التوقعات السلبية الخاصة بمستقبل الاقتصاد العالمي وحالة الغموض وعدم اليقين، سواء في ظل تفشي فيروس كورونا أو بعد انقشاع الوباء، تجعل من المنطقي الوصول إلى نتيجة مفادها أن هناك زيادة مرتقبة في منسوب المخاطر الاقتصادية والمالية خلال الفترة المقبلة، خاصة مع توقعات قوية بحدوث انكماش ضخم في الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري، وتردي الأوضاع الاقتصادية ومعدلات النمو حول العالم بشكل لم يحدث منذ الكساد الكبير في العام 1929، وتكبد العالم خسائر متوقعة خلال العامين 2020 و2021 جراء تفشي الوباء قد تصل إلى 9 تريليونات دولار.
ومع تلك النتيجة هناك نصيحة عنوانها "احتموا بالذهب وسارعوا لحيازة المزيد من المعدن النفيس"، فهو الملاذ الآمن وأداة الاستثمار شبه المضمونة سواء للبنوك المركزية أو بنوك وصناديق الاستثمار وكبار المستثمرين الدوليين، وحتى للأفراد الذين تزداد حيرتهم وقت تفاقم الأزمات ويخشون من ضياع مدخراتهم أو تحويشة العمر، خاصة إذا ما أقدمت بعض الحكومات على خفض قيمة العملات المحلية أو تعويمها في حال طول أمد فيروس كورونا، أو في حال حدوث قفزات في معدل التضخم التي تؤدي إلى تآكل الأموال وترفع الأسعار.
يوم الثلاثاء الماضي خرج علينا صندوق النقد الدولي بتقرير حمل مؤشرات متشائمة وسلبية، أبرزها توقعات بتحقيق الإنتاج العالمي نمواً سالباً بنسبة 3% خلال العام الجاري 2020، وتراجع الاقتصاد الأميركي، الأكبر في العالم، بنسبة 5.9%، وتراجع اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 7.5%، على أن تتحول تلك الأرقام السلبية إلى الإيجابية في 2021، بشرط انتهاء أزمة كورونا خلال النصف الثاني من العام الحالي.
وحذر الصندوق كذلك من تسبب الركود الذي تشهده مختلف الأسواق حول العالم في تصدعات في النظام المالي العالمي، وقال إن "الركود الحالي، الذي يعد أكبر ركود يتعرض له الاقتصاد العالمي منذ الكساد الكبير الذي بدأ أواخر العشرينيات من القرن الماضي، يمثل تهديداً كبيراً لاستقرار النظام المالي العالمي، وقد يتسبب في تضييق على من يحتاجون للاقتراض".
ومع زيادة تلك المخاطر، ومع أسواق مال وأسهم في وضع غير مُطمئن مع استمرار تهاوي البورصات والمؤشرات المالية، وهروب الأموال من الأسواق الناشئة، تتجه أنظار المستثمرين إلى الذهب الذي حقق زيادة في سعره خلال الفترة الماضية، رغم قيام حكومات وبنوك مركزية كبرى ببيع كميات كبيرة منه، للحصول على سيولة نقدية تمكنها من تمويل خطط التحفيز الضخمة التي اقتربت قيمتها من 5 تريليونات دولار في الولايات المتحدة وحدها، إضافة إلى تريليونات أخرى في دول العالم.
يدعم تلك التوجه توقعات بنوك الاستثمار الكبرى، ومنها مجموعة "سيتي جروب" الأميركية التي توقعت قبل أيام أن يصل سعر الذهب إلى 1700 دولار للأوقية خلال الفترة من 6 إلى 12 شهراً المقبلة، ليزيد إلى ألفي دولار في غضون الـ12 إلى 24 شهراً المقبلة، بل وهناك توقعات لمؤسسات أخرى منها "تي دي سيكيوريتيز" ترفع سعر الذهب إلى ألفي دولار بنهاية العام الجاري، و3 آلاف دولار للأوقية خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وتوقّع "كوميرتس بانك"، وهو واحد من أكبر البنوك الألمانية، أن يرتفع سعر الذهب إلى 1800 دولار بنهاية العام الجاري، مستفيداً من اضطراب أسواق المال وإغلاق الاقتصادات العالمية، وربما يصل إلى هذا الرقم خلال شهور قليلة مع استمرار الخسائر الناجمة عن تفشي كورونا، وفي ظل حالة عدم اليقين من كبح جماح الوباء، واستمرار الرؤية الضبابية لاقتصادات العالم.
ومع خفض أسعار الفائدة على الدولار والعملات الرئيسية مثل اليورو والاسترليني، وزيادة المخاطر العالمية ومعدلات البطالة، وتراجع معدل النمو الاقتصادي حول العالم، يصبح الاستثمار في الذهب هو الأكثر أمانا بالنسبة للجميع والأقل من حيث نسب المخاطر في زمن كورونا.