المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية تواجه تحديات وسط الحرب

17 نوفمبر 2024
الخسائر نحو 1.7 مليار دولار جراء العدوان، الضاحية الجنوبية في 16 نوفمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحديات الاستمرار في العمل: لينا الخليل تواجه صعوبات في تشغيل صيدليتها بسبب القصف، مما يضطرها لنقل الأدوية وتقليص ساعات العمل، مع خسائر مادية كبيرة وتأثير على رواتب الموظفين.

- تأثير الحرب على الأعمال التجارية: علي مهدي يعاني من تراجع المبيعات ونقل البضائع لمواقع آمنة، مما أدى لتقليص عدد الموظفين وتحديات في اتخاذ قرارات الاستيراد والحفاظ على السيولة.

- الأضرار الاقتصادية الواسعة: الحرب تسببت بخسائر تقدر بـ1.7 مليار دولار، مع توقف النشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد، وعبد الرحمن زهر الدين يعاني من دمار مقهاه وخسائر كبيرة.

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل حوالى شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً يتمثل في فتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريباً، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك. وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في العام 1956 بأنّها "أهم من بيتي.. ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاما".

في الكثير من الأحيان، تسارع الخليل الى إقفال أبواب الصيدلية عندما يصدر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان بالإخلاء قبل البدء بشنّ غارات. وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70% من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى. وهي مقيمة حالياً داخل العاصمة، وتتوجّه يومياً الى بلدة عاليه الواقعة على بعد حوالى 20 كيلومتراً من بيروت لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.

وحال لينا الخليل كما حال العديد من سكّان ضاحية بيروت الجنوبية الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة وشجاعة. وتؤكد الخليل أنّ "الخسائر المادية كبيرة"، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حاليا نصف راتب بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.

عائدون من الموت

مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طاول المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 ألف إلى 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها. في الضاحية، كان علي مهدي قد خاض مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاماً. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات الإسرائيلية في جنوب البلاد.

لكن مهدي اضطر للبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان. ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الأربعة والمستودع إلى ثلاثة مواقع داخل بيروت وفي محيطها. ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور وكأنهم "عائدون من الموت" بعد سماعهم بالإنذارات للسكان بإخلاء مناطق، والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.

كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفاً نزح معظهم إلى مناطق بعيدة، ما دفع الشابين إلى التخلّي عنهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلّيا عن آخرين، وبدأ بدفع نصف الرواتب لمن بقي. ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حالياً على "تصفية ما لدينا من بضائع"، مضيفاً أنّ حركة البيع خفيفة. 

العدوان الإسرائيلي على لبنان، الضاحية الجنوبية في بيروت 16 نوفمبر 2024 (فرانس برس)
توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد في الضاحية الجنوبية (فرانس برس)

وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، التي تصاعدت منذ سبتمبر/أيلول الماضي. وفي تقرير صدر عن البنك الدولي الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بحوالى 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1.7 مليار دولار. وتتوقع المؤسسة أن تتركّز حوالى 83% من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 % منها في بقية أنحاء لبنان.

تحدي الاستمرار في ضاحية بيروت الجنوبية

ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظراً إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه "مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة" التي يملكها. ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت: "هناك خسائر كبيرة".

بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال، ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك في المناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.

وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طاول مقهاه في الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية في غارة إسرائيلية. بعدما غادر في نهاية سبتمبر إلى وجهة أكثر أماناً، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديداً وحجارة متراكمة.

على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتاً على أحد الجدران. وبجانبه متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديد المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله. يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي: "لم تبقَ إلا الحجارة". ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ"الغصّة والحزن" جراء ما حلّ بـ"مصدر رزقه" الوحيد. ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكدا أنّ الخسائر التي تكبّدها "كبيرة وقد تبلغ 90 ألف دولار". 

(فرانس برس)

المساهمون