عملات افتراضية مقلقة... محاولة أميركية لضبط إغراءات الدفع الرقمي المستقر

21 يوليو 2021
قلق من احتمال أن تشكل "العملات المستقرة" مخاطر على المستهلكين والنظام المالي (فرانس برس)
+ الخط -

في ضوء التقلبات الحادة التي تضرب على نحو مفاجئ أسعار غالبية العملات الرقمية المتداولة، وفي طليعتها "بيتكوين" Bitcoin، مؤدية إلى خسائر هائلة للمستثمرين فيها، يبدو واضحاً أن المنظّمين حول العالم، وفي صدارتهم وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) جيروم باول، لن يتخذوا مكاناً في صفوف المتفرّجين بعد الآن، متسلحين بسلطتهم للتعامل مع عملات مشفرة يعتقدون أنها "مستقرة" Stablecoins مقارنة بغيرها.

فما المقصود بذلك، وما طبيعة الجدلية القائمة حالياً في الولايات المتحدة بخصوصه؟

يركز كل من باول ويلين على "العملات المشفرة المستقرة" لما قد تشكله من مخاطر على المستهلكين، وبالتالي على النظام المالي، حيث تدفع يلين المنظمين الماليين إلى "التصرّف سريعاً" في صياغة قواعد لهذه العملات، بينما يرى آخرون أن هذا النوع من العملات هو الشيء الذي سيُجبر المصارف المركزية حول العالم على الغوص بنفسها في "بزنس" العملات الرقمية، على حد تعبير شبكة "بلومبيرغ" الأميركية.

في السياق، عقدت يلين اجتماعاً لمجموعة من منظمي الأسواق المالية والبنوك لمناقشة قواعد العملات المستقرة يوم الاثنين، حيث أعرب المشرعون والمنظمون، سراً وعلانية، عن قلقهم من أن بعض المستهلكين لن يكونوا محميين فعلياً في حال عدم حصول إحدى شركات العملات المستقرة على الدعم الذي تزعم أنها تمتلكه.

وهم يقولون إن الحجم المتزايد للعملات المستقرة أوجد وضعاً يجري فيه تبادل كميات ضخمة من العملات المعادلة بالدولار من دون المساس بالنظام المصرفي الأميركي، ما قد يؤدي إلى تعمية المنظمين عن التمويل غير المشروع.

باول قال في شهادته أمام الكونغرس: "إنها مثل صناديق المال، ومثل الودائع المصرفية، وتنمو بسرعة مذهلة، لكن من دون تنظيم مناسب"، علماً أن صناديق أسواق المال احتاجت إلى إجراء سريع من الاحتياطي الفيدرالي خلال الأزمة المالية سنة 2008 وانهيار السوق في عام 2020 بسبب كورونا، من أجل تلافي تجمعات الاستثمار غير المؤمّن عليها من الانهيار المحتمل.

ما هي "العملات المستقرة"؟

إنها عبارة عن أصول رقمية يُشار إليها حيناً بأنها "عملات معدنية" coins، وأحياناً بوصفها "عملات مرمّزة" مصمّمة للحفاظ على قيمتها، أي إنها عُرضة فقط لنوع من التقلب الملحوظ في العملات التقليدية، التي تشهد تقلبات في أسعار صرفها، إنما تكون هوامشها عموماً أقل بكثير من تقلبات "بيتكوين"، علماً أن أكثر العملات المستقرة شيوعاً الآن، وهي "تيثر" Tether، مثلاً، يجري تداولها دائماً بسعر يناهز دولاراً أميركياً واحداً.

مخاطرها على المستهلكين

تعتمد المخاطر على العملة المستقرة المقصودة. فتلك المرتبطة بالأصول الرقمية مثل "إيثر"، يمكن أن تنهار بانهيار تلك الأصول. كما أنّ العملات المضمونة تتعرض لخطر الاحتيال، بحيث تكون الاحتياطيات المزعومة خيالية.

ومثل أي أصل، رقمي أو مادي، ثمة خطر للتلاعب في السوق الثانوية، بما قد يؤدي إلى تحريف قيم العملات ويهدد بكسر أي ربط أساسي. ويمكن أن تقرر السلطات أنّها أوراق مالية يجب تسجيلها رسمياً أو استبعادها من الأسواق.

آلية الاستقرار

يتحقق هذا الأمر عبر واحدة من طريقتين: الأولى من خلال ربط "العملات المستقرة المضمونة" بأصل استثماري آخر، مثل الدولار، ويختلق مُصدروها نسخة احتياطية من قيمة عملتهم عبر الاحتفاظ بهذا الأصل. والثانية من طريق ربط العملات المستقرة الأخرى بسعر الأصول المشفرة، مثل "إيثر"، أو كما في بعض تطبيقات "ديفي" DeFi (اي التمويل اللامركزي)، بسلة عملات تودع كضمان.

يستخدم البعض خوارزميات لإدارة العرض والطلب على العملة المعدنية، لذا فإن ما هو متداول يطابق ما هو محتفظ به في الاحتياطي.

