استمع إلى الملخص
- هناك منافسة عالمية في مجال الطاقة النظيفة، حيث تستثمر دول كبرى مليارات الدولارات في تكنولوجيا الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية للتحول نحو مستقبل أكثر استدامة.
- العالم العربي يواجه تحديات داخلية تعيق مشاركته في التقدم العالمي، مما يستدعي تحركًا سريعًا للحاق بالركب العالمي وتجنب التهميش بسبب التركيز على القضايا الهامشية.
في الوقت الذي نجد فيه أن العرب غارقون في مياه البطيخ، يسبحون ليل نهار في الخلافات والديون والمخاطر بكل أنوعها، ويحيكون المؤامرات ضد بعضهم البعض، نجد في المقابل أن العالم مشغول هذه الأيام بملفات اقتصادية ومالية وتجارية وتكنولوجية وصناعية غاية في التعقيد بهدف تحقيق قفزات في معدلات رفاهية المواطن والنمو والإنتاج والتصدير واقتناص حصة في الأسواق والتجارة الدولية، بل والسيطرة على الاقتصاد العالمي وإزاحة اللاعبين التقليديين وأبرزهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، لصالح الصاعدين الجدد وفي المقدمة الصين والهند والبرازيل وغيرها من الدول ذات الاقتصادات الضخمة.
في مقدمة تلك الملفات التي ينشغل بها العالم، الذكاء الاصطناعي وتطوير الروبوتات المحاكية للبشر وتكنولوجيا المعلومات والهندسة الوراثية، وحرب المعادن، وصناعة الرقائق، والحروب التجارية الشرسة بين أكبر اقتصاديات في العالم، وهناك سباق شديد نحو تطوير المشتقات المالية وأدوات الدفع الإلكتروني وفرض العملات الرقمية أو المشفرة كواقع على النظام المالي العالمي، والتسريع بطي عصر النقود سواء المعدنية أو الورقية.
ينشغل العالم، بالذكاء الاصطناعي وتطوير الروبوتات وتكنولوجيا المعلومات والهندسة الوراثية، وحرب المعادن، وصناعة الرقائق، والحروب التجارية الشرسة
وهناك سباق شديد بين الاقتصادات الكبرى على صناعة واستخراج المعادن، خاصة تلك المستخدمة في صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية والطائرات والصواريخ والصناعات الدفاعية والطائرات المسيرة، ومعها يدور سباق على نهب ثروات أفريقيا خاصة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا ودول الاستعمار التقليدية وفي مقدمتها فرنسا.
في هذا الشأن فإن أميركا تسابق الزمن لتأمين احتياجاتها من المعادن النادرة بحلول العام 2027، وتوجيه ضربة قوية للصين التي تعتمد الولايات المتحدة على المعادن النادرة المنتجة لديها بنحو 80%، ترتفع النسبة في الاتحاد الأوروبي إلى 98%، وفق ما جاء في تقرير للمفوضية الأوروبية في سبتمبر/أيلول 2020.
منافسة شرسة على الطاقة النظيفة
كما يشهد العالم منافسة شرسة على الدخول لعصر المصادر المتجددة والطاقة النظيفة سواء من الشمس وتكنولوجيا الطاقة الشمسية الكهروضوئية المستخدمة في توليد الكهرباء، أو طاقة الرياح وغيرها والاستغناء عن الوقود الأحفوري والمفاعلات النووية والفحم والنفط الخام الذي يسيطر العرب على حصة منه لا بأس بها.
وهناك دول عدة تضخ مئات المليارات من الدولارات للتحول إلى الطاقة النظيفة. الصين هي الأبرز في هذا المجال حيث تسيطر على نحو 80% من سلسلة إمداد الألواح الشمسية حول العالم، كما افتتحت قبل أيام أكبر محطة شمسية في العالم في شينجيانغ يكفي إنتاجها احتياجات دولة من الطاقة والكهرباء لمدة عام، وخصصت نحو 675 مليار دولار لاستثمارها في مجال الطاقة النظيفة خلال عام 2024 وحده مقابل 370 مليار دولار لأوروبا و315 مليار دولار للولايات المتحدة.ووفق أحدث تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية أمس الخميس، من المتوقع أن يصل الاستثمار العالمي في تكنولوجيا الطاقة النظيفة والبنية التحتية الخاصة بها إلى تريليوني دولار هذا العام، وهذا المبلغ سيتم ضخه في تقنيات الطاقة النظيفة، بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية والطاقة النووية والشبكات والتخزين والوقود منخفض الانبعاثات وتحسين الكفاءة والمضخات الحرارية، مع توجيه باقي المبالغ نحو تطوير اكتشافات الغاز والنفط والفحم.
يشهد العالم منافسة شرسة على الدخول لعصر المصادر المتجددة والطاقة النظيفة من الشمس وطاقة الرياح والمركبات الكهربائية
كما هناك حرب عملات ومحاولات شرسة من قبل اقتصادات صاعدة وناشئة لإزاحة الدولار من قمة عملات الاحتياطيات النقدية والتجارة الدولية وتسعير العملات والنفط والمعادن، واحلال عملات أخرى بديلة منها اليوان الصيني.
وثمة محاولات جادة لمعالجة مخاطر البيئة والفيضانات والجفاف والاحتباس الحراري الناجم عن النشاط الإنساني والذي يتصاعد بوتيرة غير مسبوقة، وهناك سرعة نحو اختراق الفضاء ومحاولات جادة من العلماء للعثور على الحياة خارج كوكب الأرض واعتبارها مجرد مسألة وقت. طبعا إلى جانب اهتمام العالم بقضايا أخرى ملحة منها الاكتفاء الذاتي من القمح والأغذية، وتكوين احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي وتراكم الثروات.
هكذا تبدو الصورة من حولنا، فالعالم يتغير بسرعة، ويحقق قفزات في مجالات وأنشطة وملفات عدة، لكن في المقابل نجد أن العرب غارقون في مياه البطيخ والاستبداد والخلافات والحروب والمخاطر الجيوسياسية والقلاقل الاجتماعية، يتسولون الغذاء من الخارج ويخضعون لتعليمات الدائنين الدوليين، ومشغولون بتوافه الأمور، يحيكون المؤامرات، تغرقهم الأنظمة الحاكمة في أزمات معيشية طاحنة، وتروج وسائل الإعلام التابعة لهم التافه من القول والفعل وتخصص ساعات للحديث عن طلاق الفنانات وجديد قصص الجن والعفاريت، وهم، أي العرب، لا يدركون أن العالم يتغير بسرعة مذهلة، وأنه ما لم يتحركوا بسرعة فإن المستقبل سيلفظهم وستلعنهم الأجيال المقبلة.