فاقم العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 82 يوماً أزمة السيولة النقدية التي يعيشها أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في القطاع، الذي كان يعاني بالأساس من حصار إسرائيلي خانق منذ عام 2006، وتبعات ذلك على مختلف مجالات الحياة، ما رفع وتيرة الفقر والعوز والاعتماد على المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية خلال السنوات الـ17 الماضية.
وتقدر دورة الحياة التجارية في قطاع غزة بنحو 3 مليارات دولار سنوياً، يتم تقسيمها على أيام العام، ما يجعل الخسائر المالية المباشرة للعدوان الجاري لا تقل عن 10 ملايين دولار يومياً دون احتساب الأضرار والفرص الضائعة، وفقاً لتقديرات غير رسمية.
إلى جانب ذلك، فإن الفترة من بعد عام 2017 شهدت تقليصاً في السيولة النقدية الموجودة جراء الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية للضغط على خصمها السياسي حركة حماس، ما تسبب في تراجع السيولة الموجودة، وهو ما انعكس بالسلب على الحركة التجارية والقدرات الشرائية.
وفي محاذاة هذا الأمر، فإن القطاع ظل يعتمد في الفترة من 2018 وحتى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على السيولة النقدية التي تتوفر من خلال رواتب موظفي السلطة ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إلى جانب المنحة القطرية التي كانت تدفع بنحو 30 مليون دولار شهرياً.
ووفق تقديرات مؤسسات المجتمع المدني في القطاع، بلغ معدل الفقر قبل الحرب 64%، وهو أكثر بمرتين منه في الضفة الغربية، كما أن 33.8% من السكان يعيشون تحت خط الفقر المدقع، في الوقت الذي تعاني فيه 57% من الأسر الفلسطينية من انعدام الأمن الغذائي، أي ما يقارب 6 من كل 10 عائلات في القطاع.
وإلى جانب ذلك، اقتربت نسبة البطالة العامة من 50%، في حين ارتفعت في صفوف الشباب إلى 60% وفي صفوف الإناث إلى 80%، علمًا أنها كانت عند بداية الحصار الإسرائيلي عام 2006 ومع بداية صعود حركة حماس إلى سدة الحكم تلامس الـ30% فقط.
ومع بداية العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة تعززت أزمة السيولة النقدية، حيث أغلقت البنوك المحلية والعربية العاملة في القطاع أبوابها بسبب القصف الإسرائيلي، واعتمد الغزيون على ما هو متوفر من سيولة نقدية لديهم أو لدى بعض الصرافين العاملين في السوق السوداء.
ولم يشهد القطاع خلال هذه الفترة أي عملية إدخال للعملات الثلاث المتداولة بشكلٍ أساسي في غزة سواء الدولار أو الدينار الأردني أو الشيكل الإسرائيلي، كما كان الفلسطينيون قد اعتادوا في السنوات السابقة على عمليات إدخال تتم بشكلٍ إما شهري أو على فترات متباينة.
ويعتمد السوق المحلي في الفترة الحالية على ما هو موجود من سيولة نقدية متداولة تنتقل بين الفلسطينيين والصرافين، فيما شحت عملة الدولار من الأسواق، حيث أوقفت بعض البنوك صرفها، فيما يلجأ بعض الصرافين لاستخدام الشيكل في صرف الحوالات المالية الخارجية بدلاً من الدولار أو الدينار الأردني.
وتتباين أسعار الصرف بشكلٍ كبير بين السوق الموازية (السوداء) وأسعار الصرف المعلن عنها من البنوك الفلسطينية، حيث يتم صرف الدولار مقابل الشيكل في الأسواق ومحال الصرافة بما بين 3.77 و3.80 شواكل، فيما يتم صرفه وفقاً لأسعار البورصة بمبلغ 3.61 شواكل.
ويربط بين التباين الكبير غير المسبوق في تعطش الصرافين لجمع أكبر كمية ممكنة من الدولارات لديهم لاستخدامها في عملية الصرافة إلى جانب التباين الكبير في الأسعار مع بداية الحرب غزة والتي وصل فيها سعر الصرف إلى 4.08 شواكل، قبل أن تهبط الأسعار بوتيرة متلاحقة.
في الأثناء، يقول الصراف الفلسطيني أحمد زكي إن الحرب الإسرائيلية أثرت على واقع السيولة المتوفرة في الأسواق وعززت نقصها، ولا سيما أنها في السابق كانت تدخل على فترات متباينة ولا تلبي احتياجات السوق، وجاءت الحرب لتقضي على ما تبقى من سيولة.
ويؤكد زكي لـ"العربي الجديد"، أن القطاع يحتاج لإدخال سيولة مالية بكميات كبيرة لتلبية احتياجات السوق المحلي، ولا سيما أن الحرب شهدت تزايدا في معدلات التحويلات الخارجية بالرغم من الصعوبات المتمثلة في عدم عمل الكثير من أنظمة التحويل في غزة.
ووفق الصراف الفلسطيني، فإن توقف البنوك الفلسطينية ساهم هو الآخر في زيادة الضغط على السوق السوداء وعزز استهلاك السيولة المالية، ولا سيما أن إجمالي ما تم توفيره من سيولة نقدية كان عبارة عن 50% من الرواتب صرفتها السلطة لموظفيها عبر فروع البنوك في وسط القطاع وجنوبه.
ونتيجة للحرب الإسرائيلية وعمليات القصف، تعرضت الكثير من أجهزة الصراف الآلي التابعة للبنوك الفلسطينية والعاملة في غزة للدمار الكلي، فيما تعرضت مقار الكثير منها لأضرار شبه كلية أو جزئية بليغة بفعل القصف الجوي أو العمليات العسكرية البرية.