رغم أن العرض المحدود والطلب القوي يستمرّان لغاية الآن في المحافظة على ارتفاع أسعار المنازل البريطانية، تختلف توقعات سماسرة العقارات والبنوك والمؤسسات المالية ويترّقب المشترون والبائعون أوضاع السوق بريبة وحذر.
ومن العارفين من يقول إن ما يفاقم المشكلة هو وجود مالكي منازل يؤجلون قرار البيع. ومع ندرة المنازل المعروضة، يضطر المشترون غالباً إلى الدخول في مزادات عرض السعر الأعلى للحصول على بيت.
ما يربك المشهد هو وجود توقعات متباينة تجاه اتجاهات أسعار المنازل في المملكة المتحدة، فهناك مؤسسات تتوقع تراجع الأسعار في الفترة المقبلة بنسبة 30%، مثل نيشن وايد بيلدنج سوسيتي، وهناك من يتوقع أن يكون التراجع بنسبة 5%، مثل البوابة العقارية "زوبلا"، أما مجموعة "لويدز" المصرفية فتوقعت انخفاضاً بنسبة 7.9%، وكانت "نيشن وايد" قد رصدت انخفاضا بنسبة 0.9%.
وقبل أيام أظهرت بيانات مقرض الرهن العقاري "هاليفكس" انخفاض أسعار المنازل 0.4% خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول، بعدما تراجعت 0.1% في سبتمبر/ أيلول.
وفي المقابل، فإن هناك من يتوقع زيادة أسعار المنازل على خلفية ارتفاع سعر الفائدة لأعلى مستوى منذ 33 سنة، وتوقعات بمزيد من زيادة كلفة القروض العقارية.
مدير العلاقات العامة في "ليدز بيلدينغ سوسيتي" للرهون العقارية والتمويل مارك هيمنغواي قال لـ"العربي الجديد"، إن سوق الإسكان ليس محصناً من تأثير الضائقة الاقتصادية وغلاء المعيشة، مشيراً إلى أن الارتفاع السريع في أسعار الفائدة يؤدي إلى زيادة تكاليف الرهن العقاري، في الوقت الذي يقضي فيه التضخم المرتفع على المدخرات الفردية والقوى الشرائية.
انخفض عدد مشتري العقارات التي تقل كلفتها عن 250 ألف جنيه إسترليني بنسبة 27% عمّا كان عليه خلال العام الماضي
وبينما تكافح الأسر أكبر انخفاض في الدخل الحقيقي منذ أجيال، وصل الإسكان الآن إلى أدنى مستوى أسعار معقولة (الأسعار التي يمكن تحمّلها) رغم أنها لا تزال نسبياً مرتفعة، وذلك منذ بدء تسجيل البيانات، حيث إن متوسط كلفة المنزل حالياً تزيد عن 9 أضعاف متوسط الأجر المحلي، مقارنة مع 3.5 في عام 1997.
ويلفت هيمنغواي إلى أن الارتفاع الأخير السريع في أسعار الفائدة الذي جاء عقب الميزانية الحكومية المصغرة، كان بمثابة ضربة قوية للمقترضين وعرّض سوق الإسكان لصدمة، كما يؤكد أن آثار ما بعد الميزانية ستستمر في إحداث ضائقة للمقترضين خلال الأشهر القادمة، مع حاجة ملحة لاستعادة ثقة السوق على المدى القصير، في حين أن الهدف طويل المدى لهذه الحكومة يجب أن يكون معالجة النقص الحاد في الإسكان.
وكان نقص المعروض من المساكن عاملاً رئيسياً في الزيادات السريعة للأسعار على مدى السنوات القليلة الماضية، بحسب هيمنغواي الذي قال: "شهدنا تزايداً سنوياً في الأسعار بأرقام مضاعفة لبعض الوقت. وهو وضع من الواضح أنه غير صحي ولا مستدام. وحاليا نشهد زيادة في كلفة الاقتراض بالإضافة إلى تضخم مزدوج الرقم، ما يعني أن مداخيل الأسر تتعرض للضغط الآن أكثر من أي وقت مضى".
