فاجعة ليبيا تتفاقم... غياب الإيواء ومياه ملوثة ودواء شحيح

17 سبتمبر 2023
أضرار واسعة خلفها الفيضان الناجم عن الإعصار (فرانس برس)
+ الخط -

يواجه الناجون من فيضانات الإعصار العارمة التي ضربت مناطق شرق ليبيا قبل سبعة أيام، عاصفة متوطنة من الأزمات، ربما لا تقل فتكاً بحياة الكثيرين في ظل انعدام توفير مأوى بديل للأسر وكذلك ندرة السلع والأدوية وحتى المياه الصالحة للشرب، في وقت يؤكد مواطنون غياب دور الحكومتين اللتين طالما تنازعتا على السلطة في البلاد في تخفيف وطأة الكارثة.

يقول حسين الشاعري (54 عاماً) من سكان مدينة درنة شرق ليبيا لـ"العربي الجديد": "هناك ندرة في السلع، ولا مأوى لنا، ولا نجد حتى شربة مياه نظيفة"، مشيرا إلى أنه فقد أسرته بالكامل ولم ينج منهم أحد بسبب الفيضانات. أضاف الشاعري: "لا نطلب شيئاً سوى توفير مساكن جاهزة.. الوضع النفسي والاقتصادي صعب جدا".

وفي 10 سبتمبر/ أيلول الجاري، اجتاح الإعصار "دانيال" عدة مناطق شرقي ليبيا، أبرزها مدن درنة وبنغازي والبيضاء والمرج وسوسة، ما اودى بحياة الآلاف، فيما أفادت الأمم المتحدة بأنّ حجم الكارثة لجهة الحاجات وعدد القتلى "ما زال مجهولاً".

ويناشد محمد المسماري من منطقة تانكس في الجبل الأخضر بضرورة توفير أدوية للأمراض المستعصية، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أنه لا توجد أدوية لأمراض السكري والضغط للكبار في المناطق المتضررة. وقال إن هناك مساعدات غذائية ودوائية على نحو فردي وصلت إلى الناجين، ولكنها محدودة، بينما لا نلمس دوراً في الإغاثة من قبل أي من الحكومتين سواء في الشرق أو الغرب.

وشطرت فيضانات الإعصار العارمة بسبب انهيار سدود المدينة، درنة إلى نصفين وبات الجزء الشرقي منها، بجانب الخسائر البشرية والمادية، أكثر تضرراً لتعذر وصول فرق البحث والمساعدة إثر انهيار الطرق السالكة.

ويقول أحد المتطوعين عبد الحميد جاب الله في تصريحات خاصة إن هناك نقصاً حاداً في السلع الغذائية والملابس والأدوية وحفاظات الأطفال، مضيفا: "الناس خسرت كل شيء، فالمأساة لا يمكن وصفها بكلمات والجهات الحكومية المختلفة لا دور لها، كما أن مساعدات الناس لا تكفي الأسر المتضررة".

في الأثناء، أطلقت وسائل إعلام ليبية حملة "صرخة وطن" لجمع التبرعات، يوم الجمعة، حيث جرى جمع نحو 1.37 مليون دينار (283 ألف دولار)، وفق وكالة الأنباء الليبية "وال" أمس السبت.

وقال المحلل الاقتصادي عبد الناصر الكميشي لـ"العربي الجديد" إن هناك غياباً لشبكة الأمان الاجتماعية في المناطق المنكوبة بعد مرور نحو سبعة أيام على الفاجعة، سواء من جانب حكومة شرق ليبيا أو غربها، مضيفا أن التقديرات تشير إلى أن هناك أكثر من 150 ألف شخص يحتاجون مساعدات إنسانية عاجلة لا مأوى لهم.

بدوره، قال الخبير الاقتصادي محمد عبيد إن هناك تنافسا بين الحكومتين في الإعلان عن تخصيص المليارات لإغاثة وإعمار المناطق المنكوبة بينما واقع الحال يشير إلى عدم وجود أي أثر لهذه المخصصات على الأرض.

وتحكم ليبيا، التي دمرتها الانقسامات السياسية منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011، حكومتان متنافستان، واحدة في طرابلس (غرب)، معترف بها من الأمم المتحدة ويقودها رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، وأخرى في الشرق، تابعة لمعسكر خليفة حفتر. وتصاعدت وتيرة الخلافات السياسية مراراً وتكراراً وأفضت إلى قتال دامٍ مراراً. لكن منذ عام 2020، جرى احترام قرار وقف إطلاق النار إلى حد كبير.

وفي وقت سابق، أعلنت لجنة الأمم المتّحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا"، أن الكلفة الإجماليّة للخسائر الناجمة عن الصراع في ليبيا منذ اندلاعه، تبلغ نحو 576 مليار دولار، محذرة من ارتفاع الكلفة بشكل حاد إذا لم يحل السلام.

وبجانب انعدام المأوى وندرة السلع والأدوية الناجمة عن الفيضانات، يواجه المواطنون كارثة تتعلق بعدم الحصول على المياه النظيفة الصالح للشرب، حيث حذرت إدارة شركة المياه والصرف الصحي في منطقة جبل الأخضر، أمس، المناطق المنكوبة والمتضررة من الفيضانات، بعدم شرب مياه الآبار، واستخدامها في الغسل فقط إذا لزم الأمر. وجاء التحذير بعد تسجيل حالة تسمم لإحدى المواطنات. كما أعلنت حكومة الوحدة الوطنية، تسمم 55 طفلا بمياه ملوثة في درنة. فيما نبهت لجنة الطوارئ الصحية بالمدينة من كارثة بيئية أشد وطأة في شرق ليبيا جراء تحلل الجثث غير المنتشلة والفيروسات المحتملة في المياه الراكدة بعد انحسار الفيضانات التي اجتاحت المنطقة.

وجاء قطاع البناء والبنية التحتية في المقدمة على وقع انهيار آلاف المنازل والمنشآت، ثم تلا ذلك القطاع الزراعي والثروة الحيوانية من خلال تجريف مساحات شاسعة من الأراضي. كذلك كان لممتلكات المواطنين من سيارات ومتاجر وغيرها نصيب كبير من المأساة. وقدر محللون احتياجات البلاد من أجل إعادة الحياة إلى المدن المتضرّرة بنحو 7 مليارات دولار.

المساهمون