عالميا هناك إقبال متزايد على حيازة الذهب، فالبنوك المركزية العالمية رفعت حيازتها منه لأعلى مستوى منذ عام 1974 وفق أحدث الأرقام الصادرة اليوم الأحد عن مجلس الذهب العالمي، وحافظت هذه المؤسسات النقدية على شهيتها للمعدن الأصفر ورفعت حيازتها إلى 36.7 ألف طن في شهر أكتوبر الماضي بإضافة 31 طناً إلى احتياطاتها الدولية.
وربما جاءت تلك الزيادة على حساب عملات أخرى واجهت متاعب في الشهور الأخيرة مع زيادة رقعة موجة التضخم العالمي والأزمات التي واجهتها أسواق الطاقة والحبوب وسلاسل الإمدادات، حيث زادت أسعار القمح والغاز الطبيعي وغيرها من المواد الخام بمعدلات قياسية.
ووفق الأرقام أيضا فقد اشترت كل من الإمارات وتركيا وأوزباكستان 27 طناً من الذهب في شهر أكتوبر الماضي بواقع 9 أطنان لكل دولة، كما واصلت العديد من دول العالم وفي مقدمتها كازاخستان والهند وقطر حيازة المعدن النفيس.
رفعت تركيا حيازتها إلى 500 طن لتصبح أكبر مشترٍ عالمي للذهب طوال العام، حيث اشترت نحو 103 أطنان من الذهب
ورفعت تركيا حيازتها إلى 500 طن لتصبح أكبر مشترٍ عالمي للذهب طوال العام، حيث اشترت خلال العام الجاري نحو 103 أطنان من الذهب. كما اشترت 126 طنا في العام 2019 وقبيل تفشي وباء كورونا.
ومن المتوقع زيادة إقبال البنوك المركزية على حيازة الذهب مع توقعات دخول الاقتصادات العالمية الكبرى مرحلة الركود التضخمي، وفي مقدمة تلك الاقتصادات الاقتصاد الأميركي والأوروبي والبريطاني والياباني.
ذلك لأنه في حالة حدوث ركود داخل الدولة، فإن ذلك ينتج عنه ضغوط شديدة على العملة المحلية وهروب رؤوس الأموال والاستثمارات من الأصول الخطرة مثل البورصات وأدوات الدين الحكومية مثل الأذون والسندات، وكذا من العملات المحلية والعملات المشفرة مثل بيتكوين وغيرها، لتنتقل تلك الأموال إلى الملاذات الآمنة وشبه المضمونة مثل الذهب والدولار، وأحيانا العقارات والأراضي.
أيضا من العوامل التي تدعم الذهب في المرحلة المقبلة استمرار المخاوف الجيوسياسية، خاصة مع عدم وجود احتمال بنهاية قريبة لحرب أوكرانيا المستعرة، وتوقعات بحدوث مزيد من التصعيد الغربي ضد روسيا واقتصادها وقطاع الطاقة بها سواء النفط أو الغاز الطبيعي، وزيادة قوة الدولار مع مواصلة مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" رفع سعر الفائدة بسبب زيادة معدل التضخم، واحتمال زيادة المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
كما أن أسعار الفائدة على العملات الرئيسية مرشحة للزيادة لدى البنوك المركزية الكبرى، وفي المقدمة المركزي الأوروبي وبنك أوف إنغلاند والمركزي السويسري، رغم زيادة احتمالية حدوث ركود في الاقتصادات الكبرى في المستقبل القريب.
على مستوى دول المنطقة فإن الإقبال سيتواصل على شراء الذهب من قبل الدول ذات الفوائض المالية مثل دول الخليج، كما سيزيد إقبال الأفراد على شراء السبائك حفاظا على ما تبقى من المدخرات من التآكل في ظل استمرار تهاوي العملات المحلية، كما هو الحال في مصر وتونس ولبنان والجزائر واليمن وسورية والسودان، يدعم ذلك التوجه زيادة معدل التضخم وركود الأسواق في تلك البلدان والتوسع في الاقتراض الخارجي.
الإقبال سيتواصل على الذهب من قبل الدول ذات الفوائض المالية مثل الخليج، كما سيزيد إقبال الأفراد على شراء السبائك حفاظا على ما تبقى من المدخرات من التآكل
الجميع بات يراقب أسعار الذهب بسبب أهميته الشديدة، بنوك مركزية، بنوك وصناديق استثمار، مستثمرون، أفراد، ذلك لأن الجميع يسعى إلى معرفة اتجاهات الأسعار في الفترة المقبلة، وبالتالي اقتناص الفرصة المناسبة للشراء أم البيع.
هل ستعود الأسعار مثلا إلى القفزة التي وصلت إليها يوم 8 مارس 2022، حينما بلغ سعر أوقية المعدن الأصفر نحو 2070 دولارا وهو أعلى معدل له في التاريخ، بسبب مخاوف المستثمرين والمضاربين وقتها من نتائج الحرب في أوكرانيا وتوسع رقعة الصراع العسكري في شرق أوروبا، وحدوث صدام عسكري روسي غربي.
أم يواصل خسائره حيث خسر الذهب بالفعل نحو 15% من قيمته ليصل إلى 1615 دولارا خلال الشهور الماضية، رغم تعافيه مؤخرا ووصوله إلى 1800 دولارا يوم 1 ديسمبر الجاري حيث ارتفع في ذلك اليوم بنسبة 3% بدعم توقعات تقليص وتيرة رفع سعر الفائدة في الاجتماع المقبل للبنك المركزي الأميركي.
في كل الأحوال فإن سعر الذهب في المفترة المقبلة يتوقف على درجة المخاطر في العام 2023، وفي المقدمة المخاطر الجيوسياسية، ومخاطر الركود، وقوة الدولار، ومواصلة سياسة التشدد النقدي من قبل البنوك المركزية من عدمه، لأن حدوث انفراجة في حرب أوكرانيا وتوقف الفيدرالي عن رفع سعر الفائدة، قد يدفعان سعر المعدن الأصفر للتراجع إلى 1500 دولار للأونصة، لكن فتح جبهات جديدة للمواجهة سيعيد البريق للمعدن الأصفر.
ورغم كل هذه الاعتبارات يظل الذهب هو أكثر أنواع الاستثمار ضمانا، خاصة في الدول التي تشهد عملاتها تراجعا مستمرا مقابل الدولار، أو تشهد معدلات تضخم عالية وعدم سيطرة على الأسعار، أو في الدول التي تتضاءل بها فرص الاستثمار القادرة على استيعاب مدخرات المجتمع وتحميها من الخسائر.