بينما تتجه لجنة المصداقية بالأمم المتحدة إلى منح مقعد أفغانستان لحكومة طالبان خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بل وأعلنت طالبان تسمية سهيل شاهين للمنصب، بدأت دول الجوار تضع في حساباتها احتمال الاعتراف الدولي بحكومة طالبان، وربما فتح صفحة جديدة في العلاقات بين واشنطن وكابول، خاصة أن لجنة المصداقية بالأمم، حسب قوانين المنظمة الأممية، تتشكل عادة من 9 دول تعينها الجمعية العمومية باقتراح من الأمين العام، وعادة تتشكل بموافقة أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
من بين المؤشرات الإيجابية الأخرى لاحتمال الاعتراف الدولي بشرعية طالبان إشارة مارتن غريفيث منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، إلى عودة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى تقديم المساعدات المالية إلى أفغانستان.
وذكر غريفيث في مناشدة لمجموعة العشرين في روما، يوم الجمعة أنه يجب تقديم المزيد من المساعدات لتلافي حدوث كارثة إنسانية في أفغانستان. وأشار إلى أنّ الاتحاد الأوروبي حوّل بالفعل نحو 100 مليون يورو للعمل الإنساني، فيما خصصت الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي أكثر من 144 مليون دولار كمساعدات إنسانية، ما رفع إجمالي مساعدات واشنطن لأفغانستان واللاجئين إلى قرابة 474 مليون دولار عام 2021.
وبالتالي هنالك مؤشرات متزايدة على أن واشنطن ربما لن تعارض اعتراف الدول الغربية بحكم طالبان لأفغانستان.
لكن في المقابل كيف تنظر دول الجوار لمستقبل "أفغانستان مستقرة" في حال الاعتراف بحكومة طالبان؟
على صعيد المصالح الاقتصادية يرى المعهد الأميركي للسلام، وهو معهد دراسات في واشنطن، أن الاستقرار في أفغانستان سيكون مفيدا جداً لباكستان لأنه سيفتح مجال التجارة والاستثمار لشركاتها ومنتجاتها عبر أفغانستان مع دول آسيا الوسطى. كما أنه سينشط الاقتصاد الباكستاني عبر التجارة الحدودية مع أفغانستان.
وفي حال الاعتراف الدولي بشرعية طالبان في الحكم، فإن المساعدات الدولية ستتدفق على أفغانستان، وهو ما يعني أنها ستتمكن من شراء احتياجاتها الغذائية الضخمة من باكستان، وسيزيد ذلك من تدفق الدولارات على أسواقها، وبالتالي دعم العملة الوطنية.
ويرى خبراء أن الاعتراف بشرعية طالبان في الحكم سيدعم العلاقات الباكستانية الأميركية، لأن واشنطن لا ترغب في التعامل المباشرمع طالبان وإنما عبر قنوات عبر باكستان.
لدى الولايات مشروع تجاري واقتصادي لتطوير وربط دول آسيا الوسطى عبر أفغانستان مع دول جنوب آسيا، وتحديداً الهند وباكستان
في هذا الشأن، يلاحظ أن الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة دفء العلاقات مع باكستان حتى تكون حلقة الوصل بينها وبين طالبان. وكانت نائبة وزيرة الخارجية الأميركية، ويندي شيرمان، قد زارت باكستان ليومين خلال شهر أكتوبر / تشرين الأول الماضي. وحسب "راديو صوت أميركا" فإن الزيارة تناولت بناء "حوار إيجابي" جديد بين إسلام أباد وواشنطن.
وفي ذات الصدد، قال مستشار بالأمن القومي الباكستاني لـ"صوت أميركا"، إن زيارة المسؤولة الأميركية ناقشت "الحوار البناء" لتخطي عدم الثقة الذي ساد بين البلدين. كما طرحت إدارة بايدن مشروع قانون في الكونغرس لإعادة تقييم الدعم المالي الأميركي لأفغانستان.
ومن المتوقع أن يمنح الكونغرس الضوء الأخضر لبدء تدفق المساعدات الأميركية على باكستان خلال الشهور المقبلة.
وبالتالي من المتوقع أن تجني باكستان، التي تعاني من أزمة مالية حادة، ثمار الاعتراف الدولي بحكم طالبان، وربما تتمثل هذه الثمار في المساعدات الأميركية المباشرة والتسهيلات المالية غير المباشرة التي يقدمها صندوق النقد والبنك الدوليان، وربما عودة الاستثمار الأميركي الذي توقف في السنوات الأخيرة إلى باكستان.
على صعيد الهند التي باتت ترتبط بتحالف استراتيجي مع واشنطن، فإنها تبدو قلقة من احتمال اعتراف دولي بحكومة طالبان، لأنها تتخوف من تأثير الحركة على المجتمع المسلم الهندي والحركات التي تقاوم سياسات حكومة ناريندرا مودي المضطهدة للمسلمين، كما أنها تتخوف كذلك على مصالحها الاستثمارية في أفغانستان ودول آسيا الوسطى.
