قمة السبع تخنق طالبان اقتصادياً وتواصل سياسة حجب الأموال والمساعدات

25 اغسطس 2021
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي رأس قمة السبع أمس الثلاثاء(getty)
+ الخط -

يبدو أن هدف توحيد الصف في "التحالف الديمقراطي الرأسمالي" الذي تبناه الرئيس جوزيف بايدن لمحاصرة الصين، هو ما يهم واشنطن في قمة السبع الطارئة التي عقدت في لندن، أمس الثلاثاء.

وكانت القمة قد عقدت تحت ضغوط بناء جبهة موحدة تجاه كيفية التعامل مع طالبان عقب سيطرتها على الحكم، والتغطية على الانقسامات في التحالف الغربي بشأن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.

وأعلنت قمة مجموعة السبع في نهاية الاجتماع الذي عقد عبر تقنية "الفيديو كونفرانس" وترأسه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، " خارطة طريق" موحدة للتعامل مع حركة طالبان والإبقاء على تجميد أموال أفغانستان. وكان البنك الدولي قد أعلن يوم الثلاثاء تجميد مساعداته لأفغانستان.

ربما تكون طالبان قد فاجأت الحكومات الغربية بالسيطرة سريعا على الحكم، ولكن لا تملك الحركة خبرة في إدارة شؤون البلادالاقتصادية والمالية

وقال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إن حجب مبالغ ضخمة من الأموال هو خيار ضمن أدوات "النفوذ الهائل" الذي يمكن أن تمارسه مجموعة السبع على حركة طالبان بعد سيطرتها على البلاد. 

وأضاف: "ما نقوله هو أن أفغانستان لا يمكن أن تتحول مرة أخرى إلى أرض خصبة للإرهاب، ولا يمكن أن تكون دولة مخدرات، كذلك يتعين تعليم الفتيات حتى سن 18 عاما". 

ورغم أن القمة لم تنص صراحة على عدم الاعتراف بشرعية طالبان في حكم أفغانستان مالم تنفذ الشروط الخاصة باحترام حقوق الانسان وحقوق المرأة، إلا أنها جمدت فعلياً التعامل معها في الوقت الراهن. 
ويرى خبراء أن الحظر الاقتصادي والمالي لحركة طالبان وتجميد الأموال سيزيد من معاناة الشعب الأفغاني، وربما يحدث كارثة إنسانية في بلد يعاني فيه المواطن من الفقر المدقع والبطالة المتفاقمة.

وربما تكون طالبان قد فاجأت الحكومة الغربية بالسيطرة على الحكم، ولكن لا تملك الحركة خبرة في إدارة البلاد أو الاقتصاد والمال.

والدليل ما حدث من تعيين المسؤول المالي للحركة، المولوي عبد القاهر، أمس محافظا للبنك المركزي الأفغاني رغم عدم امتلاكه الخبرة الكافية في إدارة السياسة النقدية والبنوك.

في هذا الشأن، يرى البروفسور جيفري ساكس، من جامعة "هارفارد" في تحليل مساء الاثنين على موقع "بروجكت سيندكت" أن عدم الاعتراف بحركة طالبان سيكون مقدمة لحرمان الحكومة الأفغانية المقبلة من الاعتراف الدولي، وبالتالي سيتم استخدام ذلك كأساس قانوني لمواصلة تجميد الرصيد الأجنبي لأفغانستان في مجلس الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي" البالغ 7 مليارات دولار، كما سيستخدم كذلك في تجميد التمويلات الخارجية والمساعدات التي كانت في طريقها إلى أفغانستان، قبل سقوط حكومة أشرف غني ومنها أموال صندوق النقد الدولي.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن المعونات الدولية لأفغانستان تراجعت من 6.7 مليارات دولار في عام 2011 إلى 4.2 مليارات دولار في عام 2019.

وكان المانحون قد تعهدوا بدفع معونات قيمتها 3.3 مليارات دولار للبلاد في نوفمبر/ تشرين الثاني. لكن ستخسر أفغانستان ما تبقى من هذه المعونات مع سيطرة "طالبان" على البلاد.

