"شيء واحد يهمّ، هو أن تعرف كيف تكون مقداماً". تلك مقولة للروائي الروسي الشهير فيودور ديستويفسكي، رددتها المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جيورجييفا، التي تعتبر أن البلدان التي يمكنها اللجوء إلى السوق المالية من أجل الاستدانة، تستطيع فعل ذلك والإنفاق دون الخوف من التقشف.
جاءت هذه الرؤية الاقتصادية، خلال الفترة الأخيرة، في وقت يواجه فيه العالم تداعيات الجائحة الصحية، وانعكاساتها الخطيرة على الاقتصاد العالمي، حيث قدّر الصندوق نفسه خسائرها للاقتصاد العالمي بنحو 15 تريليون دولار خلال الفترة من العام 2020 إلى العام 2024.
يعتبر الإعلامي ميشيل فور، أن صندوق النقد الدولي يعرف مع مديرته البلغارية، التي يشهد لها بالكفاءة، تغييراً في العقيدة، حيث لا ترى مانعاً في الإنفاق من أجل إنعاش الاقتصاد دون الاهتمام أكثر بالدين والوفاء به.
كريستالينا رأت النور قبل 67 عاماً، لا تفارق الابتسامة شفتيها، درست الاقتصاد في معهد كارل ماركس للاقتصاد بصوفيا في ظل النظام الشيوعي، حيث أنجزت رسالة الدكتوراه في العلاقة بين سياسة حماية البيئة ونمو الاقتصاد بالولايات المتحدة الأميركية.
في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، أنجزت أبحاثاً في الموارد الطبيعية وسياسات البيئة بلندن سكول أوف إيكونوميكس، وواصلت الاهتمام بذات الموضوع عندما التحقت بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وهو ما لفت الانتباه إليها حيث حطت الرحال بالبنك الدولي في العام 1993، كي تتولى القضايا المرتبطة بسياسة البيئة. وفي العام 2004، عملت بموسكو، حيث تولت إدارة عمليات البنك الدولي بالفيدرالية الروسية.
عندما عادت إلى واشنطن في 2007، تولت منصب مديرة التنمية المستدامة، حيث كان عليها تدبير المشاريع ذات الصلة بالبنيات التحتية والتنمية الحضرية والزراعة والبيئة والتنمية الاجتماعية.
رشحها بلدها كي تلتحق بالمفوضية الأوروبية في 2010، وتتولى مهمة المساعدة الإنسانية وتدبير الأزمات، حيث أبرزت قدرة كبيرة في هذا المجال عبر حلولها في العديد من البلدان التي تواجه أزمات إنسانية، مثل هايتي والشيلي وباكستان.
ما إن تولت أمر صندوق النقد، أبرز مؤسسة مالية دولية، حتى بدأ الفيروس ينتشر عبر العالم، بما كان له من تأثير بالقدرة التمويلية للدول.
لم يمنعها ذلك من تشجيع الدول على الإنفاق، وهذا ما تجلى في الفترة الأخيرة عندما دافعت عن تمكين الدول المساهمة في الصندوق من 650 مليار دولار من حقوق السحب.
حثُّها الدول على الإنفاق بحساب من أجل مواجهة تداعيات الجائحة، جعلها تنزاح قليلاً عن التوجه الذي سارت عليه مؤسسة بروين وودز، حيث دأب الصندوق على تحذير الدول من الإمعان في الإنفاق مخافة توسيع عجز الموازنة، ما قد يعرضها لتدابير تقشف في إطار برامج التقويم الهيكلي، كما حدث في الثمانينيات من القرن الماضي.
في مقال بصحفية فاينانشال الأميركية قالت: "لا أتذكر عدد المرات التي قلت فيها للبلدان الأعضاء: أنفقوا، حافظوا على وصل الإنفاق، لكن أنفقوا"، غير أنها تشرط ذلك الإنفاق بالتخفيف من أزمة مرتبطة بالانتقال الاقتصادي، والحفاظ على الإنتاجية أو جعل الاستثمارات العمومية أكثر فعالية.
وحددت أولويات يجب الانخراط فيها من أجل الحد من الخسائر، حيث تؤكد الحفاظ على صحة الساكنة عبر نفقات العلاجات، والحفاظ على الإنفاق العمومي والمساعدات لفائدة الأجراء والشركات حيث ما زالت آثار الجائحة موجودة، وتحفيز إحداث فرص العمل.
وتلح على تدبير الدين الذي يبقى أساسياً، وخاصة بالنسبة إلى البلدان ذات الدخل المنخفض، حيث تؤكد تخفيف مديونية تلك البلدان وتحسين الولوج للهبات، مشددة على أنه "في بعض الحالات، سيكون التنسيق مطلوباً من أجل إعادة هيكلة الديون السيادية، مع مشاركة جميع المدنيين العموميين والخواص".
في مقال له منشور على موقع الصندوق، ذهب جيفري أوكاموتو، النائب الأول لمدير المؤسسة المالية الدولية، إلى أن الحكومات أنفقت منذ مارس/ آذار من العام الماضي 16 تريليون دولار لتوفير الدعم المالي في أثناء الجائحة، وزادت المصارف المركزية ميزانياتها العمومية بقيمة قدرها 7.5 مليارات دولار.
يأتي ذلك في ظل فقدان العالم ناتجاً بقيمة 15 تريليون دولار بفعل الجائحة، حسب تقرير صدر قبل أيام عن صندوق النقد الدولي.