ربما الإجابة عن من أين وكيف يعيش السوريون، وماذا يمكن أن يأكلوا أو يلبسوا خلال عيد الفطر، جاءت على لسان مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة جويس مسويا، التي أكدت أخيراً أنه، وبعد تقييم الاحتياجات الإنسانية بسورية، وجد أن 14.6 مليون سوري سيعتمدون على المساعدة هذا العام، بزيادة 9% عن عام 2021، وزيادة بنسبة 32% عن عام 2020.
لكن العامل في شركة كهرباء دمشق خضر محمد (وهو اسم مستعار حفاظاً على سلامة المصدر) يزيد بتصريحه لـ"العربي الجديد" مأساة الوضع السوري بقوله إن "أكثر من 95% من السوريين جوعى بمعنى الكلمة، ولا يمكن تصور مأساتهم المعيشية، فالدخل الشهري لا يساوي سعر بنطال، كما أن سعر كيلو الحلوى الدمشقية، يزيد عن الراتب الشهري للموظف".
ويؤكد محمد، خلال اتصال هاتفي، أن "صفعة" المنحة لمرة واحدة نكأت أوجاع السوريين المنتظرين زيادة على الأجور، بعد أن زادت النفقات الشهرية عن مليونين، ولم يزل متوسط الراتب أقل من 100 ألف ليرة.
وكان رئيس النظام السوري قد أصدر أخيراً المرسوم التشريعي رقم 4 القاضي بصرف مالية لمرة واحدة بمبلغ مقطوع قدره 75 ألف ليرة سورية (نحو 19 دولاراً) للعاملين في الدولة من المدنيين والعسكريين وأصحاب المعاشات التقاعدية.
كعك العيد
وتأثّر قطاع الحلويات بسورية أكثر من غيره بارتفاع الأسعار، ويأتي ارتفاع أسعار حوامل الطاقة وأجور العمال ليزيد من أسعار الحلويات التي لا يقل سعر الكيلو "الشعبي" منها عن 35 ألف ليرة سورية، بحسب ما تقول السيدة سهام عباس من منطقة قدسيا لـ"العربي الجديد"، متهكمة بأن سعر كيلو العوامة والمشبّك "عجين وقطر السكر" وصل إلى 8 آلاف ليرة سورية.
وتبيّن السيدة السورية أن صناعة الحلويات المنزلية "باتت مستحيلة بواقع أسعار السكر والزيت والطحين"، مضيفة أن "هذا بافتراض توفر الغاز أو الكهرباء لصناعة الحلويات بالمنزل".
وتضيف المعلمة المتقاعدة عباس أن هناك حلويات بات أكلها حكراً على الأغنياء فقط، مثل المعمول بالفستق الحلبي، فسعر الكيلو بين 150-170 ألف ليرة، والحلويات الدمشقية، مثل المبرومة وسوار الست، بين 90 و120 ألف ليرة.
ويبرر رئيس مجلس إدارة الجمعية الحرفية لصناعة الحلويات والمرطبات بدمشق، بسام قلعجي، في تصريحات إعلامية، ارتفاع أسعار الحلويات بأنه "شيء بديهي مع ارتفاع أسعار مدخلات الصناعة، فضلا عن الطاقة".
بدوره، أقر نائب رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الحلويات بدمشق ماهر نفيسة بارتفاع أسعار الحلويات بنحو 25% خلال الفترة الماضية، مرجعاً السبب إلى الارتفاع "الجنوني" لأسعار المواد الأولية من جهة، وإحجام الناس عن شراء المادة من جهة أخرى.
وأضاف في تصريحات إعلامية أن أبرز المعوقات التي تواجه قطاع صناعة الحلويات تتمثّل بتأمين المحروقات والغاز، وانخفاض ساعات وصل التيار الكهربائي.
لا ألبسة جديدة
ولم تعد عادة شراء ألبسة جديدة ضمن أولويات السوريين خلال الأعياد، بعد أن تعدى سعر الطقم الرجال ضعفي الأجر الشهري، ويزيد ثمن الحذاء على "مكرمة رئيس النظام"، بل ينصب الجهد والتدبير المنزلي على سد الجوع، بعد ارتفاع أسعار الغذاء إلى أكثر من عشرين ضعف الأجر الشهري.
