كشفت بيانات رسمية صادرة عن معهد الإحصاء الحكومي أن مؤشر أسعار المنازل في تونس قفز خلال الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 23.7% مقارنة بذات الفترة من العام الماضي، ما أدى إلى ارتفاع المؤشر العام لأسعار العقارات بشكل عام بنسبة 15.4% على أساس سنوي، الأمر الذي أرجعه مختصون إلى الزيادات المتواصلة لأسعار مواد البناء، لا سيما الحديد الذي يشهد شحاً في المعروض وارتفاعاً كبيراً في الأسعار.
وشهدت أسعار الحديد المخصص للبناء ارتفاعاً حاداً، إذ زادت مرتين منذ بداية العام الجاري، فيما تطالب مصانع الحديد التي دخلت في صدام مع السلطة بزيادة ثالثة، وسط تجفيف للمعروض في السوق من هذه السلعة الرئيسية.
وفي يناير/ كانون الثاني، سمحت وزارة التجارة برفع سعر الحديد بنسبة 15% تلتها زيادة أخرى في مارس/ آذار بنسبة 10%، وذلك استجابة لطلبات المصنعين، الذين عادوا لطلب تعديل جديد بنسبة تقدر بـ 15%، ما يرفع من نسبة زيادة الأسعار منذ بداية العام الجاري إلى 40%.
وبرّر مصنعو الحديد التعديلات المتواترة في الثمن بارتفاع السعر عالمياً، إذ زاد ثمن الطن الواحد من 603 دولارات في مارس/ آذار إلى نحو 725 دولاراً للطن في مايو/ أيار.
قال رأفت القمودي، صاحب إحدى شركات التطوير العقاري، إن شركته علّقت كل المشاريع المبرمجة إلى حين اتضاح الرؤية في السوق، مشيراً إلى أنه اضطر إلى تعديل أسعار الشقق التي وقع عقود بيع مبدئية مع أصحابها في مناسبتين، وهو ما يسبب له إشكاليات كبيرة مع العملاء.
وأكد القمودي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن شركات التطوير العقاري تحت تأثير الزيادات الصاروخية في أسعار المواد الأولية، ولا سيما الحديد، مؤكداً أن تجفيف السوق من قبل شركات الإنتاج تسبب في تعطّل تام لأشغال المقاولات والبناء وتأخير في تسليم المساكن إلى أصحابها، ما يكبد المطورين العقاريين خسائر كبيرة ومقاضاتهم من قبل العملاء بسبب الإخلال ببنود العقود المبرمة بينهم والمتعلقة بآجال التسليم.
وبسبب نقص مادة الحديد في السوق وارتفاع أسعارها، أعلن الرئيس قيس سعيد قبل نحو أسبوعين حملة لتعقب المنتجين والمضاربين، وجرى حجز أكثر من 31 ألف طن من حديد البناء بأحد أكبر المصانع الذي يواجه قضايا بتهمة الاحتكار.
وذكر سعيد، في مقطع مصور نشرته وسائل إعلام محلية ومواقع تواصل اجتماعي، نهاية أغسطس/ آب الماضي: "المحتكرون يسعون للتحكم في السوق وفي سياسات الدولة، ولا مجال للتسامح معهم، وإنهم سيدفعون الثمن غالياً.. هؤلاء مجرمون ينكلون بالشعب التونسي ويدفعون المال لمن يغض الطرف عنهم، لكن الدولة ستستمر وسنتصدى لهم بالحديد".
لكن الخبير الاقتصادي خالد النوري، قال لـ"العربي الجديد" إن غلاء أسعار العقارات والقفزات الصاروخية لأثمان الشقق مردهما إلى المضاربة في أسعار الأراضي المعدة للبناء والمساكن، مشيراً إلى أن قطاع التطوير العقاري أضحى ساحة لتبييض الأموال.
وأفاد النوري بأن أزمة الحديد ليست السبب الرئيسي لزيادة أسعار العقارات وفق النسب المعلن عنها مؤخراً، مؤكداً أن لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي أشارت في تقارير سابقة إلى الخطورة العالية التي يمثلها القطاع العقاري في تونس في مجال غسيل الأموال، مؤكدة معاينة اقتناء عقارات في إطار دمج لأموال مشبوهة.
وعام 2017 نشرت لجنة التحاليل المالية تقريراً فسّر ارتفاع أسعار مواد البناء بظهور فئة جديدة من العملاء الأجانب الذين أقدموا على شراء العقارات، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الوحدات السكنية والأراضي التي بلغت الزيادة السنوية فيها 6% ما بين 2011 و2015 مما جعلها سوقاً رائجة.
وفي السياق، كشفت دراسة صادرة عن الغرفة المهنية للمطورين العقاريين، في إبريل/ نيسان الماضي، عن ارتفاع أسعار العقارات بنسبة 86% خلال السنوات العشر الماضية، مشيرة إلى أن أسعار الوحدات السكنية قفزت خلال السنوات الخمس الأخيرة فقط بنسبة 46%، فيما زادت أسعار المنازل بنسبة 60% والأراضي المعدة للبناء بنسبة 41%.
وأشارت الدراسة التي قام بها مكتب دراسات لفائدة غرفة المطورين العقاريين إلى أن غلاء الأسعار الناتج عن ارتفاع كلفة قروض السكن يعد أيضاً من أبرز أسباب الركود العقاري، بسبب تحمّل المقترضين لقروض ذات نسبة فائدة مرتفعة، فضلاً عن تراجع قدراتهم الشرائية بفعل التضخم. ولفتت إلى أن انتشال القطاع من وضع الركود يحتاج إلى حلول مالية بالأساس، تتمثل في خفض كلفة القروض السكنية التي يحصل عليها المواطنون بما لا يتعدى 7%، بينما تصل نسبة الفائدة حالياً إلى 11%.