استمع إلى الملخص
- تفتقر سوريا إلى أرقام موثقة حول قيمة وعدد الممتلكات المصادرة، لكن المعارضة تشير إلى مصادرات ضخمة بمليارات الدولارات، شملت عقارات وأموالًا وأصولًا أخرى.
- يعد ملف إعادة الأصول المصادرة لأصحابها من أبرز التحديات، حيث يتطلب التعامل مع تعقيدات قانونية وإدارية لضمان العدالة وإعادة الحقوق دون الإضرار بالمشترين الجدد.
بدأ السوريون رحلة استعادة الأموال المصادرة خلال فترة حكم بشار الأسد المخلوع، فقبل أيام عاد مزارع سوري من منفاه في الأردن حيث كان يعيش هو وأسرته في مخيمات اللاجئين، عاد الرجل بعد غياب قسري فرضه عليه نظام بشار الأسد وامتد لأكثر من 13 سنة عانى خلالها الفقر والجوع وشظف العيش والبطالة، عاد وفي الخلفية ذكريات مريرة حيث صادر النظام السابق أرضه الزراعية الخصبة عقاباً له على تأييده الثورة في عام 2011، كما صادر منزله وكل ما يملك هو وأسرته.
ما إن وطأت قدم الرجل مطار دمشق الدولي يوم الثلاثاء الماضي حتى وجد من يبلغه من أهله بأن مغتصب أرضه وهو أحد شبيحة رموز نظام الأسد السابق فر هارباً خارج البلاد عقب سقوط نظام بشار، وأن الشبيح ترك الأرض المغتصبة مزروعة بمحصول بطاطا وخضروات جاهزة للحصاد والجمع للبيع والتصدير، وأن الشبيح فر أيضا من منزله الواقع بالقرب من أرضه.
ليست تلك قصة خيالية بل هي قصة أقرب للواقعية يتداولها بعض الأهالي في حمص وادلب وحلب ودمشق وغيرها من المدن السورية، كما يرددها هؤلاء الذين سطا نظام الأسد على ثرواتهم من عقارات وأراض وودائع مصرفية وأسهم وسيارات وشركات وأصول أخرى من مدارس ومستشفيات ومعامل تحاليل عقابا لهم على انحيازهم للثورة وتأييدهم الاحتجاجات الشعبية في البلاد.
لا تتوافر أرقام موثقة عن قيمة وعدد العقارات والأموال المصادرة من نظام الأسد، لكن الآلاف المعارضين يتحدثون عن مصادرات ضخمة وبمليارات الدولارات
وكلنا تابعنا أحمد الشرع قائد الإدارة الجديدة في سورية وهو يذهب إلى شقة والده بمنطقة المزة، جنوب غرب دمشق، التي صادرها نظام بشار، وسأل ساكن شقته بأدب: "هل تمانع في إخلاء هذه الشقة؟، والداي لديهما ذكريات جميلة في هذا المكان ويرغبان في العودة إليه"، وأن الشرع أمهل الساكن عدة أيام لحزم أمتعته.
ومنطقة المزة لمن لا يعرفها هي تلك التي كان يعيش فيها عدد كبير من رموز نظام بشار وكبار المسؤولين ورجال الأعمال الأثرياء، وتقع بالقرب من مطار المزة العسكري، وتعج بالوزارات، ومنها وزارة العدل، وشهدت مصادرات ضخمة لأصول معارضين في السنوات الماضية من قبل النظام.
لا تتوافر أرقام موثقة عن قيمة وعدد العقارات والأراضي والأموال المصادرة والمنهوبة من قبل نظام الأسد، لكن عشرات الآلاف من المعارضين السوريين يتحدثون عن مصادرات ضخمة وبمليارات الدولارات جرت خلال الفترة من 2011 وحتى 2024، مصادرات تمت بشكل مباشر من قبل بشار الأسد وحكومته وشقيقه ماهر وقيادات الأجهزة الأمنية وفي مقدمتها المخابرات الجوية، أو عبر السلطة القضائية التي كانت تتلقى التعليمات مباشرة من أجهزة الأمن، أو من قبل المليشيات المسلحة وشبيحة ورموز النظام الذين وضعوا أيديهم على أموال وعقارات كل من خالف النظام الرأي.
كان النظام يصادر أصول المعارضين من مهجرين ولاجئين اضطرتهم الظروف إلى الفرار داخل سورية أو خارجها حفاظا على حياتهم وحياة ذويهم من قصف الطيران والمدافع والبراميل المتفجرة وسجون ومعتقلات بشار، كانت المصادرات تتم بشكل ممنهج وبأمر مباشر من بشار بحجة تمويل العمليات العسكرية، وتؤول بعضها إلى شبيحة النظام ورموزه، أو إلى حلفاء الأسد الجدد خاصة من المليشيات الإيرانية وكوادر حزب الله اللبناني التي نشطت في تملك العقارات بريف دمشق وغيرها من المناطق.
اتخذت مصادرات الأموال في عهد بشار عدة أشكال، فقد استخدم النظام الحاكم القوّة العسكرية والأمنية في الاستيلاء على المنازل والأصول والأملاك
اتخذت مصادرات الأموال في عهد بشار الهارب عدة أشكال، فقد استخدم النظام الحاكم القوّة العسكرية والأمنية في السيطرة والاستيلاء على المنازل والأصول والأملاك المصادرة، وأصدر النظام قوانين تتعلق بمقاومة الإرهاب وتمويله وتسمح له بالسيطرة على الملكيات العقارية مباشرة دون صدور حكم قضائي، واستخدم أيضا أسلوب تزوير الوثائق في مصادرة الأملاك، كما استخدم القيود الإدارية أداة لمصادرة الأراضي والودائع وغيرها من الأصول، بل وفرض على الأُسر الراغبة بالعودة إلى المنازل الواقعة في المناطق التي يسيطر عليها الحصول على موافقات أمنية مسبقة، وهو ما حرم آلاف السوريين من بيوتهم.
ملف إعادة الأصول المصادرة لأصحابها يعد واحد من أبرز الملفات الشائكة أمام السلطات الجديدة في سورية، وحله قد يحتاج إلى فترات طويلة للتعامل مع التشابكات المعقدة به خاصة وأن بعض السوريين اشتروا بمالهم الخاص أصولا وعقارات وشركات لمعارضين طرحها نظام الأسد للبيع في مزادات، وبالتالي من الظلم النظر إلى هؤلاء المشترين على أنهم هم من سطوا على العقارات المصادرة وليس نظام بشار المخلوع.