قالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني إن دولاً عربية تبنت إجراءات مالية قاسية لاحتواء تداعيات أزمة كورونا على ماليتها العامة، مهددة برد فعل سياسي واجتماعي عنيف في العام المقبل في ظل غياب أي تحسن اقتصادي.
وبعد انكماش حاد هذا العام، من المتوقع أن تعود معظم اقتصادات المنطقة إلى النمو مع تعافي أسعار النفط وتراجع الإنفاق التحفيزي لمواجهة جائحة كوفيد-19.
لكن فيتش ذكرت في تقرير هذا الأسبوع أن "انخفاض أسعار النفط لفترة أطول وغيرها من التداعيات المحتملة للجائحة تطرح تساؤلات بشأن النماذج الاقتصادية والاجتماعية في المدى الطويل لبلدان دول مجلس التعاون الخليجي".
وذكر التقرير أن إجراءات الضبط "المالية القاسية والاضطراب الاقتصادي جراء تدابير احتواء فيروس كورونا تنذر برد فعل اجتماعي واقتصادي عنيف في 2021، في ظل غياب الفرص الاقتصادية وتحسن المعايير المعيشية لإرضاء الشعوب التي ما زالت تنمو على نحو سريع ويغلب عليها سن الشباب وتعاني من قلة التوظيف".
ورفعت السعودية، أكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدر للنفط في العالم، ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها هذا العام إلى 15 في المائة لتعويض الضرر الذي تكبدته ماليتها العامة بفعل انخفاض أسعار النفط.
وأعلنت سلطنة عمان، أحد أضعف البلدان من الناحية المالية في الخليج، عن خطط لفرض ضريبة قيمة مضافة في العام المقبل في إطار إجراءات لإنعاش خزائن الدولة المتضررة من هبوط أسعار النفط.
وقالت فيتش: "رد الفعل الاجتماعي في مواجهة الإصلاحات... المالية يشكل خطرا ينذر بخفض التصنيفات الائتمانية في 2021 لا سيما في عمان والسعودية وإلى حد ما في العراق والأردن وتونس".
وفي تقرير منفصل هذا الشهر، قالت الوكالة إن عُمان المثقلة بعبء الدين ستسجل على الأرجح أداء أقل من أهدافها المالية وستكون عمليات السحب من الأصول والدعم المالي الخارجي مهمة لتغطية احتياجاتها التمويلية في الأعوام المقبلة.
وشرحت فيتش أنه من المتوقع تحسن التوازنات المالية الكلية للدول المصدرة للنفط في المنطقة في العام المقبل مع تعافي أسعار النفط إلى 45 دولارا للبرميل في المتوسط، لكن العجز سيظل كبيرا ومن المتوقع استمرار زيادة مستويات الدين.
وتتوقع الوكالة أن يبلغ إجمالي مبيعات الدين الخارجي لدول مجلس التعاون الخليجي 50 مليار دولار فيما سيصل السحب من صناديق الثروة السيادية إلى 60 مليار دولار وستسجل إصدارات الدين المحلية نحو 40 مليار دولار، معظمهما من السعودية.
دولياً، قالت وكالة فيتش إنه من غير المرجح رفع تصنيف أي من الاقتصادات الكبيرة في 2021 على الرغم من التطورات المرتبطة بالتحصين من مرض كوفيد-19 في الآونة الأخيرة، مضيفة أن بلدانا في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا تبدي أعلى مستويات التعرض لمزيد من التحرك السلبي في العام المقبل.
وقال توني سترينغر مدير العمليات المعني بالتصنيفات السيادية العالمية في فيتش في رد على استفسارات من رويترز مرسلة بالبريد الإلكتروني: "لدينا تصنيفان سياديان فحسب (ساحل العاج ونيوزيلندا) مع نظرة مستقبلية إيجابية لذلك يبدو في الوقت الراهن أن رفع التصنيف الائتماني لأي اقتصاد كبير مستبعد في 2021".
وأضاف: "المنطقتان اللتان شهدتا بالفعل معظم عمليات خفض التصنيف الائتماني (أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا) تبديان بالفعل أعلى مستويات التعرض لمزيد من التحرك في الاتجاه السلبي في ظل 9 و12 نظرة مستقبلية سلبية على التوالي".
وقال بريان كولتون كبير الاقتصاديين في فيتش لرويترز إن البلدان التي تضررت بشدة من جائحة كورونا ستشهد الحد الأقصى من الانتعاش الاقتصادي من لقاح فعال وهو ما سيجري طرحه على نحو سريع في النصف الأول من العام المقبل.
وأضاف "ستستفيد كافة البلدان المتقدمة على نحو واضح (من اللقاح) لكن بريطانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا كانت ضمن الأكثر تضررا في النصف الأول من 2020 وحجزت بريطانيا والاتحاد الأوروبي طلبيات ضخمة من لقاحات فايزر ومودرنا وأسترازينيكا".
كما ذكر أن بداية 2021 ستكون ضعيفة في أوروبا والولايات المتحدة بفعل إجراءات العزل العام المشددة في الآونة الأخيرة وأن أوضح استفادة من أرقام النمو السنوي ستظهر في 2022.
وذكر كولتون أن فيتش تتوقع أن يكون توزيع اللقاح أبطأ في الأسواق الناشئة نظرا لأن العوامل اللوجيستية لبرامج التحصين الجماعي قد تنطوي على تحديات أكبر فيما كان الحجز المسبق لطلبيات اللقاحات أقل من البلدان المتقدمة.
تأتي هذه التصريحات فيما لا تزال حالات الإصابة بفيروس كورونا في تزايد على مستوى العالم، وكشف إحصاء لرويترز أن الولايات المتحدة سجلت ذروة في الإصابات بمتوسط 193863 حالة يوميا على مدى الأسبوع الماضي.
وقالت فيتش أمس الثلاثاء إن الضبابية المتعلقة بانتشار فيروس كورونا فضلا عن التداعيات الاقتصادية للجائحة في الوقت الراهن وفي المدى الأطول ستواصل الضغط على الماليات العامة العالمية في 2021.
وأشارت الوكالة إلى أن انتعاش الناتج المحلي الإجمالي العالمي سيتعزز اعتبارا من منتصف 2021 حيث تبدو عمليات التحصين من الفيروس وشيكة في الوقت الراهن.
وفي الأسبوع الماضي، قالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني لرويترز إن معظم التصنيفات السيادية تواجه "صدمة سلبية كبيرة" من الجائحة فيما ذكرت ستاندرد آند بورز في أكتوبر/ تشرين الأول أن بعض أكبر اقتصادات العالم قد تشهد خفضا لتصنيفها الائتماني أو تحذيرا من الخفض في الشهور المقبلة.
(رويترز)