قفزة في تكاليف معيشة السوريين: تفاقم الغلاء والجوع

15 يناير 2021
ارتفاع أسعار الخبز بنسبة 100% (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

ارتفعت تكاليف معيشة الأسرة السورية من 660 ألف ليرة بداية الربع الثالث من العام الماضي، إلى 732 ألف ليرة حاليا، وفق مؤشرات "مركز قاسيون" في العاصمة دمشق، بعد تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار، من 2270 ليرة مطلع أكتوبر/تشرين الأول من عام 2020 إلى نحو 2900 ليرة حاليا في السوق السوداء.

ويشير المركز السوري إلى أن مجمل تكاليف المعيشة ارتفعت بنسبة 11% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وهي تكاليف سلة إنفاق الأسرة المكوّنة من خمسة أشخاص على ثماني حاجات أساسية "الغذاء، والسكن، والصحة، والتعليم، والملابس، والأثاث، والنقل والاتصالات"، مبيناً أن تكاليف الغذاء والمشروبات الأساسية، ارتفعت بمقدار الخمس، بين سبتمبر/أيلول 2020 ومطلع يناير/كانون الثاني الجاري.

وأصبحت حاجات الأسرة المؤلفة من خمسة أشخاص من الغذاء فقط بنحو 376500 ليرة، موزعة على مكوّنات الغذاء اليومي الضرورية لكل فرد، مع إضافة الزيوت والمشروبات الضرورية.

وحسب "مركز قاسيون"، جاءت زيادة تكاليف المعيشة، جراء ارتفاع أسعار الغذاء "خبز، حبوب، خضر وفواكه، زيوت ولحوم"، في حين لم تتبدل بقية التكاليف الأخرى، ككلفة السكن الشهرية عند 130 ألف ليرة، الأثاث المنزلي 36900 ليرة، الصحة 33500 ليرة، التعليم 30 ألف ليرة، الملابس 23 ألف ليرة، الاتصالات 11 ألف ليرة، مع إضافة 8% للحاجات الأخرى، فإن مجمل التكاليف تصل إلى 732 ألف ليرة.

وتشهد الأسواق السورية ارتفاعات حادة في السلع الغذائية، بعد عودة تصدير الخضر والفواكه واللحوم إلى السعودية وروسيا، وارتفاع أسعار السلع الصناعية، عقب رفع أسعار حوامل الطاقة، في مقدمتها المازوت الصناعي بنسبة 116% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليصل سعر الليتر إلى 650 ليرة سورية، ما تسبب في ارتفاع الأسعار، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الأولية المستوردة، وفق تقدير المراقبين.

وفي هذا السياق، يقول الاقتصادي السوري علي الشامي، من دمشق: "ربما السؤال الأول هو، كيف يتدبر السوريون تكاليف معيشتهم إن كان متوسط الأجور 60 ألف ليرة وتكاليف المعيشة 732 ألفاً؟ ومحاولات الإجابة على هذا السؤال، تكشف مستوى الفقر ومحاولات تحايل السوريين على سياسة التجويع والإذلال، ابتداء من التسوّل مروراً ببيع ممتلكات بيوتهم وانتشار الرذيلة.

ويكشف الشامي لـ"العربي الجديد" أن أكثر من 80% من السوريين، ألغوا البروتين الحيواني من قوائم استهلاكهم، إذ يزيد سعر كيلو لحم الخروف عن 13 ألف ليرة، كما انتشر شراء الفواكه بالحبة الواحدة، بعد وصول متوسط سعر كيلو الفواكه إلى نحو 2000 ليرة سورية.

ويضيف: "السوريون يركزون على ما يبقيهم على قيد الحياة، كالخبز الذي ارتفع سعره 100% خلال الفترة الأخيرة، وتأمين طرق التدفئة، في ظل انقطاع الكهرباء ونفاد المازوت من الأسواق وانتشار أسواق سوداء لمشتقات النفط أوصلت سعر ليتر المازوت إلى أكثر من 1000 ليرة سورية، علماً أن سعر الليتر للمواطنين "وفق البطاقة الذكية" 180 ليرة. لكن حكومة بشار الأسد أوقفت توزيع المازوت المدعوم، بعد أن خفضت الكمية إلى 200 ليتر للأسرة خلال العام".

