فرص التوظيف تضيق أمام شباب تونس

09 أكتوبر 2021
خلال تحرك ضد بطالة الخريجين والخريجات في تونس (الشاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

صادق برلمان تونس في ديسمبر/ كانون الأول 2020 على قانون تشغيل من طالت بطالتهم. حينها، ظّن آلاف الشبان التونسيين من حاملي الشهادات الجامعية أن أبواب الوظائف الحكومية قد شرّعت أمامهم وأن سنوات البطالة أصبحت وراءهم. غير أنه بعد أشهر قليلة من فسحة الأمل هذه، عادت أحلامهم لتتكسر على صخرة واقع البلاد الاقتصادي والاجتماعي الذي قد يؤجل أحلامهم بالوظائف إلى سنوات أخرى.

ويعطي قانون انتداب حاملي الشهادات الجامعية حق التوظيف للذين دامت بطالتهم أكثر من 10 سنوات بما يضمن لهم الانتداب المباشر، وذلك وفق ترتيب تفاضلي للمنتمين إلى هذه الفئات وبناء على مقياسي سنة التخرج وسن المتخرج.

ويطاول قانون انتداب من طالت بطالتهم من خريجي الجامعات، نحو 60 ألفاً من العاطلين من العمل، ما دفع العديد منهم للتظاهر في الشوارع من أجل إلزام السلطات بتطبيق ما أقره البرلمان، فيما يزيد تأزم الوضع الاقتصادي في البلاد من انحسار فرص التوظيف في القطاعين الحكومي والخاص، فضلاً عن زيادة نسب تعثّر المشاريع الخاصة.

صعوبات معيشية

ويقول مكرم الحناشي (39 عاماً)، وهو خريج كلية الآداب في اختصاص الجغرافيا، إن آلاف المعطلين عن العمل ينتظرون دورهم في التوظيف الحكومي، فيما يزداد الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد تعكرا يوما بعد يوم، لتصبح مطالبهم في أسفل ترتيب الأولويات الوطنية. ويؤكد الحناشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن أزمة البطالة في تونس باتت هيكلية وقد تحتاج إلى عقود لتجد طريقها إلى الحل، رغم أن شعار التشغيل والكرامة الوطنية كان أول الشعارات التي صدحت بها حناجر المحتجين في ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، مطالبا بتعويض العاطلين عن سنوات العطالة التي تتحمل الدولة المسؤولية الرئيسية عنها.

ويشير المتحدث إلى أن بطالته فاقت مدتها الـ13 عاما وهو الحامل لشهادة جامعية يفترض أن تسمح له بالالتحاق بوزارة التعليم كمدرس للمرحلة الثانوية في اختصاصه، غير أن مناظرات التوظيف وغلق باب الانتدابات في القطاع الحكومي للعام الخامس على التوالي يجبره على البطالة القسرية أو العمل في وظائف مؤقتة براتب شهري زهيد لا يتجاوز 600 دينار.

وتعاني تونس من مستويات قياسية في نسب البطالة زادتها أزمة كورونا حدة نتيجة خسارة أكثر من 300 ألف تونسي وظائفهم في قطاعات السياحة والتجارة وانحسار فرص العمل في القطاع الموازي مع تواتر غلق الحدود مع كل من ليبيا والجزائر.

بطالة قياسية للشباب

وبحسب البيانات الرسمية لمعهد الإحصاء الحكومي، تقدر نسبة البطالة خلال الثلاثي الثاني من العام الحالي بين فئة الشباب بحوالي 41.7 في المائة، وهي موزعة بين 42.3 في المائة لدى الذكور و40.4 في المائة لدى الإناث. وتعتبر هذه النسبة من ضمن المستويات القياسية للبطالة لدى فئة الشباب، خاصة أن عدداً كبيراً من المعطّلين هم من حاملي الشهادات العليا، حيث يعتبر الخبراء أن هذا المؤشر يقمع طموحات الشباب التي ترتكز على فكرة أن التقدم العلمي قد يزيد من فرص العمل ويرفع مستوى الأجر.

وقدرت البيانات عدد السكان المشتغلين في الثلاثي الثاني من سنة 2021 بـ3.4 ملايين مشتغل يتوزعون بين 2.4 مليون مشتغل من الذكور و990 ألفا من الإناث، بانخفاض يقدر بحوالي 21.9 ألف مشتغل عن الفترة ذاتها من العام الماضي، وارتفع عدد العاطلين من العمل إلى 746.4 ألفاً من مجموع السكان النشيطين، مقابل 742.8 ألف عاطل من العمل تم تسجيلهم خلال الثلاثي الأول.

