قدرة الجزائريين الشرائية إلى القاع: عودة دفاتر الديون

30 سبتمبر 2021
موجة غلاء جديدة بسبب تهاوي سعر الدينار (فرانس برس)
+ الخط -

عادت "دفاتر الديون" لدى المتاجر للظهور مجددا في الجزائر، كمؤشر كبير على انهيار قدرة المواطنين الشرائية، متأثرة بتبخر سريع لقيمة الدينار الذي يأبى التوقف عن التراجع أمام العملات الأجنبية، فيما تحذر نقابات العمال ومنظمات حماية المستهلك من ترنح "الطبقة الوسطى" المهدّدة بالزوال.
في حي "الحراش" الشعبي في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائر، رافقت "العربي الجديد" العامل عبد الرحمان حمادو، بعد سحبه راتبه الشهري، في رحلة تسديد دينه، أو "الكريدي" كما يسمى في الجزائر المشتقة من كلمة "كريدي" الفرنسية والتي تعني الدين والقرض.
جولة العامل الجزائري بدأت بمحل بيع المواد الغذائية الذي بدأ صاحبه في تقليب صفحات دفتر "الديون"، ليجد اسم حمادو أمامه وعليه مبلغ 5600 دينار، ليسددها العامل ويشتري بعض ما يلزم بيته من المواد الغذائية الأساسية.

أعاد تدهور القدرة الشرائية للمواطن بعث المطالب التي رفعتها نقابات العمال منذ 2015، في مقدمتها حماية القدرة الشرائية برفع الرواتب وكبح تعويم الدينار، ومراجعة سياسة الدعم

وكانت الوجهة الثانية للعامل الجزائري، الذي يتقاضى 22 ألف دينار جزائري شهريا (170 دولارا)، مكتبة الحي، التي كانت ملاذا له لاقتناء أدوات أبنائه الثلاثة المدرسية، فكان الدين المترتب عليه حسب "دفتر الكريدي" أو الدين، 8500 دينار، ليبلغ مجموع ما سدده أكثر من نصف الراتب.
وبقي دين بائع الخضر والفواكه الذي لا يتعدى 3000 دينار، في مشهد بات يتكرر كل شهر مع ملايين الجزائريين ذوي الدخل الضعيف والمتوسط، والذين بات دفتر الدين لدى التجار ملاذهم لإنهاء شهر مثقل بالمصاريف التي أنهكت جيوبهم المكوية بغلاء المعيشة.

يقول حمادو إن "الشهر يمر وكأنه سنة، إذ ينتظر الراتب (الضعيف) ليخفف الدين عليه، ففي الأشهر الأخيرة بات يتداين عند بائع المواد الغذائية وبائع الخضر وحتى الصيدلي، وإلا سيموت هو وعائلته بالجوع"، حسب العامل، الذي يعمل كعون صيانة في شركة خاصة.

وعاود الدينار الجزائري الانخفاض ليسجل أرقاماً غير مسبوقة أمام العملات الأجنبية، منذرا بإنهاء سنة 2021 عند مستويات كانت بالأمس القريب من المستحيلات، مهددا بانهيار سريع وأكبر للقدرة الشرائية للجزائريين، المنهكة جيوبهم بغلاء المعيشة.
وسجل الدولار في التعاملات الرسمية، في 20 سبتمبر/ أيلول الحالي، 136.9 دينارا، متراجعا قليلا بمقدار 0.24 دينار خلال 12 يوما فقط، إذ سبق أن سجل في 8 سبتمبر الحالي 136.36 دينارا، في آخر تهاوٍ غير مسبوق في تاريخ العملة الجزائرية أمام العملة الخضراء.
ويعتبر التراجع التاريخي للدينار في التعاملات الرسمية الرابع من نوعه في غضون شهرين، ففي 25 يوليو/ تموز المنصرم، سجل الدولار 135.09 دينارا للدولار الواحد، ثم 135.41 دينارا في 9 أغسطس/ آب المنصرم، ثم واصل الدينار تسجيل الأرقام القياسية هبوطاً.
وبهذه الوتيرة، يُرتقب أن يتخطى الدولار عتبة 140 دينارا قبل نهاية السنة، حسب مراقبين، رغم الخطاب الرسمي المطمئن.

انعكست تراجعات أسعار الدينار سلباً على أوضاع المواطنين المعيشية، حيث شهدت أسعار العديد من المواد الاستهلاكية، خاصة الغذائية، ارتفاعات كبيرة

وانعكست هذه التراجعات في أسعار الدينار سلباً على أوضاع المواطنين المعيشية، حيث شهدت أسعار العديد من المواد الاستهلاكية، وخاصة الغذائية منها، ارتفاعات كبيرة.
يقول صاحب "سوبر ماركات" في حي باب الزوار، وسط الجزائر العاصمة، محمد ليمان، إنه لاحظ "شيئا مخيفا في الأشهر الأخيرة، بالموازاة مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية من غذائية ومواد النظافة وغيرها، وهو تغير سلوك الجزائريين الاستهلاكي، فالأسر تخلت عن الكماليات"، كما لجأ الكثير من زبائنه للتداين لحين سحب الراتب.
وأعاد تدهور القدرة الشرائية للمواطن الجزائري بعث المطالب التي رفعتها نقابات العمال منذ 2015، في مقدمتها حماية القدرة الشرائية برفع الرواتب وكبح تعويم الدينار، ومراجعة سياسة الدعم، حتى يستفيد منه من هو بحاجة له أكثر.

وفي السياق، يقول رئيس نقابة عمال التربية والتكوين (عضو في كنفدرالية النقابات المستقلة)، صادق دزيري، إنه "صدم" حينما سمع أن معلمين باتوا يتداينون من التجار لإكمال أيام الشهر نظرا لغلاء المعيشة، بالرغم من مكانة المعلم في المجتمع.
وأضاف: "هذا مؤسف ليس من باب التمييز بين العمال، بل لأننا كنقابات حذرنا منذ سنوات من وقوف نصف الجزائريين على أعتاب الفقر بسبب انهيار قدراتهم الشرائية. عندما يتجه مواطن لشراء ما يحتاج إليه ويطلب من التاجر تسجيل ذلك في دفتر الدين، هذا يعني أن هذا المواطن ليس من الطبقة الميسورة أو الوسطى، بل هذا المواطن أقرب للفقر".

خبير لـ"العربي الجديد" : جيوب المواطنين تفقد دوريا الكثير من قدرتها الشرائية وتقترب بسرعة من الانهيار

وتابع النقابي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تكتل النقابات المستقلة الناشطة في مختلف القطاعات سيجتمع قريبا لدراسة وضعية العمال المعيشية. الأكيد سنستمر في الضغط على الحكومة إلى غاية إنقاذ جيوب الجزائريين المنهكة بغلاء المعيشة".
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي والمستشار المالي عبد الهادي قدوري إن "الدينار تراجع بواقع 11 بالمائة مقارنة بشهر إبريل/ نيسان الماضي، وبعملية حسابية بسيطة نضيف حجم التراجع أو (التعويم) حتى نكون أكثر دقة، لحجم التضخم البالغ 4 في المائة حسب أرقام الحكومة المشكوك فيها، نجد أن معدل الأسعار ارتفع بواقع 15 في المائة".
وأضاف الخبير الجزائري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "جيوب المواطنين تفقد دوريا الكثير من قدرتها الشرائية وتقترب بسرعة من الانهيار".

المساهمون