تشير بيانات البنك الدولي إلى أن المعونات الدولية لأفغانستان تراجعت من 6.7 مليارات دولار في عام 2011 إلى 4.2 مليارات دولار في عام 2019

وقال البروفسور ساكس، إن "مثل هذا الحظر ربما سيقود إلى كارثة إنسانية في أفغانستان، ولكنه لن يقود إلى سقوط حكومة طالبان.
ويشير خبراء في هذا الصدد، إلى أن الحكومة الأميركية جربت سياسة الحظر المالي بكل أشكاله، ولا تزال تواصل حظر حكومات إيران وكوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية، ولكنها لم تنجح في إسقاط أي من هذه الحكومات، وبالتالي يرى الأكاديمي الأميركي، أنه لا توجد جدوى من فرض حظر جديد على طالبان، ولكن ربما إلزامها بشروط تخص احترام حقوق الإنسان والمرأة.
ويرى خبراء بريطانيون في ذات الصدد، أن المطلوب من القوى الغربية التعاون مع كل من الصين وروسيا لإنهاء مأساة الحروب في أفغانستان التي استمرت لمدة 40 عاماً.
ويقول البروفسور ساكس، "فشلت الإدارات الأميركية المتعاقبة في تحديث وتنمية الاقتصاد الأفغاني والانفاق على الخدمات الضرورية لتنمية الشعب الفقير، وإنما استثمرت الأموال الطائلة على الحرب، وبالتالي لم تجد حكومة أشرف غني التي تخلت عن كرسي الحكم دون مقاومة لحركة طالبان أية سند شعبي، لأنها ببساطة لم تقدم منافع مادية للمواطن مثل الخدمات التعليمية والصحية وتنمية الأنشطة الاقتصادية في البلاد".

وتتخوف الحكومات الغربية، خصوصاً الدول الأوروبية من موجة هجرة أفغانية جديدة إلى بلدانها التي تعاني من تدفق المهاجرين، وتداعيات ذلك على التماسك الاجتماعي وصعود الحركات الشعبوية، في وقت تعاني فيه من تداعيات جائحة كورونا وتباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة والإنفاق على العاطلين عن العمل.
كما يتخوف حلفاء أميركا كذلك من تداعيات فوضى الانسحاب التي لا تزال جارية في مطار كابول على تعري الثقة في القيادة الأميركية للنظام العالمي، والنظر إليها في آسيا على أنها حليف ضعيف يمكن أن يتخلى عن حلفائه، وبالتالي استهدفت قمة مجموعة السبع اتخاذ موقف موحد تجاه التعامل مع حركة طالبان.
على صعيد مستقبل الاستقرار في أفغانستان، يلاحظ أنه منذ هروب الرئيس أشرف غني ومعظم وزرائه في 15 أغسطس/ آب الجاري، لا توجد حكومة رسمية في البلاد.

طالبان ربما تبقي على بعض موظفي المال والاقتصاد الكبار للاستفادة من خبراتهم، لكن تعيين محافظ للبنك المركزي ليس لديه خبرة يشير إلى أن الحركة لا تثق في الإدارات المالية السابقة

وتجري الآن مشاورات لتشكيل حكومة موسعة من جميع الأطراف، بمن فيها بعض قيادات الحكومة السابقة، ومن بينهم عمر زاخلوال وزير المالية السابق الذي عاد إلى كابول يوم السبت، وبالتالي ليست في أفغانستان حتى الآن حكومة يمكن التفاوض معها.

وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" قال زاخلوال، إنه "كلما أسرعنا في الضغط من أجل حل سياسي، أسرعنا في إنقاذ أفغانستان من عواقب اقتصادية وخيمة تلوح في الأفق".

وحتى الآن ليست لدى طالبان توجهات واضحة لإدارة شؤون البلاد. وأعلنت الحركة يوم الاثنين اتخاذ أول القرارات المالية.

