عاملان رئيسيان ألقيا بظلالهما على المشهد الاقتصادي الروسي في العام المنتهي 2020، وهما تهاوي أسعار النفط وجائحة كورونا، مما زاد من متاعب الاقتصاد الروسي والعملة الروسية الروبل. وبحسب تقديرات وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فإن الناتج المحلي الإجمالي الروسي قد يتراجع بنسبة 3.8 في المائة هذا العام، بينما سجل سعر صرف الروبل تراجعا من نحو 62 روبلا للدولار الواحد مطلع العام إلى نحو 74.5 روبلا بحلول نهايته، متجاوزا عتبة الـ80 روبلا في بعض الأوقات.
وفي هذا الإطار، يعتبر كبير المحللين بمجموعة "تيلي تريد" للتداول، مارك غويخمان، أن الروبل الروسي أظهر نفسه في عام 2020 على طبيعته كـ"ممثل لمجموعة الأصول عالية المخاطر والعملات النفطية". ويقول غويخمان في تعليقات لـ"العربي الجديد": "تأثر الروبل، شأنه في ذلك شأن غيره من الأصول بالعوامل الخارجية العامة مثل قبول المخاطر والهروب منها، وهي كانت متعلقة بالدرجة الأولى، طبعاً، بتطورات جائحة كورونا وإجراءات مواجهتها". وأضاف غويخمان: "أدت هذه الظروف إلى انهيار أسواق الأسهم والمواد الخام. وكان هناك دور لانسحاب روسيا من صفقة "أوبك+" في مارس/آذار الماضي، مما أدى إلى نشوب "حروب نفطية" وانهيار سعر نفط برنت إلى ما دون 16 دولارا للبرميل".
وحول العوامل التي أدت إلى تحسن أداء الروبل الروسي في الأشهر التالية، يضيف: "واصل الروبل ديناميكيته وفق حركة أسواق الأصول عالية المخاطر. إذ أدى اتفاق "أوبك+" الجديد بمشاركة روسيا إلى رفع أسعار النفط من أدنى المستويات، كما رافقته سياسات غير مسبوقة اتبعتها المصارف المركزية العالمية لخفض أسعار الفائدة الأساسية وضخ أموال طائلة في الاقتصاد لمواجهة تراجع نشاط الأعمال.
وأدى ذلك إلى زيادة الاستثمارات في الأصول المدرجة بالروبل". وطوال هذه السنة، لم يبق المصرف المركزي الروسي بمنأى عن تخفيف السياسة النقدية، إذ خفض سعر الفائدة الأساسية بضع مرات، لتستقر عند نسبة 4.25 في المائة، وهو أدنى مستوى لها تاريخياً.
ويعلق غويخمان على سياسات المركزي الروسي في عام 2020، قائلاً: "جاء ذلك عاملاً لإضعاف الروبل بسبب تراجع العوائد عليه من جانب، ولكن من جانب آخر، شكل خفض الفوائد على القروض دعماً للاقتصاد وزيادة الطلب على الروبل ودعم سعر صرفه. وفي الربع الأخير من العام، أضيفت إلى ذلك عوامل جديدة مثل ترقب بدء حملات التطعيم ضد كورونا، مما سيساعد في تجاوز التداعيات السلبية للجائحة وزيادة نشاط الأعمال والنمو الاقتصادي".
أما العوامل الرئيسية التي قد يكون لها تأثير على أداء الروبل الروسي مع بداية عام 2021، فيلخصها الخبير المالي في الظروف الخارجية مثل الميل العام للأسواق إلى المخاطرة، والوضع مع الجائحة والتطعيم، وخطاب العقوبات، وطلب المستثمرين على الأصول الروسية، وما إذا كانت وزارة المالية الروسية ستستأنف شراء العملة الصعبة لإيداعها في الاحتياطات بعد ارتفاع أسعار النفط العالمية.
وعلى الرغم من المخاطر المخيمة على اقتصاد روسيا وعملتها، إلا أن الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، اعتبر أن الاقتصاد الروسي سجل تراجعاً أقل منه في الدول الأخرى بفضل ما قال إنه "المساعدة الجراحية المدققة"، في إشارة إلى دعم الدولة لمختلف قطاعات الأعمال وفئات السكان الأكثر عرضة لتداعيات الأزمة. وقال بيسكوف في حديث للتلفزيون الروسي يوم الأحد الماضي: "لننظر إلى تلك الدول التي ضخت مئات المليارات وحتى التريليونات من العملة في اقتصادها. هل أنقذ ذلك اقتصادهم والاقتصاد العالمي من التراجع بنسبة 4 في المائة"؟
من جهته، أعرب وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، عن اعتقاده بأن استعادة نشاط الأعمال هي المهمة الرئيسية في روسيا في عام 2021. ويعد القطاع الخدمي في روسيا، شأنها في ذلك شأن جميع دول العالم، القطاع الأكثر تضررا من جائحة كورونا التي أسفرت عن فرض نظام الإغلاق الكلي لبضعة أشهر في الربيع الماضي لمنع تمدد الوباء. ويذكر أن الاقتصاد الروسي يعتمد في الأداء الاقتصادي على مستويات أسعار النفط والغاز.