وكانت الحكومة الهندية قد راهنت خلال السنوات الماضية على استمرارية أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي خارج نفوذ حركة طالبان، وكانت تامل توسيع مشاريعها التجارية والاستثمارية في أفغانستان ودول آسيا الوسطى.
وحسب ورقة بحثية أعدتها مؤسسة "كارنيغي إنداومنت" الأميركية للدراسات، فقد استثمرت الحكومة الهندية نحو 3 مليارات دولار في أفغانستان قبل استيلاء حركة طالبان على الحكم، كما كانت تخطط شركاتها للاستفادة من مشاريع عقود البنية التحتية الضخمة في أفغانستان وربما كذلك الاستثمار في قطاع استخراج المعادن بعد انسحاب القوات الأميركية.
في هذا الصدد يقول الخبير في شؤون جنوب آسيا بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، داؤود عزمي، إن مستقبل الاستثمارات الهندية في أفغانستان يواجه مخاطر كبيرة في أعقاب استيلاء طالبان على الحكم.
ويرى الخبير عزمي أن "الهند كانت من كبار مقدمي المساعدات لأفغانستان، والتي شملت المساعدات المالية المباشرة وإنشاء مشروعات البنية التحتية مثل الطرق والخزانات وتقديم المنح الدراسية للطلاب".
ولدى الهند خطة للتعاون التجاري مع إيران وحكومة أشرف غني للتجارة والاستثمار عبر أفغانستان إلى دول آسيا الوسطى، ومشاريع تجارية لربط أفغانستان تجارياً مع بحر العرب عبر ميناء "تشابهار" الواقع على المحيط الهندي.
وهذه الخطة التي أعلنت عنها كل من طهران ونيودلهي في العام الماضي تستهدف تحويل ميناء " تشابهار" على بحر العرب إلى مركز لوجستي لأفغانستان، لربط أفغانستان وآسيا الوسطى بالمياه الدولية على المحيط الهندي.
وتمثل أفغانستان حلقة الربط الأقصر بين أسواق آسيا الوسطى وباكستان والهند ومنطقة الشرق الأوسط.
كما أن الخطة الهندية الإيرانية تتناول كذلك إنشاء منطقة تجارة حرة في "تشابهار"، لما سيمتلكه الميناء من بنية تحتية قوية تتلاءم مع الأنشطة الاقتصادية والتجارية في منطقة جنوب آسيا وآسيا الوسطى.
من المتوقع أن تجني باكستان، التي تعاني من أزمة مالية حادة، ثمار الاعتراف الدولي بحكم طالبان
وكانت الهند اتفقت مع إيران على توقيع اتفاق ثلاثي مع حكومة أشرف غني لبناء خطوط سكك حديدية بين "ميناء تشابهار" وكابول ودول آسيا الوسطى، وبالتالي فإن الهند ربما ستكون من بين كبار الخاسرين من عودة طالبان للحكم.
على صعيد دول آسيا الوسطى، فإنها تبدو من كبار المستفيدين من الاعتراف الدولي بحكومة طالبان، من الناحية التجارية وتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة في المستقبل. ويرى محللون أن لدى الولايات المتحدة بعد الانسحاب من أفغانستان، استراتيجية مبنية مسبقاً على عدم ترك فراغ "النفوذ السياسي" في فضاء آسيا الوسطى لروسيا والصين.
وحسب الخطة التي أعلنت عنها وزارة الخارجية الأميركية على موقعها في العام الماضي، فإنها تستهدف بناء نفوذ جديد بالمنطقة عبر التجارة و"القوة الناعمة" مع دول آسيا الوسطى ضمن إطار الحوار الاستراتيجي المسمى "سي 5 +1".
وتتكون مجموعة "سي 5" من كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وتركمنستان، وهي الدول التي كانت ضمن الجمهوريات السوفيتية سابقاً وأصبحت دولاً مستقلة بعد سقوط الإمبراطورية الشيوعية.
وهذه الدول لاتزال تقع تحت النفوذ السياسي والأمني لروسيا، لكن الصين تستثمر فيها بكثافة ضمن مشروعات "الحزام والطريق". وبنت الولايات المتحدة مع دول آسيا الوسطى علاقات تعاون استراتيجي تحت اسم مجموعة "سي 5 +1" في العام 2016.
ولدى الولايات مشروع تجاري واقتصادي لتطوير وربط دول آسيا الوسطى عبر أفغانستان مع دول جنوب آسيا، وتحديداً الهند وباكستان. وتطلق واشنطن على هذا المشروع الاستراتيجي "طريق الحرير الجديد".
ويرى محللون أن تجمع "سي 5 +1"، ربما سيعود للنشاط من جديد في أعقاب خروج أميركا من أفغانستان. وترغب الولايات المتحدة في تنشيط الاستثمار وتحرير الأسواق، وتعزيز نفوذها في منطقة آسيا الوسطى الغنية بالنفط والغاز الطبيعي والذهب والفضة والمعادن النادرة خلال السنوات المقبلة. وبالتالي فإن دول آسيا الوسطى ستكون من كبار المستفيدين من عودة أفغانستان للشرعية الدولية والاستقرار.