بالأرقام، انخفض عدد مشتري العقارات التي تقل كلفتها عن 250 ألف جنيه إسترليني بنسبة 27% عمّا كان عليه خلال العام الماضي، وفقا لوكالة "هامبتنز" العقارية التي عزت السبب إلى توقع انخفاض الأسعار العام المقبل، فيما أشارت شركة التمويل والتأمين "نايشن وايد بيلدينغ سوسيتي" إلى أنه مع ارتفاع سعر الفائدة وسحب عدد من المقرضين صفقات الرهن العقاري، تدنّت معاملات قروض الإسكان. كما بلغ عدد صفقات مبيعات المنازل 112 ألفا و370 في سبتمبر/ أيلول الماضي، بانخفاض 32% مقارنة بالشهر ذاته من 2021، وفقا لـ"هيئة صاحب الجلالة للإيرادات والجمارك".
ورغم توقعات انخفاض الأسعار، شهدت مدن مثل ليفربول زيادة لافتة في الأسعار بلغت 8.9%، ومانشستر 11.5% حتى الآن هذا العام، حيث بلغ متوسط سعر المنزل 172 ألفا و636 جنيها و228 ألفا و806 جنيهات على التوالي، بالمقارنة مع نمو 7.2% و6.6% في المناطق المحيطة. وفي بوري بالقرب من مانشستر، ارتفعت الأسعار 1.3%، فيما شهدت أحياء لندن الداخلية زيادة بنسبة 6.8%، مقابل 4.6% فقط في الأحياء الخارجية.
وتظهر أحدث أرقام شركة "كوتس" للاستثمار العقاري أن مبيعات العقارات الفاخرة ارتفعت في العاصمة إلى مستوى قياسي عام 2021 مع زيادة مبيعات المنازل البالغة قيمتها 10 ملايين جنيه أو أكثر بنسبة 90% خلال 12 شهرا. وقفزت المبيعات من 56 عام 2020 إلى 106 في 2021، بينما كان الطلب قوياً في كنسينغتون ونوتنغ هيل وهولاند بارك.
في السياق، يقول الرئيس التنفيذي للشركة بيتر فلافيل: "بالنسبة للعديد من المستثمرين، توفر هذه العقارات الرئيسية والفائقة الجودة الفرصة لاستثمار الأموال في الأصول التي توفر المساحة التي يحتاجها المشترون، ومع الطلب المرتفع بشكل خاص خارج وسط لندن شهدت المناطق الأكثر خضرة، بما في ذلك ريتشموند واندسورث وإيسلينغتون، ارتفاعا في الأسعار، وتهافت المشترون بعيدا عن وسط العاصمة بحثا عن مساحة أكبر. وارتفعت الأسعار 11% تقريبا في واندسوورث و7% في ريتشموند".
فقاعة قد تنفجر هذا العام
وعلى العكس من ذلك، أدى هذا إلى تضييق الفارق في أسعار العقارات الرئيسية بين وسط العاصمة والمناطق المحيطة، إذ بلغ الفارق 70% قبل 4 سنوات، وتضاءل الآن إلى 58%، في حين أن أسعار العقارات الرئيسية في مناطق باهظة الثمن تاريخيا مثل نايتسبريدغ وبلغرافيا هي الآن أقل بنسبة 17% عن ذروتها المسجلة عام 2014، بحسب فلافيل، الذي حذر من أن "الفقاعة قد تنفجر هذا العام".
ولمواكبة جهود كبح التضخم الجامح، رفعت المصارف وجمعيات البناء أسعار فائدة الرهن العقاري. ففي 3 نوفمبر/ تشرين الثاني، حذر بنك إنكلترا المركزي من خطر الانزلاق في أطول فترة ركود منذ 100 عام، بعدما رفع كلفة الاقتراض إلى 3%، في أكبر رفع منفرد لسعر الفائدة منذ عام 1989. كما حذر محللون من أن السعر الأساسي قد يرتفع إلى نحو 5% في الربيع المقبل.
