استمع إلى الملخص
- تعاني الطبقة المتوسطة من ضغوط اقتصادية متزايدة، مما أدى إلى تراجع استهلاك اللحوم والبحث عن بدائل أرخص مثل الدواجن والأسماك. يؤثر ارتفاع تكاليف المعيشة على قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية.
- يواجه الجزارون تحديات بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل والضرائب، مما يدفعهم لتغيير نشاطهم. تعتمد مصر على استيراد اللحوم، مما يزيد التكاليف ويؤدي لتذبذب الأسعار، محذرين من تفاقم الأزمة وانتشار منتجات مستوردة مهددة للصحة.
بين الركود والتضخم تواجه أسواق اللحوم في مصر حالة من الفوضى تدفع آلاف الجزارين (القصابين) إلى الخروج من صناعة شعبية مركزية لملايين الأشخاص، بدءاً من العاملين في الإنتاج الزراعي والحيواني والموردين للمواشي والأعلاف، والمنتجات البيطرية وحتى صناعات الألبان واللحوم والجلود.
تظهر مؤشرات أسعار اللحوم تبايناً كبيراً بين المعروض في منافذ التوزيع الثابتة والمتنقلة التابعة لوزارات الدفاع والداخلية والتموين حيث تباع بما يتراوح بين 280 إلى 380 جنيهاً لكيلو غرام للحم البقري، وبين السويقات الشعبية التي تعرض لحوم جاموسي بسعر 220 جنيها للكيلو غرام، وعلى مقربة منها منتج مماثل يصل سعره إلى ما بين 420 جنيهاً و480 جنيها، بينما يصل متوسط سعر البيع بمحلات المدن والمراكز التجارية إلى 500 جنيه.
يتعرض مستهلكو اللحوم إلى كم هائل من الدعاية حول منافذ وأسعار بيع اللحوم في الجهات الحكومية، تأتيهم عبر الصحف والتلفاز يومياً، بينما يستهدف القطاع الخاص الجمهور عبر تطبيقات الهواتف النقالة، ليبين المميزات السعرية ونوعية المنتجات، وعروض التخفيضات اليومية.
تتلقف السيدة "روحية" المقيمة في منطقة هضبة أهرامات الجيزة غرب القاهرة، أحد العروض التي أعلنت عنها منافذ القوات المسلحة على مشارف مدينة الشيخ زايد، التي تبعد عن منزلها نحو 20 كيلومتراً، حيث تعرض لحوماً طازجة بسعر 380 جنيها وأخرى بنحو 320 جنيهاً للكيلو، فتعيد إرسال العرض لجاراتها في المنطقة ذات الأغلبية من الطبقة المتوسطة، وفق حديثها مع "العربي الجديد".
اتجهت "روحية" التي تعمل في إحدى شركات التأمين العامة، مع عدد من أترابها إلى الموقع المحدد على الطريق الرئيسي في مدينة الشيخ زايد، لتجد أن السعر مطابق للإعلان المرفق في الجريدة الرسمية، مع اختلاف تراه بسيطاً، حيث يفرض المنفذ على المستهلكين شراء اللحم بمشتملاته من عظم ودهون، والتي كانت تحرص على إزالتها قبل الشراء من المحلات الخاصة.
تظهر "روحية" حالة من الرضا على ما حصلت عليه، لإدراكها، كما قالت لـ"العربي الجديد" إن الميزانية لم تعد تسمح بأن تشتري ما تحتاجه من لحوم بأسعار مرتفعة خلال الشهر، مبينة أنه رغم ارتفاع الأسعار فإن ما أصابها من زيادة لا يقارن بما شهدته السلع الغذائية الأخرى التي تضاعفت خلال عام واحد، بما فيها الأجبان والخبز.
تعكس سعادة "روحية" حالة التعايش من جانب ربات البيوت المصرية مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تدفع الملايين من الطبقة المتوسطة إلى حافة الفقر، الذي بات يطاول نحو ثلث تعداد السكان البالغ إجماليه حوالي 109 ملايين نسمة العام الجاري.
كشفت دراسات ميدانية حديثة عن تراجع استهلاك اللحوم البيضاء والحمراء، خلال العامين الأخيرين، بمعدلات تقدر بين 30% إلى 70%، بينما تظل الطبقة الوسطى حريصة على تناولها مع البحث عن بدائل بروتينية أرخص، لمواجهة زيادة ارتفاع الدواجن واللحوم الحمراء والأسماك، مع تقليل معدلات وكميات الاستهلاك شهرياً.
يُقسم محمد عطية مدير إدارة في إحدى الشركات العامة بدلتا النيل أنه لم يدخل اللحوم الحمراء بيته منذ 6 أشهر، رغم أن متوسط راتبه الشهري يصل إلى 10 آلاف جنيه شهرياً (حوالي 196 دولار)، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن تركيزه على توجيه راتبه لدفع فواتير المياه والكهرباء والانترنت والعلاج الشهري وتعليم ابنيه بالمراحل التعليمية العليا والمتوسطة، لا تمكنه من القدرة على شراء كيلو لحم واحد شهرياً.
