تضرب المنطقة العربية وضمنها لبنان موجة حرّ غير مسبوقة مصحوبة بمستويات رطوبة قياسية تطاول حياة اللبنانيين وتؤثر بشكل كبير على مختلف جوانب القطاعات الاجتماعية والاقتصادية.
وسجل لبنان منذ أيام ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة، يتجاوز المعدلات الطبيعية، ليلامس الـ41 درجة في الداخل مع نسبة رطوبة مرتفعة في المناطق الساحلية، ما من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الإجهاد الحراري أثناء العمل، وإضرار بالإنتاجية، ويفتح الباب للسؤال عن أحوال العمّال الصحية، وما إذا كانت القوانين توفّر لهم الحماية الكافية من موجة الطقس الحارّ.
في السياق، يقول مصدرٌ في وزارة العمل اللبنانية، لـ"العربي الجديد"، إن "قانون العمل اللبناني لا يتطرّق إلى الموضوع المناخي على وجه التحديد، ولا سيما أن طقس لبنان معتدل، وموجات الحرّ الشديدة تكون استثنائية، ولفترة قصيرة، ليس كدول عربية، وخليجية، لكنه يذكر موجبات على رب العمل التقيّد بها من ناحية تأمين وقاية العمال وسلامتهم، وأن يسهر على توفير ما يلزم من شروط السلامة والصحة".
ويلفت المصدر إلى أن "نطلب طبعاً من كافة المؤسسات اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة الاحترازية في هذه الفترة، لتمكين العامل من العمل ضمن بيئة سليمة وبظروف صحية مناسبة، وتوفير المياه طبعاً للعاملين، وتشغيل المكيفات، ومنحهم بعض فترات الراحة، خصوصاً للذين يعملون ضمن أماكن عمل مفتوحة، وتحت أشعة الشمس الحارّة".
ويشير المصدر إلى أن "المؤسسات والإدارات العامة الرسمية طبعاً تعاني من مشكلة الكهرباء، الأمر الذي يؤثر على التكييف، وينسحب على الموظفين وينعكس سلباً على أدائهم، ولكن نقوم بكل ما يلزم لتأمين التيار الكهربائي، علماً أن هذه ليست مسؤوليتنا".
في السياق، يقول المحامي والباحث القانوني في "المفكرة القانونية"، كريم نمّور لـ"العربي الجديد"، إن قانون العمل اللبناني لا يتوقف بشكل خاص عند مسألة موجات الطقس الحار، وخطر الإجهاد الحراري، لكنه يتضمن مواد قانونية تتطرق إلى موجب صاحب العمل تأمين بيئة سليمة للعمال، وتوصي بإرشادات السلامة والصحة في مكان العمل، وتتطرق إلى حوادث العمل والأمراض المهنية، وبالتالي، يمكن مقاربة الموضوع من هذه الزاوية، علماً أن كل عمل يختلف تبعاً لطبيعته وظروفه، وما إذا كان الموقع مفتوحاً وفي الفضاء العام، أو داخل مؤسسة وشركة أو معمل.
تبعاً لذلك، يرى نمّور أن هناك موجبات على صاحب العمل التقيّد بها بالحدّ الأدنى لحماية العاملين من موجات الحرّ، مثل تشغيل المكيفات داخل المؤسسات والشركات، توفير مياه الشرب في مكان العمل بشكل مجانيّ، أما إذا كان العمل يتطلب تنقلات في الخارج، أو يستوجب البقاء لفترة طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، فإنه على صاحب العمل توفير فترات راحة لشرب المياه خصوصاً في ساعات الذروة، ومناطق باردة للجلوس بها، أو غير عرضة للشمس ومظللة، حتى تأمين كريمات للوقاية من أشعة الشمس التي لا يمكن إغفال أو إهمال أضرارها ولا سيما اتصالها بأمراض مزمنة مثل سرطان الجلد.
انطلاقاً من ذلك، يربط أيضاً نمّور هذه التداعيات بالأمراض المهنية التي نصّ عليها القانون، وللاستناد إليها في طلب التعويضات، فحتى لو لم يأتِ النص القانوني على ذكر مواد محددة بالطقس الحار، لكن على سبيل المثال، فإن إصابة العامل بسرطان الجلد نتيجة تعرّضه لأشعة الشمس بشكل متواصل من دون أن يؤمن له صاحب العمل الوقاية المطلوبة، فإن هذا يمكن إدخاله في إطار الأمراض التي تتصل بالمهنة، والتي يتحمّل قسم من اعبائها صاحب العمل، كونه لم يؤمن بيئة سليمة للعامل، وهنا بهذه الحالة يمكن الركن إلى الاجتهاد والمواثيق الدولية.
في المقابل، يلفت نمّور إلى أن مسألة التعويضات اختلفت ربطاً بالأزمة الاقتصادية، ودخلت مرحلة أخرى ما بعد انهيار قيمة العملة الوطنية، من هنا ضرورة إعادة النظر بسلّم الغرامات، وتسهيل الوصول للعدالة الذي بات مساره صعب جداً في هذه المرحلة سواء لناحية أوضاع المرفق القضائي والإضرابات التي تطاوله، أو ارتفاع تكاليف توكيل محامٍ، ما يحول دون مطالبة العامل بحقوقه، وهذه عوائق أساسية لا يمكن غضّ النظر عنها ومن شأنها أن تحرم العامل من التعويضات التي هي حقّ له.
من جانبه، يقول الخبير والصحافي المتخصّص في قضايا العمل والنقابات، أسعد سمّور، لـ"العربي الجديد"، إن قانون العمل اللبناني يتطرق إلى السلامة والوقاية المهنية بشكل عام، والشروط المرتبطة بأماكن العمل، لناحية التهوية، والتبريد، وتأمين المياه، كما يتضمن إجراءات وقائية مرتبطة بمواقع العمل المفتوحة، والمصانع والمعامل.
ويضيف سمّور: هناك توجيهات ترتبط بالمؤسسة نفسها التي عليها أن تضعها وتلتزم بها، خصوصاً مواقع العمل المفتوحة، التي عليها أن توفر للعمال المياه، وفترات راحة وأماكن مظللة، وهناك ملابس أيضاً مطلوبة لمن يعمل تحت أشعة الشمس، تكون ذات ألوان فاتحة وفضفاضة لتتيح نفاذ الهواء خلالها، مثل الملابس القطنية.
من هنا يقول سمّور إن القانون اللبناني لا يزال بدائياً لناحية المواد القانونية التي تركز فقط على الأساسيات.
وفي وقتٍ يشير سمّور إلى أن الوضع في لبنان يختلف عن دول عربية وخليجية أخرى، باعتبار أن موجات الحرّ تأتي على فترات محددة واستثنائية، إلا أن ذلك لا يمنع قيام وزارة العمل والنقابات بدورها الرقابي.