيارة، من القاهرة، حيث تضاعفت أسعار الخضروات والفاكهة، مع زيادة بأسعار كل منتجات الأجبان والخبز تقدر بنحو 30%، عن مثيلاتها داخل المدن، كان مثيراً أن تجد طبق "الكشري" الذي يعرضه أحد المحلات الشهيرة وسط القاهرة، بنحو 35 جنيهاً، ليباع على حواف الساحل الطيب، بــ70 جنيهاً، يرتفع إلى 150 جنيهاً لدى الفروع على الطريق المؤدي إلى الساحل الشرير الممتد من العملين شرقاً إلى رأس الحكمة غرباً.
لم يبقِ الغلاء سلعة إلا زادها توحشاً، بما يؤرق المصطافين، ويدفعهم إلى العدول عن قرارهم السفر إلى الساحلين الشرير والطيب، كما يقول طارق فكري أحد العاملين في مركز تجاري، على الطريق الساحلي في العلمين.
يؤكد فكري لـ"العربي الجديد" انخفاض أعداد المصطافين في المنطقة منذ العام الماضي، وزادت حدة التراجع خلال الصيف الجاري، بسبب ارتفاع أسعار السلع والوقود، مشيراً إلى رصده بوصفه مسؤولاً عن تشغيل مركزه التجاري الذي يضم سلسلة من المحلات في المسافة الممتدة بين سيدي كرير بالكيلو 40 غرب الإسكندرية إلى الضبعة على مسافة 110 كيلومترات بطريق مرسى مطروح، هبوطاً حاداً في أعداد المصطافين. يلفت فكري إلى أن الأسعار دفعت أيضاً أصحاب الشاليهات والوحدات الساحلية إلى عدم الاستقرار الدائم في أماكنهم خلال موسم الصيف، مقارنة بالسنوات الماضية، فبعضهم يأتي في نهاية الأسبوع أو الإجازات الطويلة، مصطحباً احتياجاته من القاهرة والمحافظات الأخرى، هرباً من ارتفاع التكاليف.
يؤكد أن تراجع أعداد المصطافين أدى إلى انخفاض مبيعاته بنسبة لا تقل عن 40%، مبيناً أنّ الزيادة في الأسعار تقف حائلاً دون رغبة المواطنين في الشراء وتحد من المكاسب التي تحققها الشركات والمحلات التجارية، مع ارتفاع تكلفة التشغيل والعمالة والإتاوات الرسمية التي تفرضها الدولة على جميع الوحدات والمحلات.
وفرضت السلطات على أصحاب الوحدات الشاطئية رسوماً بقيمة خمسة آلاف جنيه سنوياً، تحصل لصالح جهات حماية الشواطئ والحدود البحرية التابعة لوزارتي الدفاع والري، عدا عن الضريبة العقارية وقيمتها لا تقل عن ستة آلاف جنيه سنوياً، لكل وحدة، بـ"الساحل الطيب"، ترتفع إلى 55 ألف جنيه في "الساحل الشرير" الذي يضم منتجعات فارهة أنشأتها تحديداً شركات خليجية ومصرية استهدفت الأغنياء. ورفعت الحكومة سعر توريد المياه للوحدات الساحلية، لتحاسب بحد أدنى ستة جنيهات للمتر، بما يمثل ضعف السعر لباقي الوحدات في المحافظات، مع تحويل كل عدادات الكهرباء والمياه إلى نظام الدفع المسبق، لضمان تحصيل قيمة الخدمات مقدماً، مع رفع سعر المياه والكهرباء خلال الشهر الجاري، بنسبة تتراوح بين 20% إلى 40%.
ودفعت المطالبات المالية من الحكومة أصحاب الوحدات إلى البحث عن مستأجرين، بما أحدث وفرة هائلة في العرض، الذي تراجع بدوره بسبب تكلفة المعيشة اليومية وانهيار الجنيه وقيمة الدخل الحقيقي للمواطنين. ونَشَطت الضغوط المالية توجه الطبقة الوسطى نحو مصايف محلية أخرى، أقل شهرة، مثل رأس البر وجمصة وبلطيم، وبعضهم اتجه إلى سواحل البحر الأحمر، رغم ارتفاع الحرارة فيها، هرباً من زيادة الأسعار، فإذا بزيادة الضغوط وإلغاء الشواطئ العامة، ترفع أسعار الإقامة اليومية والشهرية، إلى مستويات قياسية، ما بين 300 إلى 700 جنيه لليلة بالوحدة، وإن ظلت أقل كثيراً من الإسكندرية والساحل الشمالي.
تشير دراسة بحثية أصدرها مركز حلول للسياسات البديلة بالجامعة الأميركية في القاهرة، إلى تراجع أعداد ومساحات الشواطئ العامة خلال الفترة 2016-2022، من 425 إلى 166 شاطئاً، بينما تزايدت أعداد الشواطئ الخاصة من 75 إلى 229 شاطئاً. يشير خبراء المركز، إلى تراجع عدد شواطئ الإسكندرية العامة من 67 إلى 13 شاطئاً، وفي مرسى مطروح من 30 إلى 11 شاطئاً، خلال نفس الفترة، مع استمرار تراجع الشواطئ العامة، التي تُنزع أراضيها بموجب قانون المنفعة العامة، وتمنح لكبار المستثمرين، من دون تعويض الأهالي عن الأراضي المنزوعة منهم وفقاً للقيمة السوقية.
تستشهد الدراسة، بمصادرة الحكومة قرية جميمة في منطقة الضبعة، التابعة لمحافظة مرسى مطروح، لصالح مشروع "ساوث ميد" الذي أطلقته مجموعة طلعت مصطفى العقارية مؤخراً بالشراكة مع الصندوق السيادي الإماراتي، مقابل صرف 2500 جنيه للمتر عن أراض مقام عليها تجمعات سكنية وثلاث مدارس ومرافق صحية ومزارع، بينما تسعرها المجموعة العقارية بنحو 181 ألف جنيه للمتر، لمشروع سيقام على مساحة 23 مليون متر مربع. تحذر الدراسة، من تعرض 70% من مساحات الشواطئ الرملية الشمالية إلى مستويات عالية من النحر، بما يسرع من فقد مساحات الشواطئ المتبقية للفقراء والطبقة الوسطى، المتشوقة إلى قضاء إجازة صيفية، بعيداً عن المدن الخانقة.