استمع إلى الملخص
- المقاطعة الرمادية وتأثيرها: تتعرض إسرائيل لمقاطعة علمية وثقافية غير معلنة، حيث توقفت استثمارات شركات مثل "إنتل" وتراجع التعاون الأكاديمي، مما أثر بعمق على المجتمع الأكاديمي والبحثي.
- التداعيات الاقتصادية والسياسية: تسببت المقاطعة في خسائر اقتصادية وزيادة العجز في الميزانية، وتضررت صورة إسرائيل الدولية بعد مذكرات اعتقال المحكمة الجنائية الدولية، مما يعقد الوضع السياسي والاقتصادي.
رسمت صحف إسرائيلية صورة قاتمة لدولة الاحتلال بسبب حرب الإبادة التي شنتها على قطاع غزة. وقالت إن إسرائيل باتت تعاني العزلة والمقاطعة اقتصادياً وعلمياً وثقافياً واستثمارياً. وسعت إسرائيل من خلال عدوانها على غزة لفرض أسوار حديدية حول القطاع وتقسيمه وهدم معالم الحياة المدنية والاقتصادية فيه، لكن انتهى بها الأمر بعد 14 شهراً من الحرب إلى "العزلة الدولية" التي تحاصرها وإلى مواجهة مقاطعة اقتصادية معلنة وأخرى أخطر "صامتة"، لتصبح إسرائيل "جزيرة معزولة تعاني مقاطعات دولية". وقالت الصحيفة، هل كان ثمة من يستطيع أن يتوقع حدوث مثل هذا التوصيف لوضع دولة إسرائيل في العالم وأن يصبح هذا التوصيف عنواناً رئيساً في إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية المركزية؟ نعم، هذا هو العنوان الذي توّجت به صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية ملحقها الأسبوعي في ديسمبر الجاري، واصفة دولة الاحتلال بأنها باتت "جزيرة معزولة تعاني مقاطعات حديدية"، و"تعيش حالة غير مسبوقة من العزلة الدولية"، و"تنزف اقتصادياً من الداخل والخارج معاً".
و كشفت "كالكاليست" الإسرائيلية المختصة بالاقتصاد آثاراً أعمق لعملية طوفان الأقصى على الهجرة الجماعية للإسرائيليين وكيف غيرت سوق العمل الإسرائيلي بصورة غير مسبوقة، مؤكدة أن عملية طوفان الأقصى أدت إلى عزلة إسرائيل في العالم.
المقاطعة الرمادية الأخطر؟
وفق تقرير "كالكاليست" أصبحت هناك أنواعاً مختلفة من المقاطعة بخلاف الاقتصادية التي ضربت شركات الطيران الإسرائيلية وجلبت حظراً على بيع السلع والبضائع والسلاح لإسرائيل، مثل المقاطعة العلمية لعلماء وباحثين إسرائيليين، وهروب مستثمرين وفنانين، بخلاف نوع جديد من المقاطقعة يُسمى "المقاطعة الرمادية" الأكثر خطراً.
وقالت الصحيفة، كل يوم جديد يمضي "يزيد فيه تشديد الحصار على إسرائيل أكثر فأكثر، بدءاً من شركات الطيران العالمية التي تختفي عن شاشة الرحلات في مطار بن غوريون الدولي، والفنانين الذين يلغون حفلاتهم تباعاً، كما قاطعت عدة دول التعاون الأكاديمي مع الاحتلال وانسحبت شركات البنى التحتية العالمية من مشاريع في إسرائيل. وأوضحت، مثالاً، لهذه المقاطعة "الرمادية" غير العلنية في بعض الأحيان، بسبب التخوف الأمني، أن شركة "إنتل" الأميركية أوقفت إنشاء مصنع المعالجات الدقيقة، الذي بدأ العمل في يونيو 2023، بقيمة 25 مليار دولار في مدينة "كريات جات"، لأنها باتت مدينة خطرة لوقوعها على بعد 23 كم من قطاع غزة وتعرضها لمخاطر الحرب. ونقلت عن "دان كتاريفاس"، رئيس المجلس الأعلى للغرف التجارية الثنائية القومية في إسرائيل، والمستشار الكبير لدى اتحاد الصناعيين الإسرائيليين، أن أخطر الإجراءات الدولية ضد إسرائيل، هي "المقاطعة الصامتة الخفية".
