عمال فلسطين عالقون في الحرب والبطالة

27 يوليو 2024
عامل يعد منتجات للبيع في سوق البلدة القديمة بالقدس يوم 8 إبريل 2024 (مصطفى الخاروف/Getty)
+ الخط -

تستمر عمال فلسطين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وذلك منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط نسبة البطالة المتواصلة في صفوفهم والتي تتخطى تسعين بالمئة، حسب مراقبين، إذ تمنعهم إسرائيل من التوجه للعمل تحت ذرائع أمنية، بينما عجزت الجهات الفلسطينية الرسمية أو النقابية عن تقديم حلولٍ لهم، أو أن توفر فرصًا لدمجهم في سوق العمل الفلسطينية التي تعاني أصلًا من تدهور شديد وفق بيانات البنك الدولي.

محاولات دعم عمال فلسطين

بعد نحو عشرة أشهر من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، والتي كان القطاع العمالي فيها الأكثر تضررًا، طرحت سلطة النقد الفلسطينية أول برنامج دعمٍ للعمال، "بموجبه، يمنح العامل الذي تنطبق عليه المعايير قرضًا سقفه 60 ألف شيكل (نحو 17 ألف دولار)، من دون أية فوائد أو عمولات؛ بهدف تشجيع العمال على بدء مشاريع إنتاجية جديدة أو تطوير مشاريعهم القائمة، لتمكنيهم اقتصاديًا في ظل الظروف الراهنة"، كما أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني ومعه رئيس سلطة النقد الفلسطينية قبل أيام.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويقول مدير دائرة الرقابة المصرفية في سلطة النقد إياد نصار، خلال حديث مع "العربي الجديد"، إن "البرنامج موجّه إلى عمال فلسطين الذين كانوا في الداخل الفلسطيني المحتل، وعددهم نحو 100 ألف، المنظّمين بشكل رسمي وفق بيانات وزارة العمل، ولا يشمل أكثر من 100 ألف آخرين غير مسجّلين رسميًا".

ويشير نصار إلى أن البرنامج يسعى إلى دعم مشاريع إنتاجية وزراعية بالدرجة الأولى، وفق شروط محددة لا بهدف سداد ديون مستحقة أو الاستثمار العقاري أو الاستهلاكي.

ووفق نصّار، فإن البرنامج تمويلي بـ70 مليون شيكل، ستنفذ فيه مرحلة أولى تقدر بـ30 مليون شيكل من المتوقع أن يستفيد منها نحو 500 - 700 عاملٍ، بعد حصولهم على التمويل، وفق شروط أهمها وجود فكرة مشروع اقتصادي، أو امتلاك مشروع قائم صغير، ومن ثم تنفّذ المرحلة الثانية من البرنامج بمبلغ 40 مليون شيكل، ومتوقع أن يستفيد منها في النهاية نحو ألفي عامل.

برنامج مهم ولكن

يحمل تنفيذ البرنامج بعدًا إيجابيًا من خلال خلق فرص عملٍ لفئة من عمال فلسطين وسط انعدام الأفق الذي يعيشونه، لا سيما أن البرنامج قائم على الإقراض الحسن "بلا فوائد" وموجّه للجانب الإنتاجي خلافًا للمعتاد بأن تذهب البرامج الائتمائية لتسهيلات القطاع الحكومي الاستهلاكي، أو للأغراض الاستهلاكية، وبالتالي إعادة توجيه الإقراض للمشاريع المهمة وتقديم التسهيلات لقطاعات أكثر انتاجية، كما يرى منسق شبكة الصحافيين الاقتصاديين الفلسطينيين أيهم أبو غوش في حديث لـ"العربي الجديد".

غير أن ذلك يطرح تساؤلات عما إذا كان السوق الفلسطينية أصلًا قادرة على استيعاب مشاريع ناشئة في ظل تضرر المشاريع الكبيرة، وفي أيّ مجالات سيحقق هذا الدعم نجاحًا خصوصا، وأنه يستهدف المشاريع الزراعية مثلًا، التي تعاني من خطوات إسرائيلية هدّامة، لا سيما أن (نحو 63% من الأراضي الصالحة للزراعة في الضفة الغربية تقع في المناطق المصنّفة "ج"، أي خاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، وفق أبو غوش.

أما أمين سرّ اتحاد نقابات عمال فلسطين في رام الله علاء مياسي فيقول، لـ"العربي الجديد"، إن "برنامج سلطة النقد من شأنه التخفيف عن أزمة بعض العمال، لا جميعهم، لأنه لن يغطي أكثر من 10% من نسبة عمال فلسطين المتضررين، وسط غياب ديمومة إغاثية تسد عن العمّال التزاماتهم المادية للحد الأدنى من الخدمات".

