- الأشهر الأخيرة شهدت افتتاح مطاعم ومولات جديدة، وانتعاش في قطاع السوبرماركت، مع تفضيل المستثمرين للسوق المحلي وتوقعات بحركة سياحية واسعة في صيف 2024.
- الإيجارات التجارية تشهد حركة نشطة، خصوصًا في قطاعات المطاعم والمقاهي، مع هيمنة الاستثمارات المحلية وتحذيرات من احتمالية ركود جديد إذا لم تتحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
لا يزال اللبنانيون يجدون في بلدهم أرضاً خصبة لتنفيذ المشاريع والاستثمارات الاقتصادية المُربحة ولا سيما في القطاع السياحي على الرغم من الأزمات التي مرّت بها البلاد، بدءاً بالانهيار النقدي المالي عام 2019، مروراً بانفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020، وصولاً إلى المعارك الدائرة على الحدود مع فلسطين المحتلة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والخشية المستمرّة من عدوانٍ إسرائيلي واسع.
وفي وقتٍ صنّف البنك الدولي أزمة لبنان واحدة من أشد عشر أزمات، وربما أشدّ ثلاث أزمات في العالم منذ خمسينيات القرن التاسع عشر، واعتبر أنّ الاقتصاد اللبناني لا يزال في حالة تراجعٍ حادٍّ، وهو بعيدٌ كل البعد عن مساري الاستقرار والتعافي، بيد أنّ عودة العلامات التجارية والماركات والاستثمارات في المؤسسات السياحية، بشكل قوي إلى الساحة، بما يشكل ظاهرة في الفترة الأخيرة، تطرح تساؤلات حول سبب هذه "الفورة" خصوصاً في ظل غياب الاستقرار السياسي والأمني.
حركة لافتة في المطاعم والمولات
سُجّلت في الأشهر الماضية حركة لافتة أولاً على صعيد المطاعم، خصوصاً في بيروت، وشمالي العاصمة، سواء مع افتتاح مطاعم جديدة، قرّرت دخول عالم المنافسة، أو إقدام أصحاب بعض المطاعم على فتح فروع جديدة، توسّعية، أو لناحية قرار قسم لافت من المطاعم العودة إلى السوق بعدما أقفلت أبوابها إما ربطاً بالأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد أواخر عام 2019، أو بسبب انفجار مرفأ بيروت المشؤوم.
ولا تقتصر الحركة على المطاعم فقط، إنما لوحِظت عودة المولات أو المجمّعات التجارية إلى "الحياة" بعدما حوّلها الانهيار المالي إلى مرتع "شبحٍ" خالٍ من المحال التجارية سيما العالمية، إذ امتلأت الصالات من جديد، بالعلامات والماركات، في مشهد ينطبق كذلك على كبار محلات السوبرماركت التي تعيش انتعاشاً لافتاً وتعمد إلى التوسّع بفروع جديدة على مستوى الأراضي اللبنانية.
في الإطار، يقول مصدر في وزارة السياحة اللبنانية لـ"العربي الجديد"، إنّ "لبنان رغم كل العواصف لا يموت، ويبقى قلبه نابضا، بسبب تمسّك أبنائه بالعيش وإيمانهم المستمرّ بوطنهم"، لافتاً إلى أنّ "الاستثمارات الملحوظة مؤخراً تعود بالدرجة الأولى إلى تفضيل المستثمرين تشغيل أموالهم في السوق في ظلّ الأزمة المستمرة على صعيد القطاع المصرفي، ويعولون على المواسم السياحية التي تنعش الاقتصاد ويختارون تبعاً لذلك وجهة المطاعم بالدرجة الأولى، رغم أن الصورة تغيب عنها الاستثمارات الخارجية خصوصاً العربية والخليجية، التي نتمنى عودتها على غرار أيام الازدهار".
ويشير المصدرـ الذي رفض ذكر اسمه، إلى أنّ "أكثرية المشاريع الجديدة خصوصاً على صعيد المطاعم اختارت وسط بيروت ومحيطها موقعاً مناسباً جاذباً لها، وهناك أكثر من 40 مطعما افتتحت مؤخراً فقط في العاصمة، وأخرى تستعد لافتتاح أبوابها معوّلة على صيف 2024 رغم دقة الوضع الأمني والحرب الدائرة في الجنوب واحتمال توسّعها لبنانياً".