ويشير الاقتصادي السوري إلى أن أعلى نسبة ارتفاع أسعار وتكاليف معيشة، كانت خلال عام 2000، لأن النظام السوري انسحب تدريجياً من دعم السلع والمنتجات ورفع أسعار المحروقات والخبز، وترك الأسواق إلى الفوضى وجشع التجار، فوصل سعر كيلو السكر إلى 1800 ليرة، وزاد سعر كيلو البندورة "الطماطم" عن ألف ليرة، لتكون تكاليف المعيشة قد ارتفعت بنسبة 192% خلال العام الماضي. إذ بحسب مركز قاسيون نفسه، كانت تكاليف معيشة الأسرة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص نحو 380 ألف ليرة ووصلت حاليا إلى 732 ألف ليرة.

ويختم الاقتصادي السوري، أنه بواقع ارتفاع الأسعار، يستمر نظام بشار الأسد في تصدير غذاء السوريين من الخضر والفواكه واللحوم إلى روسيا ودول الخليج، مضيفاً: "الآن يوجد 500 براد خضر وفواكه متوقفة على الحدود المصرية، بحسب تصريح حكومة الأسد".

ويعاني السوريون أزمة معيشة خانقة، خاصة بعد تراجع التحويلات الخارجية إثر إلزام نظام الأسد التحويل عبر الشركات الرسمية وبسعر 1250 ليرة للدولار، في حين يصل سعر الدولار في السوق السوداء نحو 2800 ليرة، ما حرم السوريين، بحسب مراقبين، من الاستفادة من نحو 5 ملايين دولار، كانت تحوّل من أهليهم وذويهم يومياً.

وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، قد حذّر من أن سورية تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة، حيث يفتقر أكثر من 9.3 ملايين شخص إلى الغذاء الكافي.

وفي حين يشير البرنامج الأممي خلال تقرير نشره في يونيو/حزيران الماضي، إلى أن عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 1.4 مليون خلال النصف الأول من العام الماضي، تؤكد إليزابيث بايرز، المتحدثة باسم البرنامج، أن أسعار السلع الغذائية ارتفعت بأكثر من 200 بالمائة في أقل من عام.

وحذرت أكجمال ماجتيموفا، ممثلة منظمة الصحة العالمية في سورية، من ارتفاع نسبة الفقر، مشيرة إلى أن 90% من سكان سورية يعيشون تحت خط الفقر البالغ دولارين في اليوم، بينما تتزايد الاحتياجات الإنسانية.

ويرى أستاذ الإدارة عبد الناصر الجاسم، أن أسباب ارتفاع تكاليف معيشة السوريين تعود إلى تراجع سعر صرف الليرة، قائلاً: "لو قيمنا الأسعار بين عام 2011 واليوم بأي عملة رئيسية، فلن نجد ارتفاعاً، فالمشكلة بالليرة التي يتقاضاها السوريون، والتي هوت من نحو 50 ليرة للدولار إلى نحو 2800 ليرة اليوم".

كما أن هناك أسبابا أخرى، برأي الجاسم، "تتعلق بتصدير المنتجات السورية، ما يؤدي إلى خلل العرض في الأسواق، كما لا يمكننا إبعاد الاحتكار وفوضى الأسواق وغياب الرقابة".

ويتوقع الجاسم، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن يشهد العام الجاري مزيداً من الغلاء، وبالتالي زيادة نسبة الفقر وصيحات الجوعى، معتبراً أن حل زيادة الأجور "غير مجدية"، لأن الأسواق سترفع الأسعار ويزداد التضخم، إن تم ضخ كتل نقدية بالليرة السورية عبر طبع العملات في روسيا.

ويؤكد الأكاديمي السوري أن نسبة ارتفاع السلعة الغذائية للسوريين بلغت 332% خلال العام الماضي.

المساهمون