خلال السنوات الأخيرة زادت حدة الكراهية بين الأنظمة العربية وطبقة العمال الذين يمثلون النسبة الأكبر من عدد السكان، ومعها بعدت المسافات والمواقف وحالات التفاهم بين الطرفين، خاصة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي في نهاية العام 2010 ومشاركة طبقة العمال بفاعلية فيها أعطتها زخماً وقوة.
فإضرابات العمال في مدينة المحلة الكبرى بدلتا النيل حيث توجد كبرى مصانع الغزل والنسيج في مصر كانت الإرهاصات الأولى للاحتجاجات الأوسع التي أسقطت حسني مبارك في شهر فبراير/ شباط 2011، وكانت احتجاجات العمال الشرارة التي انطلقت منها ثورة 25 يناير، وخرجت حركة 6 إبريل من رحم إضراب المحلة في 6 إبريل/ نيسان 2008. ولعبت الحركة دورا كبيرا في الثورة المصرية التي أطاحت نظام ظل 30 عاما في سدة الحكم.
ولعب الاتحاد التونسي للشغل دورا مهما في نجاح ثورة الياسمين وإسقاط نظام زين العابدين بن علي، وخلال السنوات الماضية بات الاتحاد أقوى حزب سياسي في تونس، ولاعبا رئيسيا في حل الأزمات بين الفرقاء السياسيين، ومدافعاً شرساً عن حقوق العمال، ومؤخرا قاد إضرابات ضد حكومة يوسف الشاهد أرغمتها على التراجع عن الاتفاقات المبرمة مع صندوق النقد الدولي بخصوص خفض الرواتب وبيع الشركات الحكومية.
وشارك العمال في كل ثورات الربيع العربي بعد أن أدركوا أن السلطات الفاسدة تتلاعب بهم وتستغلهم أبشع استغلال في الانتخابات والمعارك السياسية، وأن هذه السلطات لن تمنحهم حقوقهم المسلوبة، أو تساهم في تحسين مستواهم المعيشي، وأنها تلقي بهم في الشارع عبر تطبيق برامج الخصخصة وإغلاق المصانع وسيطرة الأجانب على أدوات الإنتاج، وأنه إذا ما أستمر هؤلاء الحكام في السلطة فإن مزيدا من المتاعب الاقتصادية في انتظارهم، وأنها ستلاحقهم بمزيد من الضرائب وخفض العلاوات والحوافز وتسريحهم عبر المعاش المبكر أو بيع الشركات التي يعملون بها.
ومع نجاح الثورات العربية حقق العمال العرب مكاسب خاصة على مستوى تحسن الأجور وتثبيت العمالة المؤقتة وإقرار قوانين تحفظ حقوقهم مثل التقاعد والمعاشات وتدعم عملية التفاوض مع الإدارة وأصحاب رؤوس الأموال وتتيح لهم تنظيم إضرابات واحتجاجات دون الوقوع تحت طائلة القوانين الاستثنائية.
لكن مع تراجع الموجة الأولى لثورات الربيع العربي زادت سطوة الحكام على طبقة العمال وتضييق الخناق عليهم، عبر تطبيق خطط تقشفية حادة بتعليمات من صندوق النقد الدولي، تعليمات أصابت أول ما أصابت العمال والطبقة الوسطى الشريحة الأكبر في المجتمع، كما توسعت الحكومات في فرض الضرائب والرسوم وزيادة الأسعار وخفض قيمة العملات المحلية ومعها القوة الشرائية، وخفض الدعم الحكومي المقدم لسلع رئيسية منها الكهرباء والمياه والوقود، بل وتهدد العمال بخفض الرواتب بعد تجميدها لسنوات، والأخطر خفض عدد موظفي الجهاز الإداري بالدولة.
العمال العرب يحتفلون غدا الأربعاء بعيدهم السنوي وسط ظروف معيشية اقتصادية بالغة القساوة وضائقة مالية، وارتفاعات قياسية في أسعار السلع والخدمات، كما القبضة الأمنية تلاحقهم في مقار عملهم وسكنهم، يصاحبها تهديد مستمر بالسجن والاعتقال وتطبيق قانون حظر التظاهر بل والإرهاب وتحويلهم لمحاكم استثنائية.
يحدث هذا مع العمال الذين يمثلون أدوات الإنتاج الرئيسية في أي مجتمع، والعمود الذي تتكأ عليه الحكومات في تحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة الصادرات والحد من الواردات وتخفيف الضغط على النقد الأجنبي، والأهم المساعدة في استقلالية القرار الاقتصادي، وعدم خضوعه لاشتراطات الدائنين وفي المقدمة صندوق النقد والبنك الدوليين.