موقف
التحديثات الحية

ولا يرى مياسي أن المبلغ المرصود بـ60 ألف شيكل كافيًا لتأسيس مشروع من الصفر، بل قد يعتبر داعمًا لمشروع قائم، حيث إن الشركات التجارية والمشاريع الكبيرة بعضها تضرر واضطر للإغلاق وسط حجم منافسة عال للصمود في السوق، ما يعني أن النهوض بمشروع على مبلغ بهذا النحو وسط عمل الاقتصاد الفلسطيني بوتيرة 40% عن طاقته قبل عشرة أشهر.

وعن إجابة مدير دائرة الرقابة المصرفية في سلطة النقد عن سؤال "العربي الجديد" إن كان البرنامج كافيًا لحلّ أزمة البطالة بين العمّال، يقول أبو غوش: "الدعم البسيط لن يحلّ مشكلة البطالة، وحجم المستفيدين ليس كبيرًا مقارنة بأعداد العمّال، لكنه البرنامج الأول الذي يطلق للعمال، ونأمل أن ينجح بعد نجاح مشروع آخر استهدف المنشآت التجارية الصغيرة، ونسعى دائمًا لعمل برامج داعمة".

بيئة استثمارية خطيرة

تعتبر البيئة الاستثمارية في السوق الفلسطينية خطيرة، بحسب أبو غوش، الذي يوضح أن "عمال فلسطين اعتادوا على أعمال حرفية ومهارية، وفي المقابل، فإن القروض المطروحة في البرنامج بعيدة عن مجالهم، خصوصًا أنها بحاجة لدراسة اقتصادية معمّقة وفهم لأوضاع السوق، وهذا ما لا تملكه الطبقة العمّالية وسط ما يعانيه السوق أصلًا من حالة انكماش، وغياب للسيولة النقدية التي كانت تضخ شهريًا بحوالي 1.5 مليون شيكل".

ويقول أبو غوش: "يعتبر الاقتصاد الفلسطيني تابعاً للإسرائيلي، وهو قائم على تعظيم الإيرادات الضريبية عن طريق تشجيع الاستهلاك، ما جعل نسب البطالة تتفشى في الأوساط العمّالية، في ظل عدم قدرة السلطة الفلسطينية على الإيفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين لديها، والقطاع الخاص، وعاجزة عن إيجاد بديل لـ200 ألف عامل في ظل ظروف مالية صعبة، لو لم تكن هذه الظروف، لما استطاعت السلطة تعويضهم أيضًا، وبهذا تبدو أدوات المعالجة الحكومية للأزمات الاقتصادية بشكل جذري معدومة بما فيها سبل حل البطالة".

وحسب الاتحاد العام لعمّال فلسطين، فإن 190 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة يعملون بشكل رسمي في سوق العمل الإسرائيلية، ونحو 60 ألفًا يدخلون عبر طرق مختلفة، وجميعهم توقفوا عن العمل، باستثناء نحو 24 ألف عامل سمح لهم بالعمل مؤخرًا في ظل شروط مشددة.

تعتبر البيئة الاستثمارية في السوق الفلسطينية خطيرة، بحسب أبو غوش، الذي يوضح أن "العمّال الفلسطينيين اعتادوا على أعمال حرفية ومهارية


ولا يملك القطاع الخاص قدرة على استيعاب هذه الأعداد إلا في حالات "ضئيلة"، لأن الاقتصاد الفلسطيني قائم على مشاريع صغيرة بنسبة 95%. ووفق أبو غوش، ذلك يوحي بأن الأزمة الاقتصادية ذاهبة باتجاه التوسّع نظرًا إلى السيطرة الإسرائيلية على عاملين أساسيين يستند إليهما الاقتصاد الفلسطيني، وهما: "التحكم في قضية عمال فلسطين ومتى يعملون ومتى يتوقفون، بالإضافة إلى السيطرة على أموال المقاصة"، وعاملٌ آخر مهم وهو السيطرة العسكرية على الأراضي الفلسطينية المصنّفة "ج" وبعض مناطق "ب".

محاولات للضغط على إسرائيل

ويلفت أمين سرّ اتحاد نقابات عمال فلسطين في رام الله علاء مياسي إلى أنهم يعملون مع الاتحاد الدولي لنقابات العمال؛ بهدف الضغط على إسرائيل من أجل السماح بعودة العمال إلى الداخل، حيث يتوقع أن يُسمح خلال المرحلة المقبلة لسبعة آلاف عامل بالتوجه للعمل في القطاع الزراعي.

ويقول مياسي: "نعمل مع اتحاد العمال في أميركا للضغط في تعويض العمال بعد تضررهم بفعل الحرب، وهذا حق كفله القانون الإسرائيلي، ونسعى لرفع دعوى في المحاكم الدولية، وحال نجاحها، من المتوقع أن يحصل العمال على تعويض يقدر بـ10 مليارات شيكل، من شأنها إحداث فارق في الحركة النقدية داخل السوق".

المساهمون