تبدو الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الغربية حذرة في فرض عقوبات قاسية على روسيا حتى الآن، على غرار ما فعلته واشنطن مع إيران عقب انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي، الذي استهدف تصفير صادرات النفط على حد وصفه حينها، كذلك اتخذت أميركا إجراءات لخنق عائدات النفط في فنزويلا.
فقد تركزت العقوبات التي أعلنتها واشنطن وعواصم أوروبية عدة، منذ أمس الثلاثاء، على حظر التعامل مع بضعة بنوك روسية وعدد من المسؤولين الحكومين ورجال أعمال، فضلاً عن تعليق ألمانيا التصديق على تشغيل مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي من روسيا "نورد ستريم 2" الذي يصل الغاز الروسي إليها عبر بحر البلطيق، وذلك رداً على اعتراف موسكو، يوم الاثنين، بمنطقتي دونيتسك ولوغانسك جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا وإرسالها قوات إلى هناك.
ويقول محللون إن الدول الغربية تحاول تجنب ضرب صادرات النفط والغاز الروسية، بسبب التأثير المحتمل، ليس فقط بأسواق الطاقة العالمية، وخاصة في أوروبا، التي تعاني بالفعل من ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، بل أيضاً بشركات عملاقة من أصول أميركية وأوروبية تعمل في روسيا.
وتنتج روسيا نحو 10% من إمدادات النفط العالمية، وتمد أوروبا بنحو 40% من احتياجاتها من الغاز. وقد تخلق العقوبات صعوبات لشركات النفط الغربية التي لها مصالح في روسيا، وفق تقرير لصحيفة نيو يورك تايمز، اليوم الأربعاء.
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن قائمة هذه الأصول واسعة النطاق، إذ تمتلك "شل"، أكبر شركة نفط في أوروبا، حصة في مشروع للغاز الطبيعي المسال في جزيرة سخالين قبالة شرقيّ روسيا، كذلك إن إكسون موبيل الأميركية شريك في منشأة نفطية في ذات المنطقة.
والعملاق الفرنسي توتال إنرجي، يشارك في عملية الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي الروسي. وتمتلك كذلك شركة بريتش بتروليوم ما يقرب من 20% من حصة شركة روسنفت الروسية الوطنية.
وكتبت هيليما كروفت، المحللة في "أر بي إس كابيتال ماركتس"، وهو بنك استثماري، في مذكرة للعملاء: "قد تجعل بعض العقوبات المالية قيد الدراسة في واشنطن من الصعب على مثل هذه الشركات الاستمرار في العمل في روسيا".
كذلك في حالة حدوث انقطاع في إمدادات الطاقة، من المرجح أن تفكر الولايات المتحدة والعديد من الدول الصناعية الأخرى في تحرير ملايين البراميل من النفط من احتياطياتها الاستراتيجية في محاولة لتعويض أي نقص.
وفي هذه الأثناء يشعر المستهلكون في الولايات المتحدة بالفعل بالألم من ارتفاع الأسعار، إلى جانب نظرائهم في أوروبا. ما يدفع الإدارة الأميركية إلى تعليق الضرائب الفيدرالية على البنزين لكبح الأسعار على الأقل لفترة قصيرة.
وفي تقرير منفصل بعنوان "كيف يستجيب الأوروبيون لفواتير الغاز والطاقة الباهظة؟" أشارت نيويورك تايمز إلى أن أسعار الطاقة المرتفعة في أوروبا قلبت حياة الناس رأساً على عقب، إذ يركّب البعض الألواح الشمسية، ويؤجّج آخرون مواقد الحطب الخاصة بهم.
ولطالما دفع الأوروبيون بعضاً من أعلى أسعار الطاقة في العالم، لكن لا أحد يستطيع أن يتذكر شتاءً مثل هذا الشتاء. تنقلب الحياة وسبل العيش في جميع أنحاء القارة بسبب سلسلة من العوامل، بما في ذلك نقص الإمدادات الناجم عن الوباء والتوترات الجيوسياسية التي تدفع بعض أسعار الطاقة إلى الارتفاع خمسة أضعاف.
قالت ستيفاني سيغيرت، التي تقدم الاستشارات للمستهلكين في ولاية ساكسونيا بشرق ألمانيا: "الناس مستاؤون للغاية ومنزعجون للغاية"، مشيرة إلى أن المستهلكين يجدون أنفسهم يكافحون لدفع فواتير الغاز والكهرباء.
ولم تشهد ألمانيا حتى الآن احتجاجات على فواتير الطاقة الباهظة مثل تلك التي ملأت الشوارع في إسبانيا العام الماضي، أو احتجاجاً شديداً على عدم المساواة على مستوى ما يُسمى حركة السترات الصفراء التي هزت فرنسا في عام 2018.
لكن سيغيرت، التي قدمت نصائح عبر المؤسسة التي تعمل فيها إلى أكثر من 300 عميل في يناير/كانون الثاني الماضي، قالت إنها لن تتفاجأ باحتمال حدوث غضب بسبب أسعار الطاقة، مضيفة: "عندما تتحدث مع الناس، تشعر بغضبهم. إنه أمر محبط للغاية".
وفي الأشهر الأخيرة، تراجعت تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا بشكل حاد، مع تعويض الكثير من النقص من طريق شحنات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وأماكن أخرى، لكن هذا الخيار لا يراه محللون حلاً دائماً.