إبعاد الأموال عن المصارف
في السياق، يقول رئيس جمعية تراخيص الامتياز في لبنان "الفرانشايز"، يحيى قصعة لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحركة الأهم تُسجّل في بيروت، علماً أنّ الناس ترى ما يحصل وكأنه فقّاعة أكبر".
ويشير قصعة إلى أنّه "بعد انفجار مرفأ بيروت، خرج من السوق اللبناني حوالي 50 في المائة من الماركات، ما أحدث فراغاً وزاد الضغط على الماركات أو العلامات التجارية للصمود والبقاء، سواء مطاعم أو في قطاع الموضة والخدمات وغير ذلك، من دون أن ننسى أن اقتصاد لبنان يبقى حراً، ويعتمد على العرض والطلب، وبالتالي، عندما زاد الطلب على الماركات في الفترة الماضية، فُتحت قابلية الماركات الأخرى للمحاولة من جديد والدخول إلى السوق، ما أدى إلى حصول حركة منها على صعيد المطاعم التي افتتح عدد لافت منها مؤخراً لا سيما في الوسط التجاري في بيروت وصولاً إلى الأشرفية".
ويلفت قصعة إلى أنّ "اللبناني بطبعه يحب الحياة، ولا يستسلم أو ييأس ويسعى دائماً إلى تكرار المحاولة، وفي ظلّ الأزمة الحاصلة على صعيد القطاع المصرفي يفضل تشغيل أمواله باستثمارات ومشاريع يرى أنها ستنعكس ايجاباً ومنفعة عليه، علماً أنّ المشكلة اليوم تكمن في أن كمية الماركات التي تدخل السوق تفوق الطلب عليها، ما من شأنه أن يكون له ارتدادات سلبية في الفترة المقبلة، خصوصاً إذا لم يأت الموسم السياحي واعداً وعجزنا عن جذب الحركة الأجنبية من زبائن للماركات والمطاعم والموضة وغيرها من القطاعات".
ويشير قصعة إلى أن "أكثرية الاستثمارات في لبنان هي محلية، وهناك غياب شبه تام يصل إلى حدود 90 في المائة للاستثمارات العربية أو الأجنبية، من هنا جاءت أهمية عودة الاستقرار وخلق بيئة عمل ثابتة والاعتماد على رؤية واضحة لتجنّب أي انعكاسات سلبية مستقبلاً، على أمل أن يشهد لبنان هذا الصيف حركة واسعة خصوصاً على صعيد الوافدين والسياح لتنشيط السياحة والاقتصاد".
حركة بالإيجارات التجارية
بدوره، يقول نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين، وليد موسى لـ"العربي الجديد"، "بينما نلاحظ جمودا كبيرا بما يختصّ القطاع العقاري السكني، في ظلّ عدم منح قروض مصرفية، وتراجع القدرة الشرائية وإمكانات المواطنين، نجد في المقابل حركة على صعيد الإيجارات التجارية، في قطاعات عدّة، منها المطاعم، والمقاهي، مستودعات التخزين، وقطاع التجزئة وغيرها من المشاريع التي يجد فيها اللبناني استثماراً مناسباً لتشغيل أمواله في ظلّ انعدام ثقته بالمصارف، وعدم قدرة البعض على تحويل أموالهم للخارج"، مؤكداً في الإطار، أنّ "أكثرية المستثمرين من اللبنانيين".
ويشير موسى إلى أنّ "هناك فورة على صعيد المطاعم والمؤسسات السياحية، في جميع المناطق اللبنانية، خصوصاً وسط بيروت، حيث الازدهار لافت، وهناك نقاط ومواقع لم تكن تُستأجر حتى قبل الأزمة التي ضربت البلاد عام 2019 وأصبحت اليوم مستأجرة بالكامل، علماً أنّ أسعار الإيجارات ارتفعت كثيراً وتخطّت ما كانت عليه عندما كان سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة لبنانية".
ويلفت موسى إلى أنّ "الهجمة لا تقتصر على المطاعم فقط، بل كذلك على صعيد القطاع التجاري، خصوصاً ما يُعرف بالـ"أوتليتس"، فالطلب كبير على هذه المحال، وأصبح انتشارها على جميع الأراضي اللبنانية، باعتبار أن القدرة الشرائية تراجعت عند المواطنين، كذلك الطلب ارتفع على ايجارات مستودعات التخزين، وبات هناك أيضاً توسّع في قطاع التجزئة والسوبرماركت تتوسّع بدورها لبنانياً".
