بوتيرة متسارعة، يعمل البرنامج الوطني "تنويع" على تسريع تنفيذ رؤية عُمان 2040 الاستراتيجية، التي وضعت "التنويع الاقتصادي" و"الاستدامة المالية" على رأس أولوياتها، ما انعكست آثاره على تنامي أنشطة ومشروعات القطاعات غير النفطية.
وتشرف وزارة الاقتصاد العمانية على مستهدفات عمل البرنامج، خاصة ما يتعلق بتنمية الصناعات التحويلية والتعدين والأمن الغذائي والنقل واللوجستيات والسياحة، وتعزيز العلاقات التشابكية بين مختلف القطاعات من منظور شمولي مبني على الاقتصاد الكلي.
وأنهى البرنامج، الذي بدأ في منتصف عام 2022، مرحلته الأولى، التي عنيت بإعداد أدوات اقتصادية تساعد المسؤولين على اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية.
وتعد مستهدفات البرنامج مصيرية بالنسبة لمستقبل الاقتصاد العماني، في ضوء تأخر السلطنة عن مواكبة الاتجاه العالمي في تنويع الإنتاج والتجارة والإيرادات الحكومية، وهي الأبعاد الثلاثة التي حددتها القمة العالمية للحكومات في دبي لـ "مؤشر التنويع الاقتصادي 2023".
ووفق بيانات المؤشر، الذي أشرفت على إعداده كلية "محمد بن راشد للإدارة الحكومية" واطلعت "العربي الجديد" على نسخة منها، فإن العلاقة عكسية بين ارتفاع الدخل من تصدير النفط وبين تنويع الاقتصاد الوطني، وهو ما تعاني منه دول خليجية، على رأسها سلطنة عمان والكويت.
ويعتمد المؤشر على قياس نسبة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي والصادرات والإيرادات الحكومية، وشمل 89 دولة، في نسخته الأخيرة.
وبينما صنف المؤشر سلطنة عمان في مرتبة متأخرة (بمجموع 90 درجة)، إلا أنه سجل تحسنا كبيرا في إصلاحات دعم التنويع بالسلطنة منذ جائحة كورونا، بعكس الكويت، التي لا تزال عملية التنويع الاقتصادي فيها بلا تقدم ملموس.
ومن هذه الإصلاحات دعم القطاع الخاص بتوفير إقامة طويلة الأجل وتقديم تأشيرات عن بعد لدعم زيادة تنقل العمالة والمساعدة في جذب قوى عاملة عالية المهارة، إضافة إلى الحوافز المقدمة لزيادة معدلات مشاركة القوى العاملة النسائية، ما ساهم في إيجاد فرص عمل جديدة رفعت من مجمل إسهام القطاع الخاص بالناتج المحلي الإجمالي.
ويزكي مؤشر التنويع الاقتصادي لعام 2023 دراسة السلطنة لتطبيق ضريبة على الدخل، بما يسهم في تنويع مصادر الإيرادات الحكومية، التي لا تزال معتمدة بشكل كبير على صادرات الوقود الأحفوري والموارد الطبيعية.
وكان مؤتمر "التنويع الاقتصادي في دول الخليج.. الواقع والمأمول"، الذي أقيم في ولاية صلالة بسلطنة عمان يومي 30-31 أغسطس/آب الماضي، قد أوصى بتضيق الفجوة بين نظام الحوافز والمزايا في سوق العمل بالقطاعين العام والخاص، بما يزيد من إقبال المواطنين على العمل في القطاع الخاص، والحد من قيود الكفالة؛ بما يضمن انسيابية التنقل بين أصحاب الأعمال ويعزز الإنتاجية.
كما أوصى المؤتمر بـ "تسريع" التحول نحو الاقتصاد المعرفي، والتركيز على الاستثمار في قطاعات الطاقة المتجددة، وإدخال إصلاحات اقتصادية بالشركات المملوكة للدولة لتجنب مزاحمتها شركات القطاع الخاص، وتفعيل آلية للتنسيق بين برامج التنويع الاقتصادي الوطنية في دول الخليج، المنبثقة من رؤى "عُمان 2040" في سلطنة عُمان، أو "المملكة 2030" في السعودية، و"مئوية 2071" بدولة الإمارات، و"قطر 2030" في دولة قطر، و"البحرين 2030" في مملكة البحرين.
وفي هذا الإطار، يتولى برنامج "تنويع" العماني تطوير مؤشرات أداء قطاعية وإعداد خطة الوصول للأسواق العالمية، وتم الانتهاء من التصور العام للبنية الأساسية الممكنة لهذه الخطة، حسبما نقلت وكالة الأنباء العمانية عن مشرف قطاع الصناعات التحويلية بالبرنامج، سعيد بن عبد الرحيم الغيلاني.
ومن أبرز الصناعات التي يهدف البرنامج إلى توطينها في السلطنة إنتاج "أشباه الموصلات"، التي يتم استيرادها على شكل رقائق، لها خصائص كهربائية معينة تمكنها من العمل كأساس للحواسيب وغيرها من الأجهزة الإلكترونية الأخرى، وعادة ما تكون عنصرًا أو مركبًا كيميائيًّا صلبًا يوصل الكهرباء في ظل ظروف معينة.
ومن شأن جذب الاستثمارات في القطاعات عالية التقنية أن تسهم في مواكبة السلطنة مع اتجاه "الاقتصاد المعرفي"، أو الثورة الصناعية الرابعة، بحسب تصريحات صحافية للخبير الاقتصادي العماني أحمد بن مسلم كشوب، مشيرا إلى أن "القطاع الخاص في بلدان العالم كله هو الركيزة الأساسية للتنمية"، وهو ما استندت إليه بوضوح رؤية عمان 2040، التي نصت على هدف رئيسي يتمثل في مواكبة الاقتصاد العالمي.
وفي هذا الإطار، تأتي استضافة سلطنة عُمان، ممثلة بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، لأعمال "القمة العالمية لأشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية" التي بدأت أمس الأربعاء وتختتم اليوم الخميس، بمشاركة عدد من الرؤساء التنفيذيين للشركات العاملة في مجال أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية في مختلف دول العالم وعدد من الخبراء والمختصين في هذا المجال.
وقال وكيل وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات للاتصالات وتقنية المعلومات علي بن عامر الشيذاني، أمس، إن استضافة سلطنة عُمان لهذه القمة تؤكد على عزمها لإنجاز التحول الرقمي وبناء اقتصاد قائم على المعرفة ترجمةً لـ "رؤية عُمان 2040".
وأضاف أن الحكومة اعتمدت البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي الذي يستهدف رقمنة القطاعات الخدمية والإنتاجية بالتقنيات المتقدمة، وتعزيز القيمة الاقتصادية المضافة لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، ورفع مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 10 بالمائة بحلول عام 2040.