العملات المستقرة حالياً

ثمة عشرات العملات المستقرة قيد الاستخدام حالياً، برسملة سوقية مجمّعة تخطت 100 مليار دولار في مايو/ أيار المنصرم، مع توقعات بأرقام أعلى في المرحلة المقبلة، ومعظم تلك العملات المنتشرة على نطاق واسع مرتبطة بالدولار الأميركي.

يُشار، في السياق، إلى أن شركة "فيسبوك" Facebook كانت قد قادت اتحاداً هدفه إطلاق عملة مستقرة كان من المفترض أن يطلق عليها بداية اسم "ليبرا" Libra ثم تم تغييره إلى "دِيَم" Diem، بيد أن الفكرة فقدت زخمها في مواجهة معارضة من الجهات التنظيمية لأسواق المال.

لِمَ تحظى بشعبية كبيرة؟

يمكن أن تكون "العملات المستقرة" جسراً بين عالمين مختلفين لم يصمَّما أساساً بما يأخذ وضعهما المختلط بالاعتبار، وهما "العملات المشفرة" و"التمويل التقليدي".

وهذا ما يجعلها مفيدة كطريقة لحصد المكاسب من تداول العملات المشفرة أو بوصفها ملاذاً آمناً إذا اعتقد المستثمرون أن الانكماش الاقتصادي قادم.

كذلك فإنها تسهّل نقل الأموال إلى بورصات العملات المشفرة، مع أن العديد من البورصات لا تتمتع بالعلاقات اللازمة مع البنوك لتقديم إيداعات أو عمليات سحب بالعملة على نحو منتظم، لكن يمكنها عملياً قبول عملات مستقرة مثل "تيثر".

أخيراً، يمكن العملات المستقرة تبسيط وتسريع وإجراء عمليات شراء وتحويل أموال أرخص باستخدام تقنية مختلفة، تسمى "بلوكتشاين" blockchain، بدلاً من البنية التحتية التقليدية للمدفوعات.

أشهرها 4 عملات

1 - "تيثر" Tether

هي من بين الأمثلة الأكثر شهرة بعدما بلغت رسملتها السوقية 62 مليار دولار، وتقول شركتها إن الرموز المميزة الخاصة بها مدعومة بمعدل 1:1 للدولار الأميركي والسندات المالية والأوراق التجارية، من قروض الشركات قصيرة الأجل.

ومع ذلك لاحقتها الشكوك لسنوات. فقد وافقت بورصة العملات المشفرة التي تشغل "تيثر"، "بيتفاينيكس" Bitfinex، في فبراير/ شباط الماضي على دفع 18.5 مليون دولار لتسوية دعوى رفعتها المدعية العامة لولاية نيويورك، ليتيتيا جيمس، بزعم أنها أخفت خسارة أموال العملاء والشركات المختلطة وكذبت بشأن الاحتياطيات.

وقد كشف تحقيقها أن "تيثر" كانت في وقت ما مدعومة بالنقد والأوراق المالية قصيرة الأجل بنسبة 74% فقط بدلاً من 100% كما تزعم.

2 – "يو.إس.دي.إيه" USDA

أو "يو.إس.دي كوين" USD Coin، هي ثاني أكبر عملة مشفرة مستقرة في العالم، بدعم من شركتين ثقيلتي العيار في مجال التشفير، هما "سيركل إنترنت فايننشال" Circle Internet Financial Inc و"كوينبايز" Coinbase Inc، وتبلغ قيمتها السوقية 26.4 مليار دولار، وفقاً لموقع "كوين ماركت كاب" CoinMarketCap.com.

وهي مدعومة بمعدل 1:1 بالدولار الأميركي، واحتياطياته مثبتة شهرياً من شركة المحاسبة "غرانت ثورنتون" Grant Thornton LLP.

3 – "ترو يو.إس.دي" TrueUSD

هي عملة مستقرة أُخرى مضمونة تمتلك الدولار مقابل 100% من العملات التي تصدرها والتي تدققها شركة محاسبة مستقلة.

في يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت الشركة المصدرة لها أن "سيغناتشور بنك" Signature Bank سيعتمدها للتسوية مع عملاء تجاريين.

4 – "داي" Dai

عملة مستقرة مرتبطة بقيمة الدولار، لكنها مدعومة بالعملات المشفرة، بما في ذلك "إيثر" التي يضعها المستخدمون كضمان. وهي تمتلك واحدة من أكثر آليات استقرار الأسعار تعقيداً، وتبلغ رسملتها السوقية 5.5 مليارات دولار.

كيف تجني الشركات مالاً؟

تجني الشركات التي تصدر عملات مستقرة أموالاً من الفوائد والرسوم، ويمكنها ذلك من خلال استثمار النقد العادي الذي يتحول إليه المستخدمون في مختلف الأوراق المالية الحكومية قصيرة الأجل وغيرها من الأوراق المالية، من أجل كسب الفائدة. وباستثمار مليارات الدولار في هذه المجالات، تتراكم الفوائد لمصلحة هذه الشركات.

المساهمون