يشير عطية إلى اكتفائه بشراء الدواجن مرة كل أسبوعين وتبادلها مع الأسماك الشعبية كالبلطي، مع التوسع في تدبير نفقات البروتين النباتي كالفول والعدس ليحافظ على صحة أولاده المحسوبين رسميا ضمن نطاق الطبقة الوسطى، والمهددة برفع الدعم العيني عنها، من خبز وزيت وسكر خلال الفترة المقبلة.
يبدي عطية غضباً مكبوتاً من عدم قدرته على توفير احتياجات أبنائه الأساسية، في ظل الارتفاع المستمر للسلع ونقص المعروض من البدائل، التي يراها ضرورية، للحد من سوء التغذية السليمة التي تهدد معظم الأطفال، وتؤثر على قدرتهم على التحصيل الدراسي.
بلغ التضخم في أسعار المستهلكين 25.5% وفق البيانات الحكومية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فيما تأمل الحكومة في أن يتراجع بنحو 9% قبل نهاية العام المالي في يونيو/حزيران 2025، في تناقض مع توقعات الخبراء بزيادته مدفوعا بتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار إلى معدلات قياسية، حيث اقترب الدولار من كسر حاجز 51 جنيها، بزيادة 7% عن مارس/آذار 2024، ونحو 45% عن المعدلات السائدة في ديسمبر/كانون الأول 2023.
يرجع رئيس شعبة القصابين في غرفة تجارة الجيزة سعيد زغلول، ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في الأسواق إلى ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، واعتماد الدولة على توفير اللحوم الحمراء باستيراد 95% من احتياجاتها اليومية من الخارج، مؤكدا أن التذبذب في السعر من وزارة لأخرى وبين الباعة إلى اختلاف نوعية اللحوم وطريقة الإنتاج والتوزيع.
يشير زغلول إلى أن شركات الجيش تأتي بالمواشي من السودان وجيبوتي وتذبحها عند منافذ الوصول في الموانئ، لتباع على أنها طازجة بسعر منخفض لا يتجاوز 380 جنيهاً، بينما نفس الماشية تأتي للمستوردين المجبرين على حجزها بالمحاجر الصحية قبل ذبحها بفترة في مجازر الموانئ أو تظل لعدة أسابيع عن رغبة المستورد في بيعها حية للجزارين داخل البلاد، بما يرفع تكلفة الاستيراد والرعاية.
ويؤكد أن أسواق اللحوم خالية من اللحوم البلدية الأصيلة حالياً، إلا ما ندر في المناطق الريفية التي تعتمد على التربية مواشي عبر أفراد أو مجموعات صغيرة والتي تتمسك بأسعار مرتفعة للماشية، خاصة في فصل الشتاء حيث ترتفع تكلفة تغذية المواشي والأعلاف، مبينا أن الفرق بين المنتجين حالياً يظهر في فترة رعاية الأبقار المستوردة داخل البلاد، فبعضها يذبح فورا أو يمكث شهراً وعلى الأكثر يحتفظ به لمدة 5 أشهر ليتغذى على أعلاف محلية تعطي اللحم نكهة اللحوم البلدية.
يفسر زغلول لجوء الجزارين إلى عرض أسعار اللحوم بأسعار مختلفة من منطقة إلى أخرى، بتغير تكلفة إيجارات المحلات سواء كانت إيجارات قديمة أو حديثة التي تبلغ فروقاتها بآلاف الجنيهات لنفس المساحة، بما يدفع الجزار إلى تحويل التكلفة على سعر الكيلو للجمهور.
في سياق متصل يوضح رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية في القاهرة هيثم عبد الباسط، أن الجهات السيادية تشتري اللحوم من جيبوتي والسودان بنحو 180 جنيهاً للكيلو، بينما يشتريه الجزارون بسعر الكيلو القائم بنحو 300 جنيه، بما يحافظ على الفروق السعرية بين الطرفين، مشيرا إلى تحمل الجزارين أعباء الضرائب وارتفاع تكلفة المياه والكهرباء والنقل والتأمينات.
يؤكد عبد الباسط أن الزيادة الكبيرة في التكاليف تدفع آلاف الجزارين إلى تأجير محلاتهم أو تغير نشاطهم، بما يعادل 15% من أعدادهم سنوياً، في ظل عدم قدرتهم على تحقيق عائد إلا في حدود 7% على رأس المال سنوياً. ويقدر بأن 80% من الجزارين يعانون من صعوبة تدبير ما بين 80 ألفاً إلى 100 ألف جنيه لشراء ذبيحة واحدة أسبوعياً، بعد أن كان متوسط الذبائح تصل إلى 3 ذبائح للجزار في المنطقة الشعبية أسبوعيا.
ويحذر عبد الباسط من تجاهل المسؤولين مشاكل الجزارين ومربي الماشية، وتفضيلهم الاستيراد، الذي يكلف البلاد العملة الصعبة دون أن يحل مشكلة نقص اللحوم والأعلاف بصفة دائمة، مبينا أن تجاهل الحلول سمح للمغامرين وأصحاب الثروات المشبوهة بالتلاعب في سوق اللحوم، بعرض منتجات مستوردة مجمدة، على أنها طازجة وأخرى لتجميع المواشي المصابة بالأمراض والحوادث، لبيعها بأسعار رخيصة لا تزيد عن 220 جنيهاً للكيلو، بما يهدد صحة المواطنين ويفسد الصناعة الشعبية التي يعمل بها ملايين الأسر.