عدوى إفلاس البنوك الأميركية لم تنته... وتحذير من نهاية 2023

02 مايو 2023
أصول بنك فيرست ريبابليك تبلغ 229.1 مليار دولار (Getty)
+ الخط -

لم يكد الصخب حول أزمة البنوك الأميركية يهدأ قليلاً، بعد الضجيج الواسع الذي أحدثه انهيار ثلاثة مصارف في غضون 11 يوماً فقط خلال مارس/آذار الماضي، حتى أطلت المخاوف بشأن استقرار القطاع المصرفي من جديد، رغم المحاولات الحكومية لمحاصرة انفراط عقد الكيانات المالية، لا سيما الصغيرة التي لا يستهان بتأثيرها ليس فقط في الأوساط المالية، ولكن أيضا في العديد من الأنشطة الاقتصادية الحيوية في أكبر اقتصاد بالعالم.

وضعت الجهات المنظّمة يدها على "فيرست ريبابليك بنك"، تمهيداً لاستحواذ "جيه بي مورغان" على المصرف، بعد فشل جهود الإنقاذ في إصلاح أضرار ممارسات الاستثمار غير السليمة، وسحوبات المودعين التي ضربت البنوك الإقليمية. وذكرت إدارة الحماية المالية والابتكار في كاليفورنيا في بيان، أمس الاثنين، أن "جيه بي مورغان": "سيتولى جميع الودائع، بما في ذلك كل الودائع غير المؤمَّنة، وجميع أصول (فيرست ريبابليك بنك) إلى حد كبير".

وعيّنت الجهات المنظمة في ولاية كاليفورنيا المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع بصفتها الجهة المتسلّمة للبنك الذي يقع مقره في سان فرانسيسكو. وقالت إدارة الحماية المالية والابتكار في كاليفورنيا في بيانها إن "الودائع مؤمَّنة اتحادياً من المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع وفقاً للحدود المعمول بها".

ومثل باقي البنوك الإقليمية، تعرض "فيرست ريبابليك" للضغوط بعد رفع الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، مما أضر بقيمة السندات والقروض التي اشتراها البنك عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة. في غضون ذلك سحب المودعون أموالهم، جزئياً للبحث عن عائدات أفضل، ثم خوفاً مع انتشار المخاوف بشأن صحة "فيرست ريبابليك" المالية.

ونتج عن ذلك فجوة رأسمالية ضخمة بما يكفي لردع أي مُنقذ على نطاق واسع عن تقديم المساعدة. وزاد القلق في إبريل/ نيسان الماضي بعد تقرير نتائج أعمال البنك في الربع الأول من العام الجاري، فضلاً عن أخبار محاولته بيع الأصول، وبدء مساعي الإنقاذ. وقال البنك إنه سيخفض ما يصل إلى 25% من موظفيه، بجانب تقليص القروض المستحقة، والحد من الأنشطة غير الأساسية.

وحاول 11 بنكاً أميركياً إنقاذ "فيرست ريبابليك" من خلال التعهد بتقديم ودائع جديدة بقيمة 30 مليار دولار في 16 مارس/آذار، منها "جيه بي مورغان" و"بنك أوف أميركا" و"سيتي غروب" و"ويلز فارغو"، إذ عرض كل منهما 5 مليارات دولار. كما عرض "غولدمان ساكس" و"مورغان ستانلي" وبنوك أخرى مبالغ أصغر كجزء من خطة وُضعَت مع المنظمين الأميركيين. علاوة على ذلك استعان "فيرست ريبابليك" بمجلس بنوك قروض المنازل الفيدرالية، وخط سيولة من الاحتياطي الفيدرالي.

لكن لم تكن تلك الجهود كافية. وهبط السهم، الذي تجاوز 170 دولاراً في مارس/آذار 2022، إلى أقل من 5 دولارات بحلول أواخر إبريل/ نيسان، ليهبط بنسبة 97%.

وحسب نتائج أعمال "فيرست ريبابليك"، للربع الأول من 2023، التي نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال، نهاية الأسبوع الماضي، تراجعت الودائع في البنك بأكثر من 40% بما يعادل 104.5 مليارات دولار. وقدرت المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع في بيانها، أمس، أن تكلفة صندوق تأمين الودائع ستبلغ حوالي 13 مليار دولار. وستحدد التكلفة النهائية عندما تنهي المؤسسة الحراسة القضائية.

وتأتي صفقة شراء "فيرست ريبابليك" بعد أقل من شهرين على انهيار بنكي "سيليكون فالي" و"سيغنتشر" وسط موجة من هروب الودائع من البنوك الأميركية، مما أجبر مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) على التدخل بإجراءات طارئة للحفاظ على استقرار الأسواق. وانهارت هذه البنوك بعد تصفية بنك "سيلفرغيت"، الذي كان يركز على العملات المشفرة، لأصوله طواعية.