فيما تقول التقديرات غير الحكومية أن عدد العاطلين من العمل يفوق المليون، وهو تقريبا عدد الأسر التي أدرجتها وزارة الشؤون الاجتماعية على سجلات العائلات الفقيرة والمعوزة. غياب الخطط ويقول الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف إن ارتفاع البطالة إلى معدلات قياسية في البلاد مرده عدم معالجة الأسباب الرئيسية لذلك على امتداد عشر سنوات وغياب الخطط الحكومية العلمية لتناول هذه المعضلة.

ويفيد الشريف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن القطاعات الحيوية في تونس أصبحت طاردة للعمال بعدما كانت من المشغلين الرئيسيين، ولا سيما القطاعات الصناعية والسياحية، مشيرا إلى أن هذه القطاعات فقدت قدرتها التشغيلية حتى قبل جائحة كورونا، ما تسبب في تسريح الآلاف من الموظفين.

ووفق معهد الإحصاء الحكومي، سجلت البطالة أعلى مستوياتها بالمناطق الغربية والجنوب التونسي، بفارق يراوح بين أربع نقاط واثنتي عشرة نقطة مقارنة بالمعدل الوطني للبطالة وهو 17.9 في المائة. وفي مقارنة مع الثلاثي الثاني من العام 2019، أي قبل انتشار كورونا، ارتفعت البطالة في المناطق التي يغلب عليها النشاط الفلاحي بين 4.6 و10 نقاط.

وبأقل حدة، شهدت البطالة أيضا ارتفاعاً في المناطق التي ترتبط بالقطاع السياحي بين 1.2 و3.6 نقاط. كذا، كشفت دراسة للمرصد التونسي للاقتصاد (منظمة بحثية غير حكومية)، أن القطاعات الاقتصادية الكبرى خسرت قدرتها التشغيلية بسبب الاضطرابات السياسية في البلاد خلال السنوات العشر الماضية، وأنها فقدت قدرتها على خلق فرص العمل لفائدة قطاعات أخرى أقل قدرة على استيعاب العاطلين من العمل.

وبيّنت الدراسة أن صناعة النسيج فقدت 28 ألف وظيفة في الفترة ما بين 2012 و2016، فيما فقد قطاع الخدمات الإدارية نحو 46 ألف وظيفة ما بين عامي 2011 و2012، ما تسبب في تراجع دور أكبر قطاعين مشغلين في القطاع الخاص في إحداث الوظائف.

وخلص المرصد التونسي للاقتصاد إلى أن أكبر قطاعات التوظيف في تونس تجد صعوبة لخلق المزيد من فرص العمل، بل إنها تعتبر الأكثر تضررا من عدم الاستقرار المحلي والدولي.

إنهاك المالية العامة

ويرى الشريف أن غياب سياسات توظيف واضحة واعتماد حلول ترقيعية لاحتواء الأزمات الاجتماعية خلال عقد كامل تسبب في إغراق القطاع العام بالوظائف الوهمية والانتدابات العشوائية التي دفعت بكتلة الأجور إلى مستويات قياسية واختلال الموازنات العامة للبلاد.

يؤكد المتحدث أن سياسة التوظيف الحكومي التي جرى اعتمادها خلال السنوات الماضية تحت ضغط الاحتجاجات الاجتماعية تسببت في إنهاك المالية العامة وبانتقادات من المانحين الدوليين الذين يصرون على خفض كتلة الأجور مقابل مواصلة دعم تونس ماليا.

ويرجّح الشريف أن يؤثر ذلك على التوظيف الحكومي لسنوات قادمة وأن يبقى قانون انتداب حاملي الشهادات العليا مجرد حلم يطارده العاطلون من العمل إلى أجل لا يراه قريباً. وفي انتظار تشكيل الحكومة ومباشرة مهامها، يلجأ أصحاب الشهادات العليا المعطلين إلى الشارع للاحتجاج والمطالبة بإيلاء قضيتهم الأهمية اللازمة خلال المرحلة القادمة، مطالبين بالإسراع بالانتداب الفوري والمباشر لـ20 ألف معطل عن العمل من أصحاب الشهادات العليا.

كما طلب المحتجون من رئاسة الجمهورية الالتزام بتنفيذ الأحكام الاستثنائية للانتداب في القطاع الحكومي وتوفير موارد مالية لتقديم منحة البطالة أو المطالبة بتعويض مالي لأصحاب الشهادات العليا المسجلين بقوائم الانتظار.

المساهمون