غلاء خبز فقراء مصر: السيسي يتلاعب بأرقام الدعم

04 اغسطس 2021
سعر رغيف الخبز المدعّم قبل الزيادة يبلغ 5 قروش فقط (فرانس برس)
+ الخط -

قرر النظام المصري، أخيراً، المساس بالسلعة الأهم للملايين من المواطنين البسطاء وهي الخبز المدعّم، إذ أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمس الثلاثاء، أنّه سيشرف على خطة لزيادة سعر رغيف الخبز المدعم الذي يبلغ سعره حتى الآن خمسة قروش (الجنيه = 100 قرش).
وأضاف، خلال مؤتمر افتتاح المدينة الصناعية الغذائية "سايلو فودز"، المملوكة للقوات المسلحة، أنّه قد حان الوقت لزيادة سعر رغيف الخبز "أبو خمسة صاغ"، وأنّ "من غير المتصور الإبقاء على سعره بما يعادل 20 رغيفاً بثمن سيجارة واحدة" بحسب وصفه. وشدد: "ليس من المنطقي أن أبيع رغيف الخبز الذي يكلف الدولة 60 قرشاً على الأقل، بعملة لا يعرفها الأطفال، وهي 5 قروش".
وذكر السيسي أنّه سيتحمل مسؤولية هذا القرار، وأنّه فضّل الإعلان عنه على الملأ، بدلاً من تفويض الحكومة بإعلانه "عشان أشيل الشيلة بنفسي" على حد تعبيره. واستطرد مخاطباً المصريين: "يستحيل الإبقاء على شيء بنفس الحال والسعر لمدة 30 سنة، أنا مؤتمن على حال البلاد ومصير شعبها". وأوضح السيسي أنّ الزيادة في سعر الخبز ستمول جزءاً من قيمة 8 مليارات جنيه ستنفق على دعم الوجبات المدرسية الجديدة للتلاميذ، والتي ستتكلف نحو 7 جنيهات للوجبة الواحدة (الدولار = نحو 15.7 جنيهاً)، وسيدخل فيها مكون بروتيني جديد هو الألبان.

ويستفيد نحو 66.7 مليون فرد من دعم رغيف الخبز داخل منظومة دعم السلع التموينية التي قدرت لها الحكومة خلال العام المالي الجديد، الذي انطلق في الأول من يوليو/تموز الماضي، نحو 87.2 مليار جنيه مخصصات في الموازنة العامة للدولة.

التلاعب بأرقام الدعم
تكشف المعلومات بوضوح مواصلة السيسي نشر الأرقام المتضاربة حول مخصصات الدعم، لا سيما إثر تصريحه أمس، أنّ رغيف الخبز المدعوم على بطاقات التموين يكلف خزانة الدولة 65 قرشاً، مقابل بيعه بـ5 قروش فقط، علماً أنّه يقلّ بطبيعة الحال عن الوزن الرسمي المحدد بـ90 غراماً، في حين يبلغ سعر الرغيف الأكثر وزناً في المخابز غير الحكومية الهادفة للربح 50 قرشاً على أقصى تقدير.
إعلان السيسي زيادة مرتقبة في ثمن رغيف الخبز، السلعة الأهم للملايين من المصريين البسطاء، جاء بعد أشهر قليلة من قرار وزارة التموين تخفيض وزن الرغيف المدعّم للمرة الثانية من 110 غرامات إلى 90، بعدما كان 130 غراماً، ما يعني ارتفاع سعره أكثر من 30%، في عملية سرقة موصوفة لدعم الخبز؛ بدعوى أنّ وزن الرغيف لم يكن يتعدى 91 غراماً في كثير من المحافظات، استناداً إلى محاضر مثبتة لدى الوزارة.
وفي 18 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، أمام مجلس النواب، أنّ عدد المستفيدين من منظومة دعم الخبز انخفض من 81 مليون مواطن إلى 71 مليوناً، بذريعة استبعاد الأسماء المُكررة وغير المستحقة للدعم، وكذلك الحال مع المستفيدين من دعم السلع التموينية (انخفض العدد من 68 مليوناً إلى 64)، إثر تنقية بطاقات التموين من غير المستحقين للدعم، وفقاً للمعايير التي أقرتها الوزارة.
ويبلغ دعم الخبز والسلع التموينية في موازنة الدولة للعام المالي 2021-2022 نحو 87.2 مليار جنيه، وهو البند الأخير في منظومة الدعم الحكومية للمواطنين، عقب تحرير أسعار بيع المنتجات البترولية والكهرباء والغاز الطبيعي ومياه الشرب؛ استجابة من الحكومة لاشتراطات صندوق النقد الدولي، للحصول على قروض من الصندوق بلغ إجماليها 20 مليار دولار تقريباً خلال السنوات الخمس الأخيرة.