ويقول مازن جوخدار، من العاصمة السورية دمشق، إن سعر القميص وصل إلى نحو 40 ألف ليرة للنوعية السيئة، ونحو 200 ألف ليرة للنوعية الجيدة، ولا يقل سعر البنطال "الجينز" عن 60 ألف ليرة، في حين يزيد سعر البدلة الرجالية عن 150 ألف ليرة .
وأضاف أن الأسعار في المحال المشهورة تختلف عن الشعبية، حيث لا يقل سعر البدلة عن 400 ألف ليرة.
وحول البدائل من الألبسة المستعملة "البالة"، يؤكد المتحدث أن الدخل لم يعد يكفي حت لشراء المستعمل. وأشار إلى أن ثمن البنطال بالبالة لا يقل عن 15 ألف ليرة، والجاكيت 30 ألف ليرة، ويوجد أحذية أوروبية مستعملة، يزيد سعرها أحياناً عن الأسعار المحلية، خاصة الأحذية الرياضية.
وأضاف جوخدار، الذي اكتفى بتعريف نفسه بأنه "عامل بالقطاع الحكومي"، أن معظم من يخرجون للتسوق يكون بهدف الفرجة فقط.
وتشهد الأسواق السورية جموداً حادا بعد ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، إذ يعاني قطاع الملابس تراجعاً لم يشهده منذ 30 عاماُ، بحسب رئيس القطاع النسيجي وعضو مجلس الإدارة في غرفة صناعة دمشق وريفها، مهند دعدوش، الذي أكد خلال تصريحات إعلامية، أن شراء الملابس منذ عام 2014 بات من كماليات السوريين، والموسم الحالي هو الأسوأ منذ 30 عاماً.
وأوضح دعدوش أن أسعار الملابس ارتفعت خلال العام الحالي بنحو 20 إلى 30% عن العام الماضي، مشدداً على أن زيادة الأسعار غير متناسبة مع الفروقات التي يعيشها القطاع، بالنظر لارتفاع أسعار الكهرباء لعدة مرات خلال العام الحالي، إلى جانب سعر صرف الدولار وانخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع قيمة الضرائب عدة مرات خلال العام الحالي.
موائد يتيمة
وربما يستغني السوريون عن الملابس وحلوى العيد، ولكن كيف يمكن تدبر أمور الغذاء، بواقع غلاء هو الأعلى منذ عقود وكيف يمكن تمرير موائد العيد من دون لحوم أو حتى وجبات تسد حاجة المعدات الخاوية.
ويتواصل ارتفاع أسعار الغذاء نهاية شهر رمضان وبالتزامن مع حلول العيد. وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد" أن أسعار المواد الاستهلاكية في ارتفاع مستمر، إذ وصل سعر كيلو اللبن "زبادي" إلى 2600 ليرة والبيضة الواحدة إلى 500 ليرة، وكيلو الأرز المصري 5 آلاف ليرة .
ويعتبر السوريون اللحوم اليوم من الكماليات الغذائية و"المحرمة" على موائد أعيادهم، بعد تسجيل سعر كيلو الفروج 17 ألف ليرة، وتعدى سعر كيلو لحم الخروف 35 ألف ليرة سورية، في حين لا يقل سعر كيلو اللحم الأحمر عن 25 ألف ليرة سورية.
ويكشف رئيس جمعية حرفة اللحامين في مدينة حماة، مصطفى الصباغ الشيرازي، أن بيع اللحوم الحمراء ضعيف، وإقبال المواطنين على الشراء بأدنى مستوياته، حيث باتت اللحوم خارج حسابات 90 في المائة من السوريين.
وكشف، خلال تصريحات إعلامية أن عدداً من أصحاب محال اللحوم "سلموا المحال المستأجرة لأصحابها، كون الواقع لا يشجع على العمل، ودخله الشهري لا يكفي لتسديد أجرة المحال والصنّاع". وأضاف أن المحل الذي كان يبيع نحو 8 ذبائح يومياً، يبيع حالياً خروفاً واحداً في أحسن الأحوال.
(سعر الدولار في السوق الموازي = 3900 ليرة سورية تقريباً)