وأكد دان كتاريفاس أنه بتأثير مذكرتي الاعتقال اللتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، أصبحت صورة إسرائيل العامة في العالم، متهمة رسمياً بارتكاب جرائم حرب. وهذا يترسخ في الذهنية العامة، وتترتب عليه أمور كثيرة، بسبب الخشية من أن تتعزز هذه المقاطعة، وتتوسع وتتعمق وتتفاقم ما يزيد أكثر فأكثر من تصنيف إسرائيل"دولة منبوذة".
كما ضرب "دان كتاريفاس" مثالاً آخر على ذلك، بصناديق الاستثمار النرويجية، التي لا تستثمر في شركات الأسلحة لاعتبارات أخلاقية، والتي " تتجه نحو الإعلان رسمياً وقف استثماراتها في الدول المشتبه بأنها ترتكب جرائم حرب". وأورد مثالاً آخر هو امتناع شركة "أبِل" عن توزيع المسلسل الإسرائيلي "طهران" في موسمه الثالث، لأنهم لا يريدون أن يتم إدراجهم مع إسرائيل ضمن حملات المقاطعة الخفية.
ويقول "كتاريفاس" إن الوضع اليوم ليس مشابهاً لما حصل في أوائل التسعينيات، حين عملت الحكومة الإسرائيلية على إقناع دول مختلفة بسن قوانين خاصة ضد المقاطعة العربية لإسرائيل وعدم التجاوب معها، ونجحت في ذلك آنذاك، لأن العمل كان مع الحكومات. فالوضع اليوم مختلف و"المقاطعة أصبحت شعبية، تقودها جمعيات وفعاليات المجتمع المدني"، وفق قوله.
وشرح نائب المدير العام السابق لوزارة الخارجية والدبلوماسي السابق عمانوئيل نحشون، الذي يترأس "لجنة رؤساء الجامعات في إسرائيل"، نموذجاً آخر لهذه المقاطعة الرمادية لجامعات إسرائيل، مشيراً إلى توقف تبادل الطلاب والأساتذة، والأفكار والخبرات بين جامعات العالم وإسرائيل. وأكد أن "أكثر من 300 باحث أكاديمي إسرائيلي عانوا المقاطعة الأكاديمية منذ بداية الحرب على غزة، وتم منع نشر المقالات العلمية والبحثية، وإلغاء مقابلات ومحاضرات لباحثين أكاديميين إسرائيليين". كما تم أيضاً "منع مشاركتهم في مؤتمرات دولية، وإلغاء أبحاث علمية مشتركة، وإرجاء أو إلغاء تبادل الطلاب الجامعيين، وكذلك إلغاء منح وهبات مالية لأبحاث علمية إسرائيلية".
وأوضح نحشون، أن المظاهرات الصاخبة والواسعة المنددة بإسرائيل وسياساتها وجرائمها، والتي شهدتها الجامعات الأميركية والأوروبية أدت إلى إلغاء 32 % من الأكاديميين الإسرائيليين سفرهم ومشاركتهم مع مؤسسات أكاديمية وبحثية عالمية.
وتشير الصحف الإسرائيلية إلى أن خسائر المقاطعة الرمادية تعتبر أضخم بالمقارنة بالخسائر الاقتصادية المعروفة مثل إعادة بناء مدن إسرائيلية مدمرة أو نفقات التسليح، مشيرة إلى أنه مطلوب مثلاً 100 مليون شيكل لترميم وبناء مدن في الشمال، لكن لم يتم تخصيص سوى 10% منها فقط، ومليار شيكل لاستمرار تسكين المستوطنين خارج مدنهم التي هجروها في شمال إسرائيل. وبسبب هذه الخسائر المنظورة والخفية، صوت الكنيست في 24 ديسمبر الجاري على قانون زيادة العجز في الميزانية العامة في القراءة الثانية والثالثة، وذلك بسبب تزايد نفقات الحرب في غزة. وارتفع معدل العجز الإجمالي لعام 2024 قرابة 7.7% من الناتج القومي الإجمالي بعدما كان 6.6%. وبلغت قيمة ميزانية إسرائيل للعام 2025، مبلغ 607.4 مليار شيكل، بينما بلغت ميزانية الأمن للعام المقبل 117 مليار شيكل، من دون المساعدات الأميركية.