ووفقا لبيان المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع، بلغ إجمالي أصول "فيرست ريبابليك" 229.1 مليار دولار حتى 13 إبريل/ نيسان، فيما بلغت الودائع 103.9 مليارات دولار.

وقال جيمي ديمون، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمصرف جيه بي مورغان: "لقد دعتنا حكومتنا والآخرون لنخطو خطوة نحو الأمام، وقد فعلنا ذلك.. سمحت لنا قوتنا المالية وقدراتنا ونموذج أعمالنا بتقديم طلب شراء لتنفيذ الانتقال بطريقة تقلل من تكاليف صندوق تأمين الودائع".

وأعيد فتح فروع البنك المنهار والبالغ عددها 84 في ثماني ولايات بوصفها فروعا لبنك جيه بي مورغان، اعتبارا من أمس الاثنين، وفقا لما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن بيان للبنك المستحوذ.

وبالنظر إلى حجم أصوله، يعد فيرست ريبابليك ثاني أكبر مصرف يفلس في تاريخ الولايات المتحدة بعد إفلاس "واشنطن ميوتوال" في عام 2008، وذلك باستثناء البنوك الاستثمارية مثل "ليمان براذرز" الذي انهار خلال الأزمة المالية العالمية، وفق وكالة فرانس برس.

وتخصص "فيرست ريبابليك" في الخدمات المصرفية الخاصة التي تُقدم للأثرياء، مثل "سيليكون فالي" الذي انهار في مارس/آذار، كما ركز على شركات رأس المال الجريء. وكان البنك قد اشتُريَ وبِيعَ عدة مرات على مر السنين، إذ استحوذ "ميريل لينش" عليه بقيمة 1.8 مليار دولار في 2007.

ثم انتقلت ملكيته إلى "بنك أوف أميركا" عندما اشترى الأخير "ميريل لينش" في 2009، قبيل أن تتغير ملكيته من جديد في منتصف 2010، عندما اشترت شركات الاستثمار، بما في ذلك "جنرال أتلانتيك" و"كولوني كابيتال"، "فيرست ريبابليك" مقابل 1.86 مليار دولار، ثم طرحه للاكتتاب العام.

وبدأ رئيس مجلس الإدارة جيم هربرت، المصرف عام 1985 بأقل من 10 موظفين، وفقاً لتاريخ "فيرست ريبابليك". وبحلول يوليو/تموز 2020 قال البنك إنه احتل المرتبة 14 في الولايات المتحدة، بـ80 فرعاً في سبع ولايات، كما وظف أكثر من 7200 شخص بنهاية العام الماضي.

ولا يتوقع أن تهدأ جذوة انهيار البنوك في الولايات المتحدة، لا سيما الصغيرة التي لديها انكشاف كبير على العقارات التجارية. إذ تعرض قطاع المكاتب على وجه الخصوص لضغوط سعرية في الآونة الأخيرة. ومن المتوقع أن يحدث تقييم الأصول العقارية التجارية أزمات في بعض المصارف الأميركية خلال العام الجاري.

وحذر تشارلي مونغر، نائب رئيس مجلس الإدارة في شركة الاستثمار بيركشاير هاثاواي، من مخاطر القروض العقارية الرديئة على المصارف، مشيرا في تصريحات لصحيفة "فاينانشال تايمز" الأحد الماضي، إلى أن البنوك الأميركية مليئة بـ"القروض المعدومة" التي ستكون معرضة للخطر مع "حلول الأوقات العصيبة" التي يعيشها القطاع المصرفي وانخفاض أسعار العقارات. ولفت مونغر إلى أن القروض العقارية كانت من أسباب أزمة المال العالمية التي ضربت الولايات المتحدة في العام 2008.

كما نقلت فاينانشال تايمز، عن محمد العريان الخبير الاقتصادي ورئيس كلية كوينز في كامبريدج، أن الاقتصاد الأميركي "على أعتاب انكماش ائتماني سيستمر خلال الأرباع العديدة القادمة، وربما نصل إلى ذروته في نهاية هذا العام أو بداية العام المقبل 2014"، مشيرا إلى أنه لا يمكن للسياسات مواجهة هذه العدوى بسهولة".

ورغم أنه يُنظر إلى استحواذ "جيه بي مورغان" على "فيرست ريبابليك" على أنها صفقة إنقاذ، إلا أن الواقع يشير إلى مخاطر أعمق، إذ ستزيد الصفقة حجم "جيه بي مورغان" الذي هو بالفعل أكبر بنك في البلاد، وهي النتيجة التي بذل المسؤولون الحكوميون الجهود لتجنبها في الماضي، إذ إنه في الظروف العادية، وبموجب القيود التنظيمية الأميركية، فإن حجم البنك المتمثل في حصته الحالية من قاعدة الودائع الأميركية، تمنعه من زيادة توسيع قاعدة ودائعه، كما أن الاندماجات بالصناعة المالية والقطاعات الأخرى أثارت انتقادات المشرعين الديمقراطيين البارزين وإدارة الرئيس جو بايدن.

المساهمون