"كرتونة رمضان" صعبة المنال أمام ملايين الفقراء في مصر

26 فبراير 2024
مصرية تمر أمام علب كرتون تحتوي على سلع ضمن حملات تبرع سابقة (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

باتت "كرتونة رمضان" صعبة المنال على الفقراء والأسر البسيطة، بعد أن أصابها ما يعانيه المصريون من غلاء فاحش. فقد تضاعفت أسعار "كرتونة رمضان" خلال 12 شهراً، مع انخفاض أوزان محتوياتها البسيطة.

انتشرت "كرتونة رمضان" بالأسواق المحلية، منذ سنوات، هدية تقدمها الأسر الميسورة والجمعيات الخيرية لمساعدة ملايين الأسر المعيلة والأفراد غير القادرين على توفير وجبة الإفطار، لبث روح التكافل بين المواطنين.

تتضمن الوجبة عادة، عدة سلع غذائية أساسية، يمكنها أن تشكل وجبة كاملة تكفي ما بين 4-5 أشخاص، تحتوي على كيلوغرام من الأرز أو المكرونة، والزيت والسكر والملح والفول أو العدس أو البازلاء أو الفاصوليا، وسلع أخرى.

زاد الاعتماد على "كرتونة رمضان" مع فترة انتشار وباء كوفيد -19، تبعها فرض السلطات قيوداً مشددة على إقامة سرادقات "موائد رمضان" التي تقدم وجبات ساخنة للفقراء وعابري السبيل في الميادين الكبرى وعلى جوانب الطرق بأنحاء البلاد.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

تحولت "كرتونة رمضان" إلى نشاط مربح، تتبارى في تقديمه المراكز التجارية الكبرى والموزعون والمحلات بالمناطق الشعبية، لتظل تجارتها المربحة مستمرة طوال العام، باسم "كرتونة الخير" التي تقدم لدفع الناخبين إلى صناديق الانتخابات، وقليل منها توجه لنجدة أهالي غزة.

في جولة لـ"العربي الجديد" بالأسواق، رصدت تغيراً هائلاً بالكميات المعروضة بـ"كرتونة رمضان"، حيث انخفضت الأوزان من مستويات الكيلوغرام لكل سلعة إلى ما هو أقل بمراحل، لدى جميع العارضين، رغم اختلاف الأسعار ومكونات الكرتونة من منطقة لأخرى.

تحتوي كرتونة رمضان الصغيرة على عبوة مكرونة وزن 350 غراماً، وكيس ملح 300 غرام، و50 غراماً عبوة صلصة طماطم، و900 غرام أرز، وبعض السلع الأخرى.

تباع الكرتونة الصغيرة بسعر 155 جنيهاً (الدولار = نحو 31 جنيهاً)، ومع اختفاء الحبوب لا يمكن أن تشكل وجبة كاملة للأسر، رغم تضاعف سعر الكرتونة عن العام الماضي.

وتعرض الكرتونة الثانية بسعر 215 جنيهاً، كما تعرض محلات عبوة أكبر بسعر 340 جنيهاً.

يقدم التجار "كرتونة رمضان" في عروض تستهدف البيع بكميات كبيرة، للجمعيات الخيرية والأسر الميسورة، بينما تعرض المجمعات الاستهلاكية، التابعة لوزارة التموين، عروضاً مختلفة، مستهدفة الأفراد ذوي الدخل المحدود، ويشترك الطرفان في الاعتماد على عرض سلع أقل جودة ورخيصة.

يشير تجار إلى مشاركتهم في عروض "كرتونة رمضان" بكميات أقل من العام الماضي، بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية، والتي زادت حدتها منذ شهر، مدفوعة بزيادة أسعار التوريد وندرة السلع، مع وجود مخاوف من تراجع الطلب، بسبب تأثر الطبقة المتوسطة، وهي الأكثر طلباً على شراء كرتونة رمضان، لتوزيعها على المحتاجين، مع تراجع الجنيه وقيمة الدخل.

ويؤكد مدير جمعية خيرية بمنطقة الجيزة لـ"العربي الجديد" أن قلة التبرعات التي قدمها جمهور الجمعية وأعضاؤها لشراء كرتونة رمضان، أجبرتهم على شراء نحو 20% فقط من الاحتياجات السنوية، التي توزع سنوياً بمنطقة غرب العاصمة.

ويشير المدير السبعيني، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن الضغوط الاقتصادية على الأسر وتفضيل بعض المواطنين توجيه أموال الزكاة والتبرعات هذا العام، لدعم أشقائهم في غزة، قلل من حجم التبرعات لشراء وجبات رمضان الساخنة وكرتونة رمضان، بالإضافة إلى حالة التراجع العام في مستويات الدخول، بسبب موجات الغلاء المستمرة منذ عامين.

وينوّه أعضاء الغرف التجارية إلى زيادة أسعار مكونات "كرتونة رمضان"، حيث ارتفع سعر كيلو الأرز من مستوى 18 جنيهاً العام الماضي إلى ما بين 26 إلى 38 جنيهاً للكيلو، متأثراً بزيادة طن الأزر الشعير من 8 آلاف جنيه إلى 21 ألف جنيه. ويتهم أعضاء الغرفة التجار بممارسة احتكار للسلع، وحجبها عن الموزعين أملاً في صعود الأسعار خلال الأيام المقبلة، مع اقتراب شهر رمضان، حيث يزيد الاستهلاك للمواد الغذائية والاستهلاكية عادة نحو 50% عن متوسطات الاستهلاك خلال العام.