كذلك، يشير موسى إلى أن "المولات استعادت عافيتها، وهناك مولات يُعاد إحياؤها، وهناك محال تجارية ربطاً بماركات عالمية كانت أقفلت أبوابها مطلع الأزمة الاقتصادية في المجمعات التجارية، لكنها عادت اليوم وملأت الصالات".
من ناحية ثانية، يعتبر موسى أنّ "أسباب هذه الظاهرة، إضافة إلى استثمار وتشغيل الأموال، هناك أشخاص كثر لم يعد علييهم ديون وسندات شهرية، إذ جرى تسديدها كلها خلال الأزمة، وعلى سعر صرف 1500 ليرة، وبالتالي هناك أموال في أيدي الناس، قسم يُترك في المنزل، وآخر يتم تشغيله، كما أنّ "دولرة" السوق في الفترة الماضية جعلت الناس تتأقلم وتتعامل على هذا الأساس، من هنا نرى كيف أنّ جميع القطاعات والعمّال باتوا يتعاطون بالدولار وبالتسعيرات المتداولة في السوق، حتى الرواتب بدأت تستعيد عافيتها، خصوصاً في القطاع السياحي".
في المقابل، يلفت نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين إلى أنّ الضرائب التي تفرضها الدولة اللبنانية بشكل مرتفع وعشوائي من شأنها أن تخلق تداعيات سلبية سنرى صداها مستقبلاً، معتبراً أنّ أسعار الإيجارات يجب أن تهدأ، ويقف مسار ارتفاعها وإلا فمن شأن ذلك أن يخلق رد فعل سلبيا، ويوقف الطلب عليها.
تعويل على فصل الصيف
في الإطار، يقول صاحب ملهى ومطعم "لابريم" في منطقة جونية، شمالي بيروت، غابي خوري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "من "أبرز عوامل الاستثمار في القطاع السياحي، ومن ضمنه، المقاهي والملاهي والمطاعم، انعدام الثقة بالمصارف، حيث إنّ الأشخاص الذين لديهن رأس مال، ويريدون تشغيله، أصبحوا يتّجهون إلى هذه المشاريع التي تعود عليهم بالكاش اليومي، بعدما كانوا سابقاً يضعون أموالهم في المصارف بمحاولة الاستفادة من الخدمات المصرفية التي تُقدَّم للعملاء".
ويشير خوري إلى أنّ "هناك أعداداً كبيرة من المطاعم والملاهي التي تفتح في المناطق اللبنانية، وأكثرية المستثمرين لبنانيون، قد يكون هناك بعض العراقيين لكن الغلبة محلية، وكذلك الرواد هم من اللبنانيين"، لافتاً إلى أنّ "الحركة رغم فورة المطاعم ليست كبيرة، خصوصاً في أيام الأسبوع، ويبقى التعويل على فصل الصيف، والقيام بواجبنا خصوصاً في ظلّ المنافسة على صعيد السوق، لكن هناك خشية أيضاً من انفلات الوضع الأمني، الذي سيكون بمثابة ضربة كبيرة للقطاع".
في المقابل، يلفت خوري إلى أنّ "هذه الفورة لن تدوم، وسنكون مقبلين على ركود جديد في القطاع ولا سيما في ظل غلاء الإيجارات خاصة على الشواطئ، والأملاك البحرية، والتي أصبحت أضعاف ما كانت عليه في زمن سعر الصرف القديم الرسمي، لذلك، قد نصل إلى مكان نتلقى فيه ضربة موجعة".
من ناحية ثانية، يلفت خوري إلى أنّ "رواتب العاملين في قطاع المطاعم عادت بنسبة 70 إلى 80 في المائة لما كانت عليه قبل الأزمة، وتسعيرات المطاعم تختلف بين مطعم وآخر لكنها لا تزال أقلّ بعض الشيء مما كانت عليه قبيل عام 2019، بينما نوادي السهر أصبحت أسعارها أكثر ارتفاعاً باعتبار أنّ الفنانين رفعوا أسعارهم بشكل كبير، فمن كان يطلب 6 إلى 8 آلاف دولار، أصبح اليوم يطالب بـ15 إلى 20 ألفا، أما ما يُعرف بالكلاس A فهؤلاء لا يقبلون بأقل من 50 إلى 100 ألف دولار".