مبيعات العقارات الفاخرة ارتفعت في العاصمة إلى مستوى قياسي عام 2021 مع زيادة مبيعات المنازل البالغة قيمتها 10 ملايين جنيه أو أكثر بنسبة 90% خلال 12 شهرا
وفي هذا الإطار، يتوقع "لويدز بنك" أن يصل سعر الفائدة الأساسي لبنك إنكلترا الذي يؤثر مباشرة على معدلات الرهن العقاري، إلى الذروة عند 4% خلال الربع الرابع من هذه السنة المالية، قبل أن ينخفض في أوائل عام 2024 بمجرد أن يصبح التضخم تحت السيطرة.
حالة ذعر بين المقترضين
المدير المشارك للاتصالات في شركة "إل أند سي" للرهون العقارية ديفيد هولينغورث قال لـ"العربي الجديد"، إن الأسعار الثابتة تميل إلى أن تكون أكثر الأسعار شيوعاً في السنوات الأخيرة، وقد ارتفعت فعلاً بشكل كبير قبل الميزانية المصغرة التي سرّعت وتيرة التغيير، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار الثابتة بنحو نقطة مئوية أو أكثر، "حيث شهدنا حالة من الذعر بين المقترضين في محاولة للحصول على قرض بفائدة ثابتة مع تصاعد الأسعار".
يضيف هولينغورث أن شروط التمويل استقرت الآن، لكن معدلات الرهن لا تزال أعلى مما كانت عليه قبل الميزانية، وبالتالي يشعر المقترضون بالقلق بشأن ما يواجهونه عندما تنتهي صفقاتهم الحالية. ومع ذلك، ثمة مجال لتراجع الأسعار قليلاً الآن ويمكن أن يستمر ذلك ويساعد المقترض على استعادة بعض الثقة بالسوق.
ولا بد من أن تؤثر فوائد الرهن العقاري المرتفعة وضغط كلفة المعيشة على ثقة المستهلك وقراراته. ومع أن المشترين المحتملين يعيدون التكيف مع الفوائد المرتفعة، إلا أن ذلك سيتم بنهج الانتظار والترقب الذي يتبعه الكثيرون، ما سيؤدي إلى تراجع الطلب ومع وجود عدد قليل من المشترين يصطفون في طوابير قد تشهد تحولا من سوق يتحكم فيه البائع بالسوق.
وفي النهاية، هناك توقع بأن انخفاض الطلب سيؤدي بالتالي إلى تراجع الأسعار مرة أخرى. كما من المرجّح أن يجد ملّاك "عقارات الشراء للتأجير" أن الأرقام لا تبدو جذابة للغاية مع معدلات فائدة أعلى وما يترتب على ذلك من متطلبات أكثر صرامة، "لذلك من غير المحتمل المحافظة على نشاط الشراء في فترة الركود التي تخيّم على المشترين"، ودائما بحسب هولينغورث.
وثمة تباين بارز في تقدير الأسعار، حيث تقدّر "نايشن وايد" متوسط سعر المنزل عند 268 ألفا و282 جنيها إسترلينيا، بانخفاض 0.9% عن مستوى سبتمبر/ أيلول الفائت، في أكبر انخفاض شهري منذ يونيو/ حزيران 2020 خلال ذروة جائحة كورونا، فيما انخفض النمو السنوي أيضا إلى 7.2% من 9.5%.
في المقابل، تؤكد "هاليفاكس"، وهي مقرض رئيسي، أن سوق العقارات بدأ بالتراجع فعلاً بعد عامين من التزايد السريع لأسعار المنازل التي تراجعت 0.4% الشهر الماضي، في أكبر انخفاض منذ فبراير/ شباط 2021، وتشير إلى أن هذه هي المرة الثالثة خلال 4 أشهر التي تنخفض فيها أسعار المنازل، ليتراجع متوسط سعر المنزل في المملكة المتحدة إلى 292 ألفا و598 جنيهاً إسترلينياً، وهو أدنى مستوى له منذ مايو/ أيار الماضي.