ويرى خبراء لصحيفة "وول ستريت جورنال"، أن طالبان ربما تبقي على بعض موظفي المال والاقتصاد الكبار للاستفادة من خبراتهم، لكن تعيين محافظ للبنك المركزي ليس لديه خبرة يشير إلى أن طالبان لا تثق في الإدارات المالية السابقة.

وحتى الآن اتخذت حركة طالبان قرارات بسيطة من الصعب أن تمنح توجها لقراءة ما تنوي فعله بالاقتصاد والمال ومستقبل البلاد. من بين هذه القرارات تعيين طالبان المولوي عبد القاهر، المعروف في أوساط الحركة بـ"حاجي إدريس" في منصب محافظ البنك المركزي، كما أوقفت تصدير الحديد الخام للخارج، وقالت إنها ستواصل دفع الرواتب لموظفي الدولة، وستبدأ في إجراءات فتح البنوك في القريب العاجل.
وتأتي هذه القرارات البسيطة في وقت تتفاقم فيه أزمة البلاد المعيشية، وينتظر المواطنون عودة الحياة الطبيعية إلى البنوك ومحلات الصرافة، وتتدهور فيه قيمة العملة المحلية "الأفغاني" مقابل الدولار.

وبالتالي ربما يكون عدم الاعتراف بشرعية طالبان ضربة قاصمة للاقتصاد الأفغاني الذي لا يحتاج فقط للأموال، ولكن كذلك للمساعدات الفنية من قبل كوادر البنك الدولي وصندوق النقد والمؤسسات الدولية، وبدون ذلك فإن المستقبل الاقتصادي لأفغانستان سيكون مظلماً خلال الشهور المقبلة.

ربما يكون عدم الاعتراف بشرعية طالبان ضربة قاصمة للاقتصاد الأفغاني الذي لا يحتاج فقط للأموال، ولكن كذلك للمساعدات الفنية من قبل كوادر المالية المؤسسات الدولية

على صعيد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وعلى الرغم من الانتقادات التي واجهها الرئيس جو بايدن بهذا الشأن، يرى محللون أن القرار ليس جديداً، وإنما هو جزء من استراتيجية أميركية متكاملة متفق عليها منذ سنوات للتخلص من الحروب الطويلة والمكلفة ذات الجدوى المحدودة لأهداف استمرارية الهيمنة الأميركية على "النظام العالمي"، وسط الصعود الصيني السريع المهدد لموقع الولايات المتحدة الدولة الأحادية في قيادة وتشكيل العالم.
وبالتالي تستهدف إدارة بايدن التركيز على محاصرة التمدد الصيني وعرقلة مشاريعها التقنية والتجارية، وعلى رأسها مشروع "الحزام والطريق".

ويرى محللون أن أميركا انسحبت وتركت الفراغ في آسيا الوسطى لكل من الصين وروسيا للانشغال به، وربما التورط في الصراع الأفغاني طمعاً في الثروات المعدنية، وعلى رأسها المعادن النادرة التي تقدر قيمتها بنحو تريليون دولار حسب تقديرات هيئة الجيولوجيا الأميركية، في حين تقدرها مصادر أخرى بنحو 3 تريليونات دولار.

  ويرى خبراء في تحليل مكثف بموقع "العلاقات الخارجية" الأميركي، أن الولايات المتحدة وبعد قرابة 20 عاماً من التواجد في أفغانستان، خسرت قرابة تريليوني دولار وآلاف الأرواح وأنها لم تستفد شيئاً من الحرب.
كما أن تواجدها العسكري خدم مصالح الصين وروسيا، لأنه وفر الاستقرار السياسي في منطقة آسيا الوسطى التي يمر بها مشروع "الحزام والطريق" إلى منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وباكستان.

وبالتالي فإن الاستراتيجية الأميركية الجديدة ربما تصب في خانة "ترك الصراع الأفغاني ليمتد لهيبه في منطقة آسيا الوسطى، وربما يمتد لتصيب شظاياه كلّاً من الصين وروسيا التي توجد بها جماعات وأقليات إسلامية تعاني من الاضطهاد".

المساهمون