غذاء الفقراء
ويمثل رغيف الخبز المكون الغذائي الأساسي لنحو 80% من المصريين، والذين تحاصرهم الأزمات المعيشية من كلّ جانب، في وقت يرى فيه المواطن أنّ رغيف الخبز المدعوم لا يصلح للاستخدام الآدمي، نتيجة تردي حالته في جميع المخابز، وانخفاض وزنه إلى أقل من 80 غراماً؛ بمباركة من مفتشي وزارة التموين الذين يمرون على الأفران، ليس للتفتيش على أصحابها، لكنّ للحصول على الرشى المالية، وفقاً لمراقبين.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ومنذ تولي وزير التموين الحالي منصبه في فبراير/شباط 2017، وهو ينفذ خطة عاجلة بتوجيهات من السيسي لإلغاء الدعم، بدأت بالتعسف في قيد المواطنين والمواليد الجدد في البطاقات التموينية، والحذف العشوائي لملايين المقيدين، وإلغاء التعامل بالبطاقات الورقية، وتخفيض حصص المخابز لما يتراوح بين النصف والثلث، وما ترتب على ذلك من توقفها عن صرف الخبز للمواطنين، وخروج الآلاف منهم في تظاهرات متفرقة في العاصمة القاهرة، ومحافظات عدة.

مطلب ثورة يناير
والخبز هو أول مطلب نادى به المصريون في ثورة 25 يناير 2011، حين هتف الملايين من الثائرين ضد نظام الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية" ولطالما شهدت مصر عبر تاريخها انتفاضات واحتجاجات شعبية واسعة بسبب زيادة أسعاره.
وتجنبت الحكومات المصرية المتوالية بعد الثورة المساس بأسعار الخبز، لا سيما المدعم منه، على وقع الاحتجاجات التي أودت في بعض الحالات بحياة مواطنين في معارك أمام منافذ بيعه؛ مع العلم أنّ مصر لا تنتج أكثر من 40% من احتياجاتها من القمح، وتعتبر أكبر مستورد لهذه السلعة في العالم، إذ إنّها تستورد نحو 12 مليون طن سنوياً مقابل 3 مليارات دولار.

سياسات اقتصادية مؤلمة
ومع قفز السيسي إلى الحكم في عام 2014، طبقت الحكومة سياسات مؤلمة للفقراء ومحدودي الدخل، خصوصاً عقب الاتفاق مع صندوق النقد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، على تطبيق برنامج اقتصادي تضمن تحرير سعر صرف الجنيه، ما أفقد العملة المصرية نحو 70% من قيمتها أمام الدولار، فضلاً عن زيادة ضريبة القيمة المضافة، وغيرها من الإجراءات التي فاقمت الغلاء.
وفي نهاية العام الماضي، قال رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، إن معدل الفقر في بلاده تراجع إلى 29.7% في العام المالي الماضي 2019-2020، مقارنة بـ32.5% في العام المالي 2017-2018، لكنّ خبراء اقتصاد يؤكدون أنّ النسبة الحقيقية للفقر في مصر تتجاوز 55% من السكان في ظلّ تصاعد الغلاء، والزيادات المتواصلة على أسعار السلع والخدمات والضرائب.

من جهته، تحدث السيسي كثيراً عن خطورة الزيادة السكانية المطردة، وتداعياتها السلبية على الاقتصاد والتنمية، بوصفها "الشماعة" التي يعزو إليها فشل حكومته في مواجهة أي أزمات. إذ قال في كلمته، أمس، إنّ "هذه الزيادة وراء الارتفاع المستمر في الأسعار، لأنّ عدد السكان في مصر ارتفع بنحو 20 مليوناً منذ عام 2010، وبالتالي كان هناك زيادة في الطلب على السلع والخدمات، وارتفاع أسعارها" بحسب قوله.

الجائحة تفاقم المعاناة
مع تفشي جائحة كورونا في البلاد في الربع الأول من العام الماضي؛ تزايدت حدة معاناة المصريين جراء فقد الملايين من العاملين في القطاع الخاص وظائفهم. ووفق دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (رسمي) فإنّ 50.1% من الأسر المصرية أضحت تعتمد بشكل رئيسي على المساعدات من الأصدقاء والأقارب، لتغطية احتياجاتها المعيشية منذ بداية الأزمة.
وأشارت بيانات الجهاز إلى أنّ 73.5% من المصريين المشتغلين انخفضت دخولهم بسبب تداعيات الجائحة، ونحو 90% منهم خفّضوا استهلاكهم من اللحوم والفاكهة، و36% لكميات الطعام، و20% لعدد الوجبات؛ بينما لجأ نحو 92% منهم إلى الطعام الرخيص بسبب انخفاض الدخل.
وتكمن الأسباب الحقيقية لانتشار الفقر في مصر خلال السنوات الأخيرة، في توسع النظام في الاقتراض من الخارج، والخضوع لاشتراطات المؤسسات المانحة بشأن إلغاء الدعم، وزيادة الضرائب والرسوم لتخفيض حدة العجز في الموازنة العامة؛ وذلك للشروع في تنفيذ مشروعات "كبرى" لا تستهدف إلّا الترويج للسيسي، من دون أن يكون لها عائد اقتصادي، على غرار "تفريعة" قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة.
وأظهرت بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري، أنّ الديون الخارجية للبلاد قفزت إلى 134.8 مليار دولار بنهاية مارس/آذار الماضي، مقابل نحو 129.2 مليار دولار في نهاية عام 2020، بينما كانت تبلغ لدى وصول السيسي إلى الحكم نحو 46 مليار دولار فقط، أي أنّها تضاعفت بنسبة تزيد على 193%.

المساهمون