ويشير عضو غرفة الحبوب باتحاد الصناعات الغذائية مصطفى السلطيسي، في تصريحات صحافية إلى عدم جدوى الحملات الأمنية التي تشنها الحكومة على تجار المواد الغذائية.

وبيّن أن هذه الحملات لاحقت تجار ومضارب الأرز، التي لا تملك إلا كميات قليلة، بينما تجاهلت محتكري السلع وكبار التجار، بما تسبب في حالة هلع لدى الموزعين، وابتعادهم عن المتاجرة في السلع التي تستهدفها الجهات الأمنية.

يؤكد السلطيسي أن الحملات الأمنية أدت إلى تراجع موجة هبوط في أسعار الحبوب، وارتفاعها من جديد، متأثرة بقلة المعروض بالأسواق.

يكشف مؤشر منظمة الأغذية والزراعة العالمية "الفاو" تراجعاً واضحاً في أسعار السلع الغذائية عالمياً، مستمراً منذ الربع الأخير من العام الماضي، مع توقع باستمرار حتى نهاية العام، متأثراً بزيادة الإنتاج العالمي من الحبوب واللحوم والزيوت، وتراجع الطلب بالأسواق.

وتسير أسعار السلع في مصر عكس التيار العالمي في موجات صعود مستمرة منذ فبراير/ شباط 2022، متأثرة بتراجع حاد في قيمة الجنيه أمام الدولار.

وأدى تراجع الجنيه إلى خسارة القوة الشرائية للدخل، ولم تستطع الزيادات التي أُقرت للمرة الخامسة خلال أقل من عام، في كسر حدة التضخم التي بلغت 34% بالمتوسط، والمتأثرة بعدم قدرة الموردين على شراء احتياجات البلاد من السلع الأساسية، ومستلزمات الإنتاج بمختلف الصناعات، مع شح الدولار، وتراجع عائدات الدولة من العملة الصعبة.

وتوظف الحكومة آلاتها الإعلامية والأجهزة الأمنية والمؤسسة الدينية لمحاربة احتكار السلع، ولم تتمكن من الحد منها، لعدم تدبير بدائل كافية أمام الجمهور مما تطرحه الحكومة في مراكز التوزيع التابعة لوزارات التموين والداخلية والجيش، وارتباط بيع السلع بسعر الدولار في السوق الموازية.

ووافق البرلمان على تعجيل صرف زيادة الأجور والمعاشات أول مارس المقبل، خلال شهر رمضان، بدلاً من يوليو/ تموز المقبل، لتزيد الأجور للعاملين بالدولة والقطاع العام والجيش والشرطة في حدود 30%، وتصل إلى 15% لأصحاب المعاشات، بينما تظل غالبية المواطنين غير قادرين على تحصيل زيادة الدخل، حيث تمثل هذه الطوائف نحو 13 مليون شخص من بين 45 مليون من الأفراد القادرين على العمل، تتراوح أعمارهم ما بين 16 إلى 60 عاماً.

يؤكد مدير جمعية خيرية بمنطقة الجيزة لـ"العربي الجديد" أن قلة التبرعات التي قدمها جمهور الجمعية وأعضاؤها لشراء كرتونة رمضان، أجبرتهم على شراء نحو 20% فقط من الاحتياجات السنوية


يعدّ وزير التنمية المحلية، هشام آمنة، بتوزيع مليون كرتونة رمضانية بتمويل من "تحيا مصر"، توفر إفطاراً لنحو 5 ملايين مواطن بالمحافظات.

وقال الوزير في بيان صحافي إن الدولة ملزمة بتوفير السلع الأساسية والخضراوات والفاكهة بأسعار مخفضة، في معارض "أهلاً رمضان" التي تشارك بها الغرف التجارية وشركات القطاع العام. وأعلنت وزارة الزراعة عن مشاركة منافذ بيع السلع التابعة لها في بيع اللحوم والدواجن و"الياميش" بأسعار تقل عن الأسواق بنسبة 20%.

وتبشر الوزارة، في بيان صحافي، باستيرادها 154 ألف رأس ماشية، تخصص منها 30 ألفاً للذبح الفوري لتوفير حاجة الأسواق من اللحوم.

وتأتي بشائر الحكومة مخالفة لما تشهده الأسواق من زيادة هائلة بسعر اللحوم التي ارتفعت من 280 جنيهاً إلى 350 جنيهاً للحوم المستوردة والمباعة بمحلات تابعة لوزارة التموين، ومن 360 إلى 410 جنيهات للحوم الطازجة بمحلات الجزارة في المناطق الشعبية، وتصل إلى ما بين 450 إلى 500 جنيه بالأحياء المتوسطة والمراكز التجارية.

وتحذّر أستاذة العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، هويدا علي، من اعتماد الدولة على قيام مؤسسات المجتمع الأهلي لتصبح بديلاً لها في مواجهة الفقر، مشيرة إلى أن عدد الفقراء في مصر سيظل في تزايد لأن السياسات المنتجة للفقر لا تزال مستمرة.

وتقول علي في جلسة لمناقشة دور العمل الأهلي في التنمية الشاملة التي أقامها مشروع حلول للسياسات البديلة بالجامعة الأميركية الأسبوع قبل الماضي، إن ثلث سكان مصر يعانون من الفقر الذي يجري توارثه عبر الأجيال المختلفة.

ودعت إلى وجود سياسات تعيد إنتاج توزيع الثروة والدخل في المجتمع. وتطالب خبيرة العلوم الاجتماعية والسياسية، بمشاركة حقيقية بين الدولة والمجتمع المدني في مواجهة الفقر، وابتعاد الحكومة عن تفضيل التعاون مع مؤسسات أهلية دون أخرى.

المساهمون